أعطى الحضور المجتمعي النخبوي الذي شارك في حفل الاستقبال الذي أقامه الدكتور محمد سلهب لمناسبة إطلاق الوثيقة السياسية لـ”التجمع الدستوري الديمقراطي”، زخما قويا لهذه الانطلاقة، وشرعية للوثيقة التي تناولت أزمات أساسية في المجتمع اللبناني، وطرحت خارطة طريق لكيفية معالجتها أو التخفيف من تداعياتها، ولا سيما قضية الفساد وإنتقاص السيادة.
شخصيات أكاديمية وعلمية وثقافية ومدنية، وناشطون في السياسة والمجتمع الأهلي شاركوا في حفل الاستقبال في مطعم الشاطئ الفضي الذي ضاقت قاعته بالحضور، وذلك في إشارة واضحة الى شغف هؤلاء بالعمل السياسي من خارج إطار التيارات التقليدية، ووفق رؤى وأهداف جديدة تضع مصلحة لبنان عموما وطرابلس خصوصا فوق أي إعتبار.
رحبت نورما عرب بالحضور، ثم تحدث رئيس التجمع الدكتور محمد سلهب فتناول آخر المستجدات السياسية كمدخل لشرح محتوى الوثيقة السياسية، لافتا الى أن لبنان بلد الصدمات والمفاجآت والتي كان آخرها استقالة الرئيس سعد الحريري التي قلبت الحياة السياسية رأسا على عقب في البلد.
وإستعرض الدكتور سلهب مسار الربيع العربي، والحرب السورية، وكيفية تعاطي أهل الحكم في لبنان معها، حيث إرتأوا إعتماد مبدأ النأي بالنفس لتحييد لبنان عن الصراعات، وذلك عبر إعلان بعبدا الذي تراجع عنه فريق كان طالب فيه، ثم توالى التمديد لمجلس النواب مثنى وثلاث، وتعطلت إنتخابات رئيس الجمهورية لفترة زادت عن السنتين ونصف السنة، ثم كانت التسوية التي جمعت كل الأخصام الذين كانوا يختلفون على الأمور السيادية، قبل أن يصار الى تهديد هذه التسوية باستقالة الرئيس الحريري من السعودية.
ورأى سلهب أن الأزمة التي نعيشها لها عنوانان: انتقاص السيادة، وفساد في الادارة يؤدي الى الهدر، إضافة الى محور خاص يتعلق بطرابلس التي يترافق إسمها مع النفايات والفقر والبطالة
والتسرب المدرسي وزحمة السير والحفريات والتسوّل.
وقال: اذا نظرنا الى مكامن القوة في طرابلس وهي تعرف بالاربعة (م) اي المرفأ، المطار، المعرض، والمصفاة، واذا استثنينا المرفأ حيث كان العمل فيه بجدية كبيرة “رحم الله رئيس مجلس ادارته المرحوم محمود سلهب” فاننا نجد التعطيل هو سيد الموقف، وعلى أمل ان لا تنضم المنطقة الاقتصادية الخاصة كميم خامسة.”
وأضاف: طرابلس مدينة وطنية بامتياز، فبعد الجولات العشرين وجولتين لم يتم احتسابهما، وبعد تفجيري مسجدي السلام والتقوى، نجد طرابلس المجروحة ترفض وهي تنزف الانزلاق نحو تيارات الحقد والثأر. حيث انها رفضت مبدأ الامن الذاتي ورفعت راية الانتماء الى الوطن والدولة مما يعطيها الحقوق كافة للمطالبة بالعدالة والانصاف لها ولابنائها.
وتبقى طرابلس مدينة العلم، والحضور اليوم في هذا الاحتفال يشهد لها، فالنهضة العلمية التي كنا من اوائل المشاركين فيها اعطت شباباً متعلماً في مجالات العلوم والتكنولوجيا كافة.
