لم يعد هنالك من شك بأن المنطقة قادمة على تحولات خطيرة جدا وبأن القرار الدولي قد أخذ للحد من النفوذ الإيراني، وفي مقدمة وعلى رأس اللائحة المستهدفة هو حزب الله بما يمثل من ذراع إيران الأقوى الذي تستعمله للتدخل على إمتداد الإقليم، حتى أن الموقف الروسي بات منسجما مع هذا الطرح وبدا هذا واضحا من خلال تصريح بوتن الأخير ( اليوم ): " لا دور شرعي لأي فصيل مسلح في لبنان."
وفي أجواء تدحرج كرة النار هذه فإن الأنظار كلها متوجهة الآن إلى سلوك حزب الله والخيار الذي سوف يسلكه عمليا، والذي من خلاله سوف يحدد مشهد المنطقة وهل هي قادمة على تسويات وإتفاقات سلمية أم أن الحرب والدمار والقتل سيكون هو السائد ؟
حتى اللحظة، يحاول حزب الله شراء الوقت من خلال توجيه الأنظار إلى إستقالة الحريري والشكل الذي تظهرت فيه والإيحاء بأن الإستقالة هي إعتداء وتدخل سعودي بالشأن اللبناني، ومحاولة تأليب الرأي العام ضد المملكة بوصفها هي المعتدية وبأنها تحتجز رئيس وزراء لبنان عندها ويجب على اللبنانيين الإنتفاضة لكرامتهم بسبب هذا السلوك.
إقرأ أيضا : سخافات في زمن الحرب
ردة الفعل هذه من قبل حزب الله وإن بدت هادئة وذكية إلا أنها تؤشر بأن الوجهة التي ينوي الحزب سلوكها هي المواجهة، بدون أن نتجاهل الإشارات الإيجابية التي جاءت في سياق كلمة الأمين العام لحزب الله بالأمس بالحديث عن الإنسحاب من سوريا ومن العراق تحت مبرر إنتهاء الحرب في هذين البلدين مما يعني ترك الباب مفتوحا على أكثر من خيار غير خيار الحرب وهذا ما نتمناه، مع الإشارة أيضا إلى غياب شعار " الموت لآل سعود " عن الخطابين الذين تليا إستقالة الحريري .
من المعروف بأن المحمول الثقافي والعقائدي والجهادي لدى حزب الله ومن خلفه الحرس الثوري والذي يشكل بحسب الظاهر المدماك الذي يُبنى عليه التوجه العام، إنما يقوم على رافعة أساسية هي " الثورة الحسينية " أو ما يسمى بالخيار الكربلائي الذي اتخذه الإمام الحسين ( ع )، والذي يعني بحسب فهمهم الذهاب إلى القتال والمواجهة العسكرية بدون أي إعتبار للخسائر المادية ، وهنا تحديدا يكمن الخطر الأعظم.
أولا : بسبب الفهم الخاطئ للخيار الحسيني، عبر القول بأن كربلاء والملحمة التي حصلت على أرضها تجسد إرادة الإمام الحسين، وليست نتاج ظروف فُرضت عليه فرضا ولم يكن هناك مناص من تجنبها رغم محاولاته الحثيثة.
ثانيا : من خلال تبريز والتأكيد الدائم بالإضاءة على دور الإمام الحسين ( ع) دون سواه من الأئمة الإحدى عشر ( ع ) ، بالخصوص دور أخيه الحسن (ع )، والذي لا يقل شأنا أو مرتبة بحسب العقيدة الشيعية، والذي فضّل الذهاب إلى التسوية والإتفاق مع الخصوم ولو أدى إلى التنازل ليس عن سلاحه فقط بل عن ما هو أعظم بما لا يقاس فقد تنازل عن حقه الشرعي بإمامة المسلمين، فقط من أجل حقن دماء المجتمع بشكل عام والشيعة بشكل خاص.
فإذا كان الخيار الحسيني قد أثبت جدواه وضروريته بمرحلة القتال مع العدو الصهيوني، فإن الخيار الحسني هو المرجح والمطلوب في المرحلة القادمة ولنفس الأسباب التاريخية، ليبقى السؤال هنا : هل تسمح إيران لحزب الله بأن يسير بالخيار الحسني أم أنه مكتوب على الشيعة العرب أن يبقوا حسينيين كربلائيين يضحّوا بأنفسهم وبلادهم ومستقبلهم، في حين أن خيار التسويات والإتفاقات لا يليق إلا بالنظام الايراني !