الاجتماع الذي تريده روسيا حول سورية في سوتشي في بداية كانون الأول (ديسمبر) ليس إلا مسعى لقتل مسار جنيف وفرض حل روسي للوضع السوري. فروسيا تدعي في أحاديثها مع أكثر من دولة أن إيران ستخرج من سورية بعد إزالة «داعش» و «النصرة» من هذا البلد. إلا أن قليلاً من الدول تصدق هذا الكلام خصوصاً أنه تصدر يومياً تصريحات عن مسؤولين إيرانيين أن إيران باقية في سورية وأن وجودها شرعي هناك كونه بطلب من بشار الأسد. تماماً كما كانت تدعي سورية حافظ وبشار الأسد أن وجودها في لبنان شرعي. وروسيا الآن تريد عقد اجتماع لـ١٥٠٠ شخص سوري في سوتشي ليوم واحد وكانت في البداية تريد أن يكون هذا الاجتماع تحت عنوان «اجتماع شعوب السورية» إلا أنه سرعان ما قيل لهم أنه ليست هناك شعوب سورية بل شعب سوري واحد. وكانوا يريدون دعوة شخصيات يختارونها تحت عنوان المعارضة مثل قدري جميل وهو مقرب من النظام السوري ويريدون دعوة أحزاب وهمية من دمشق وأشخاص من مختلف الطوائف والأديان.
وبمثل هذا الاجتماع يريد الجانب الروسي فرض حل سياسي وضعوه بأنفسهم لسورية وقتل مسار جنيف الذي لم يقلع يوماً بسبب الموقف الروسي وعدم الاهتمام الأميركي بمصير سورية منذ عهد أوباما وأيضاً في العهد الحالي. فما هي فعالية وصدقية مثل هذا الاجتماع ليوم في سوتشي باختيار وتنظيم روسي من دون الأمم المتحدة؟ إن اجتماع جنيف حول سورية المتوقع انعقاده في ٢٨ الشهر الجاري لن يسفر عن أي نتيجة مع مثل هذه المواقف. ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه قبل انعقاد جنيف هو: هل يكون للمعارضة أي ورقة عمل مدرجة لهذا الاجتماع، كما أن النظام السوري لم يقبل يوماً بتقديم ورقة يتحدث فيها عن انتقال فعلي للسلطة. وروسيا تدعي أن اجتماعها في سوتشي هو للتحضير لمسار جنيف ولكنه فعلاً لقتل هذا المسار.
وعلى رغم أن هناك الكثير من الكلام الروسي حول احتمال خروج إيران من سورية، فمن الواضح أن إيران تتوسع وتبقى في سورية، وروسيا على رغم ما تقوله تحبذ بقاءها حتى إذا كانت مصالح الدولتين متضاربة، فروسيا تريد مستقبل سورية مع دولة صلبة قوية في حين أن إيران تفضل وضعاً شبيهاً بالوضع اللبناني حيث تتلاعب بالأوضاع. وإيران تعتبر أن بقاءها في سورية هو من أجل أمنها الوطني كما أن بشار الأسد يعتبر أن بقاء إيران في سورية خط أحمر ولا أحد يمكنه الطلب من إيران مغادرة سورية تماماً كما كانت سورية في لبنان وأيضاً كما استمرار بقاء «حزب الله» ومقاتليه في سورية. فبعد العراق ولبنان غزت إيران سورية ولن تخرج منها. ولكن غطرسة إيران في المنطقة وهيمنتها في هذه الدول ستنقلب عليها في النهاية. فكم كان يقال مثلاً عن تفوق إسرائيل بسلاحها وجيشها حتى هزمت مرتين في لبنان عندما اضطرت للخروج من الجنوب اللبناني ثم عندما ضربت لبنان ودمرته في ٢٠٠٦ وعززت قوة «حزب الله». ولكن الغطرسة والتهجم الإيرانيين لا بد أن يؤديا إلى فشل وانهيار مثلما حدث مع امبراطورية الفرس ومثلما انتهت عهود القياصرة الروس الذين يظهر أنهم النموذج المفضل لبوتين الذي يصفه الكثيرون أنه القيصر الروسي. وروسيا تقول حالياً لمحاوريها في الغرب إن بشار الأسد مستعد للانتقال إلى دستور جديد وإنه مستعد لانتخابات رئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا ما نقله المستشار الروسي لبوتين من لقائه مع بشار الأسد قبل اجتماع آستانة. ولكن كل ما يصدر عن وكالة الأنباء السورية (سانا) يناقض ذلك، فالنظام السوري يتحدث عن تعديلات في الدستور وعن احتمال انتخابات تشريعية على المدى الطويل ولكن لا يشير أبداً إلى إشراف الأمم المتحدة.