كتب سعيد عريقات في صحيفة "القدس"، تحت عنوان "الصفقة الكبرى.. دولة فلسطينية تبقي السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وتواجد عسكري في الأغوار": تزداد هذه الأيام التكهنات في العاصمة الأميركية واشنطن - كما في عواصم أوروبية وعربية أخرى - التكهنات بشأن "مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الصفقة الكبرى والسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل واقتراب إدارته من إعلان نقاط المشروع"، ربما خلال الأيام القليلة المقبلة.
وارتفعت وتيرة هذه التكهنات بعد أن نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً تحدثت فيه عن اقتراب فريق ترامب المكون من صهر الرئيس جاريد كوشنير، ومبعوث الرئيس جيسون غرينبلات والسفير الأميركي في تل أبيب ديفيد فريدمان ونائبة مستشار الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي دينا باول الذين استمعوا في الأسابيع والأشهر الماضية إلى الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والعربية في المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد ذكرت في تقريرها، يوم 1 تشرين الثاني 2017 أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت بصياغة الخطوط العريضة لاتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني وربّما تقدِّمه مطلع العام المقبل2018، وأنَّ البيت الأبيض يدرس حالياً "أوراق موقف" بشأن مختلف القضايا الجوهرية.
وتطرقت الصحيفة الأميركية إلى محادثات أجراها كبار المسؤولين في إدارة ترامب والذين قالوا أنّه بعد 10 أشهر من دراسة جوانب مختلفة بشأن النزاع بين الجانبين، فإنَّ البيت الأبيض سيتَّخذ خطوات عملية ومن بين ذلك دراسة أوراق موقف بشأن مختلف القضايا الجوهرية للصراع، مركزة على أنّ المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام جيسون غرينبلات عاد الأسبوع الماضي إلى واشنطن بعد زيارة استمرت ثلاثة أسابيع لإسرائيل والأراضي الفلسطينية عقد خلالها لقاءات مع مسؤولين من الجانبين.
وقال غرينبلات إنّه تم استثمار الكثير من الوقت في الاستماع إلى الجانبين واللاعبين الرئيسين في المنطقة بهدف التوصل إلى اتفاق سلام، وأضاف: "لم نحدِّد موعداً نهائياً ولن نرغم أي طرف على الإتّفاق، وهدفنا هو التوسُّط من أجل محاولة التوصل لاتفاق سلام شامل من شأنه أن يحسّن حياة الإسرائيليين والفلسطينيين والأمن في جميع أنحاء المنطقة".
وخلال وجود غرينبلات في المنطقة، عقد أيضاً اجتماع بين صهر ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنير والقيادة السعودية، وكرس جزء منه لمناقشة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وبعد أيام قليلة من ذلك الاجتماع، وصل الرئيس محمود عباس إلى المملكة العربية السعودية لعقد اجتماع مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وبشأن زيارة عباس المفاجئة للرياض الثلاثاء الماضي تدَّعي مصادر مقربة من اللّوبي الإسرائيلي في العاصمة الأميركية أنّ "زيارة عباس للرياض قامت على أساس طلب وإصرار السعوديين أن يقوم الزعيم الفلسطيني بهذه الزيارة وطلبت منه قبول خطة سلام ترامب".
من جهتها علمت "القدس" من مصدر مطلع في العاصمة الأميركية عاصر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على مدى عقدين من الزمان أنّ "فريق ترامب يقترب من وضع صيغة من 8 أو 9 نقاط حول رؤية الرئيس ترامب لحلٍّ مرحلي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي" وأنّ هذا الفريق "الذي يتميّز عن أسلافه من خبراء مفاوضات السلام في الإدارات السابقة بافتقاره الخبرة بتعقيدات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ومعرفة كلِّ صغيرة وكبيرة وحدود أو قدرة الطرفين على التنازل والتقدم تجاه الآخر، وبدلاً من ذلك فإنّ اندفاعه لفعل شيءٍ ما، نحو حلٍّ ما، ينبع من مواقف أيديولوجية متفانية في دعمها لإسرائيل ولرئيس الوزراء نتنياهو وأنّ الثلاثة (كوشنير وغرينبلات وفريدمان)، وهم من المتدينين اليهود الذي أمضوا حياتهم في دعمها، يعتقدون أنهم يعرفون كل ما يجب معرفته عن هذا الصراع".
وبحسب المصدر ، فإنّ "الحلّ الذي يعده الآن كوشنير وغرينبلات وفريدمان، يعتمد بشكل فضفاض على ما عرف بنقاط الرئيس السابق بيل كلينتون في أيامه الأخيرة كرئيس مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي حدثت على ألارض في إسرائيل والأراضي الفلسطينية ، كما عبر المنطقة الملتهبة برمتها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، ويرتئي حلا تدريجياً نحو دولة "ما" في الأراضي الفلسطينية، وتعتمد بشكل فضفاض على حدود عام 1967، فيما تبقي على الكتل الاستيطانية الكبرى تحت السيطرة الإسرائيلية، وتبقي على وجود عسكري/أمني إسرائيلي في منطقة الأغوار، وسيطرة إسرائيلية على التنقيب عن المعادن والمياه في كافة مناطق الضفة الغربية، وتطوير المنطقة "ج" والمناطق المحاذية في منطقتي "ج" و"ب" اقتصادياً ويعطي الفلسطينيين حق التنقل بين هذه المناطق".