والحقيقة ان التكنولوجيا لم تعد خياراً او ترفاً بل اصبحت من مستلزمات حياتنا اليومية، ونعيشها كأمر واقع ظالم، لكن في هذه الحالة ماذا نفعل بشبابنا الذي ينتج ويخترع ويؤهل بلاداً ودولاً اجنبية بمهارته وعلمه؟، لذلك يجب أن نتلقفها ونتعامل معها، لا بل ونتحكم بها لمصلحتنا ومصلحة بلدنا، وهنا نشدد بالفم الملآن على أن طرابلس الوطنية إختارت الوطن، وأن طرابلس ديمقراطية بتنوعها، لكن تمّ مصادرة قرارها وارادتها بالتفقير والعنف وشراء الضمائر والإرهاب، ولم يتركوا شيئاً الا واختبروه عليها في هذا المجال والى ذلك تظل طرابلس حرة أبيّة، رفضت مظاهر السلاح الخارج عن الدولة، حتى لو كان بلبوس مقاومة، عندما تحولت هذه الاخيرة عن وجهتها واضاعت البوصلة.
اختارت طرابلس جهراً وصراحةً سيادة الدولة، فلم تقبل ان يذود عنها وعن كرامة ابنائها الا الجيش والقوى الامنية اللبنانية، لانها تعرف ان ما يربطها بالجيش الوطني والقوى الامنية اللبنانية هو عقد اجتماعي، ينصّ على ولاء المواطن مقابل الحفاظ على امنه وكرامته وحريته، وهذا العقد هو حصري بين فريقيه، وعندما يتم الاخلال فيه يكون الاحتكام للقضاء الوطني، لكن لمن يكون الاحتكام عند تجاوزات المتنكرين لهذه الحصرية”.
بعد ذلك عرض الدكتور سلهب لبنود وثيقة التجمع الدستوري الديمقراطي وفيها:
اولاً: لا سيادة الا للدولة وللشعب وللقوى الامنية الرسمية حصراً.
ثانياً: تطبيق الدستور بكل مندرجاته، لا بل استكمال تطبيق الدستور.
ثالثاً: تحفيز الادارة الرشيدة، وتعزيز اللامركزية.
وأشار الى أن هذه العناوين ليست جديدة، بل هي عناوين وثيقة الوفاق الوطني التي تمّ اعتمادها منذ اكثر من ربع قرن الا انها لم تطبق. فهل الخلل كما يدعي البعض في الوثيقة بذاتها ام بعدم احترامها وتطبيقها.
لقد دفعنا ثمناً باهظاً، حرباً اهلية مدمرة للوصول الى هذه الوثيقة، فلنطبقها قبل الحديث عن استبدالها لما قد يحمل هذا الاستبدال من مخاطر على الوطن والبلاد.
انّ عدم تطبيق المبادئ التي اشرنا اليها يرجع الى افتقاد الارادة والقرار السياسي وممارسة المواطنة بشكلها السليم، والتي تنقذنا من منزلقات التقوقع والمذهبية، فالمواطنة تقضي بالبحث والاقتراح والمراقبة والمساءلة والمتابعة والمحاسبة، مما يتطلّب عملاً وجهداً متواصلاً يرفع الفرد من وضعية القاطن الى رتبة المواطن. وهذا هو معنى “الديمقراطي” في عنوان تجمعنا.
فالديمقراطية اليوم في خطر مع التمديد الاول ومن ثم الثاني والثالث، واستباحة حقوق وصلاحيات المجلس الدستوري، ففي الديمقراطية تكمن قوة الدولة، لما تحمل من تجديد في انتاج الشرعية، وتحصين للمواقع السيادية وتفعيل المواطنة.
وختم سلهب: اردنا في التجمع الدستوري الديمقراطي فتح افق لممارسة المواطنة واداة لضخ الحياة الديمقراطية، حتى لا نبقى نترحم على طرابلس خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بل ان نعمل لبناء طرابلس الغد في لبنان مشرق.