العوامل التي أحاطت بإستقالة الحكومة اللبنانية التي أعلنها الرئيس سعد الحريري من منزله في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية سواء في الزمان أو المكان أضفت عليها طابعًا ملتبسًا وبدت وكأنها ليست إستقالة بالمعنى الدستوري بقدر ما هي إعلان عن حالة إعتكاف الحريري عن القيام بمهام حكومته والإعتراض على الأداء السياسي لخصومه في الحكم وفي مقدمتهم حزب الله وكافة مكونات فريق الثامن من آذار ومن ورائهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومعها كل أطراف الممانعة في المنطقة حيال التسوية التي تمت بين كافة الأطراف السياسية والحزبية على الساحة اللبنانية والتي أدت إلى إنهاء مرحلة من الشغور الرئاسي دامت لأكثر من سنتين ونصف بعد تبني الرئيس الحريري لمرشح الفريق المناوىء وإنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية ومن ثم تشكيل الحكومة تحت شعار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري على أمل أن تبدأ مرحلة من التفاهم والتوافق الداخلي وتحييد لبنان عن أزمات المنطقة والنأي بالنفس عن نيران الحروب المشتعلة من حوله وتأجيل النقاش في المسائل الخلافية الكبرى وهي سلاح حزب الله وانخراطه سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا في الأزمة السورية والتركيز على معالجة المشاكل المتراكمة والمتفاقمة المتعلقة بالخدمات الحياتية للمواطن اللبناني من مياه وكهرباء ومواصلات واتصالات والحد من شيوع الفساد في الإدارات العامة والخاصة والعودة إلى حضن الدولة والإلتفاف حول المشروع الوطني وإقامة علاقات متوازنة مع دول الخارج العربية منها والإقليمية والدولية وتحفيز الإستثمارات وتنشيط حركة السياحة والإصطياف وتفعيل عجلة الإقتصاد في البلد وتقوية الوضع النقدي وتثبيت العملة الوطنية وحمايتها من الإنهيار.
وفي المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه إحدى المحطات المحلية مساء الأحد الماضي بدا الرئيس الحريري في حديثه أقل حدة من بيان الإستقالة حيال أي إيران وحزب الله وإن لم يتخل عن تمسكه بمبدأ النأي بالنفس إضافة إلى ضرورة عدم تدخل الحزب في حرب اليمن.
إقرأ أيضًا: إهتمام دولي بإستقرار لبنان بعد إستقالة الحريري
وفي ما يتعلق بالإستقالة فإنه تركها مفتوحة قابلة للأخذ والرد ولم يقفل الباب مع إمكان الرجوع عنها في بيروت ومع التأكيد على عودته إلى لبنان خلال أيام وليس خلال أسابيع أو شهور، سيما وأن الرئيسين العماد ميشال عون ونبيه بري تمكنا من تحريك بعض العواصم العربية والغربية المؤثرة التي رأت في تقديم الحريري إستقالته من خارج لبنان هو خروج عن المألوف.
ونجح الرئيسان في دفع الأمور باتجاه التعامل مع الإستقالة على أنها معلقة، الأمر الذي أدى إلى تحرك ديبلوماسي أميركي وفرنسي وأوروبي إضافة إلى الأردن ومصر باتجاه الرياض تمثلت بممارسة ضغوطًا عليها أفضت إلى تراجع سعودي بحدود معينة من دون أن يعني ذلك الإستسلام أمام سياسة إيران وحزب الله أو العودة إلى الوراء.
والمشكلة لا تكمن في الإستقالة بحد ذاتها فإستقالة الحكومة مسألة أكثر من طبيعية وتحصل في لبنان وفي أي بلد في العالم ولا في دستوريتها أم عدمها كما حاولت بعض الأطراف الترويج لها وصرف الأنظار عن المشكلة الأساسية والحقيقية التي تتمثل في إستعادة الدولة قراراتها المصادرة إلى حضن الشرعية والنأي بالبلد عن صراعات المنطقة والمحاور الإقليمية وخصوصًا الصراع السعودي الإيراني.
وكان الرئيس الحريري واضحًا عندما ركز على مسألتين النأي بالنفس ولبنان أولا وهما أساس التسوية السياسية التي لم يتم الإلتزام بها وبالتالي فإن المشكلة لا تنحصر في قبول الإستقالة أو رفضها ولا في بقاء الحريري على رأس السلطة التنفيذية بقدر ما هو مطلوبًا أن يقف لبنان على الحياد في الصراع الإيراني الخليجي المحتدم في المنطقة كي يحفظ إستقراره السياسي ولو بالحد الأدنى وتفعيل دور الدولة المعطل.