وليس هناك جديد في ذلك حيث أنّ دنيس روس، مبعوث السلام الأميركي السابق، ومستشار "معهد الشرق الأوسط لسياسة الشرق الأدنى" كان قد دعا الرئيس ترامب في شهر كانون الأول 2016 إلى التمسك بالدبلوماسية، و"تجنُّب المبادرات الكبرى"، للاعتراف بدولة فلسطين أسوة بما فعلته 173 دولة أخرى من أعضاء الأمم المتحدة.
ونبّه روس في المقال الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (الخميس 1 كانون الأول 2016)، الرئيس المنتخب ترامب من أنّه في الوقت الذي "انجذب الرؤساء الأميركيون تاريخيًا، باتجاه صنع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي لأسباب موضوعية وذاتية، في اعتقاد خاطئ من وجهة نظري، أنّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو مصدر كل الصراعات الإقليمية.
ويذكّر روس، الرئيس ترامب "عندما كنت مبعوثاً للسلام، عايش الرئيس بيل كلينتون الذي دعا الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في شهر تموز 2000 إلى منتجع كامب ديفيد، وأطلق كلينتون بعد ذلك بخمسة أشهر نقاطه الشهيرة لتحقيق صفقة السلام؛ ورأيت الرئيس جورج بوش يدعو في نهاية عهده إلى مؤتمر "أنابوليس"، ورأيت الرئيس باراك أوباما يعطي ذلك جهودًا مكثفة عندما أطلق العنان لوزير الخارجية جون كيري الذي انخرط في محاولة السلام ورعاية التفاوض لمدة تسعة أشهر متتالية" لتبوء جميعها بالفشل.
ويعتقد روس أنّ ترامب على غرار أسلافه سيسعى إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فقد صرّح حديثاً أنّه يود أن يكون الرئيس الأميركي الذي يتمكن من إرساء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مضيفاً أنه يعتقد أنه يمتلك القدرة على القيام بذلك.
كما دعا روس إلى أنّه "يجب مناقشة الخيارات الممكنة سراً والعمل على تحقيق نتيجة ملموسة، وتجنب إطلاق مبادرات كبرى علنية قبل التأكد من إمكانية نجاحها". وثالثاً، "ينبغي أن تركز الجهود الأولية على معالجة شكوك كلا الجانبين وإثبات أن التغيير بات ممكناً، وأنّ "من الضروري التركيز على تحسين الاقتصاد الفلسطيني والبنية التحتية وبناء المؤسسات كجزء من عملية صنع السلام" كم نصح روس "يجب أن يعيد ترامب النظر في الالتزام بالطابع الثنائي للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وأن يبحث إمكانية مشاركة البلدان العربية في المفاوضات" بدون مشاركة الأمم المتحدة في ردٍّ واضح على المساعي الفلسطينية على الساحة الدولية".
من جهته يرى المصدر الذي تحدث للقدس عن خطة ترامب المنتظرة أنّ "كلا الجانبين بحاجة إلى مشاركة الدول العربية نظراً إلى أن الفلسطينيين يحتاجون إلى غطاء لتقديم التنازلات الحقيقية بينما يعتقد الإسرائيليون أن العرب وحدهم قادرون على تعويضهم عن التنازلات التي يقدمونها للفلسطينيين"، ولذلك "يتعين على ترامب إدراك أن استعداد الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية للمجازفة من أجل إحلال السلام قد يتأثر بمدى صدق الولايات المتّحدة بشأن مواجهة التهديدات التي تشكلها إيران من ناحية، وبعض الإسلاميين السُنّة من ناحية أخرى، فلن يعرض أي طرف نفسه للخطر إذا لم يكن يشعر بالأمان ويثق في الولايات المتحدة، خاصة وأن التوفيق بين الأمن الإسرائيلي واحتياجات السيادة الفلسطينية سيتطلب في النهاية نهجاً جديداً يشمل دوراً للدول العربية في تنفيذ المسؤوليات الأمنية الفلسطينية، ومعايير وتدابير تعزز التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقود في نهاية المطاف لدولتين إسرائيلية وفلسطينية ذات سيادة، دون الوقوع في شرك جداول زمنية مصطنعة".
وبحسب المصدر فإنّ "الخطوة الأولى باتجاه السلام... هي إخراج العلاقات الدافئة والقوية القائمة وراء الكواليس (بين دول عربية مهمة وإسرائيل) وجعلها أكثر علنية، وكذلك وضع مجموعة مشتركة من المبادئ يريد الجميع الالتزام بها" وهو ما قام به كوشنر وغرينبلات في زيارتهما الأخيرة للمنطقة بحسب المصدر.
(سعيد عريقات )