غلب الجانب الخارجي من أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، على الجانب الداخلي أمس، إن على صعيد المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون مع سفراء الدول الأعضاء في «مجموعة الدعم الدولية للبنان» والسفراء العرب، مبدياً «قلقه على الظروف التي تحيط بوضع الحريري» كما أعلن مكتبه الإعلامي، أو على صعيد الاتصالات خارج لبنان. وبينما استقبل الحريري في منزله في الرياض أمس السفيرين الإيطالي لوكا فيراري والروسي سيرغي كوزلوف لدى المملكة العربية السعودية، أعلنت الرئاسة الفرنسية إثر لقاء الرئيس إيمانويل ماكرون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مطار الرياض، أول من أمس، أنهما «تناولا مطولاً أهمية حماية استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب والعمل من أجل السلام».
وأوضح بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، أنهما تناولا «الوضع في لبنان بعد استقالة الرئيس الحريري. وأشار الرئيس ماكرون إلى الأهمية التي توليها فرنسا لاستقرار لبنان وأمنه وسيادته ووحدة أراضيه، كما أنهما أثارا ملفات إقليمية أخرى منها اليمن».
وقالت مصادر فرنسية مطلعة على اللقاء، إن ماكرون قال لولي العهد إن «ما من شيء يمكن أن يكون خطيراً بمقدار المسّ باستقرار لبنان». وأثار الرئيس ماكرون موضوع استقالة الحريري في آخر اللقاء، حين كان في خلوة مع ولي العهد. وتناول ولي العهد مع الرئيس الفرنسي «كل ما تقوم به إيران لزعزعة استقرار المنطقة وأعمالها التخريبية حيال السعودية». وقال ماكرون لولي العهد، إن «السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة شريكتا فرنسا في المنطقة» وإنه سيزور في موعد لاحق إيران «للتحاور مع مسؤوليها حول الخلاف العميق بين فرنسا وشركائها مع سياسات إيران في المنطقة».
وأوفد ماكرون نائب كبير مستشاريه أورليان شوفالييه إلى بيروت، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع عدد من المسؤولين والقادة السياسيين. وقالت مصادر رسمية إنه نقل إلى الجانب اللبناني أجواء زيارة ماكرون إلى السعودية، فيما غادر السفير الفرنسي برونو فوشيه بيروت إلى باريس بعد جولة لقاءات له. وأصدرت الخارجية الفرنسية بياناً أكدت فيه أن فرنسا «تأمل بأن يكون الحريري قادراً على حرية الحركة بالكامل، وأن يكون قادراً على لعب الدور السياسي العائد إليه في لبنان».
والتقى عون في القصر الرئاسي، في حضور باسيل، سفراء «مجموعة الدعم الدولية» التي تضم سفراء الأمم المتحدة، الصين، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، الاتحاد الروسي، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وأعلن المكتب الإعلامي للرئاسة، أن عون «طالب بجلاء الظروف التي تحيط بوضع الحريري بعد استقالته من الخارج، مذكراً بالاتفاقات الدولية التي ترعى العلاقات مع الدول والحصانات التي توفرها لأركانها». وأفاد بيان لـ «مجموعة الدعم الدولية»، بأن أعضاءها «عبروا عن قلقهم من الغموض السائد في لبنان، وشددوا على أهمية استعادة التوازن الحيوي لمؤسسات الدولة اللبنانية، وأشادوا بقيادة الرئيس عون في الدعوة إلى الهدوء والوحدة».
كما التقى رؤساء البعثات الديبلوماسية العربية في لبنان تباعاً، القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت الوزير المفوض وليد البخاري. وأفاد المكتب الإعلامي الرئاسي بأن عون أبلغه أنه «من غير المقبول الطريقة التي حصلت فيها استقالة الحريري، وطالب بعودة رئيس مجلس الوزراء إلى لبنان».
وذكرت مصادر ديبلوماسية عربية لـ «الحياة»، أن البخاري «أكد لعون تمسك السعودية بأمن لبنان وسلامته». وأضافت: «حين أثار عون في حضور باسيل مسألة الغموض الذي يحيط بوضع الحريري، ردّ البخاري بأن في الإمكان التواصل معه في شكل مباشر أو إيفاد الوزير باسيل إلى المملكة لمقابلته». وأشارت المصادر إلى «أن عون وباسيل اكتفيا بالصمت إزاء هذا الاقتراح».
وأشارت المصادر الديبلوماسية إلى أن البخاري تطرق خلال اللقاء مع عون إلى «مسألة دعم إيران و «حزب الله» الحوثيين في اليمن». ولفتت إلى الموقف الصادر أمس عن القيادة المركزية الأميركية، ويؤكد أن إيران زودت الحوثيين بأسلحة أصابت المملكة.
وعن الخطوة التالية في ما يتعلق بالوضع اللبناني، قالت المصادر الديبلوماسية العربية نفسها إن «الرئيس الحريري أعلن موقفه، وبناء على معطياته يجب أن نتطلع إلى المشكلة ومعالجتها وحينئذ يرجع الحريري الى لبنان، وإذا عاد الآن من يضمن حياته؟ علماً أن المملكة لم تملِ على الحريري رأياً في البقاء في المملكة أو مغادرتها، وهو حرّ في تنقلاته». ورأت أن «عملية التشكيك في وضع الحريري والتركيز على مسألة بروتوكولية غير صحيحة، فهل نحن في تورا بورا؟»
وفي واشنطن (أ ف ب)، حذر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون من استخدام لبنان مسرحاً لخوض «نزاعات بالوكالة»، بعد أزمة استقالة الحريري.
وقال في بيان، إن «الولايات المتحدة تحض كل الأطراف داخل لبنان وخارجه على احترام وحدة المؤسسات الوطنية الشرعية في لبنان واستقلالها، ومن ضمنها الحكومة والقوات المسلحة. ونكنّ الاحترام لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بصفته شريكاً قوياً للولايات المتحدة».
وأضاف: «واشنطن تدعم في شكل حازم سيادة الجمهورية اللبنانية واستقلالها ومؤسساتها السياسية، وتعارض أي عمل يهدد استقرار لبنان».
وفي نيويورك، كثّف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان اتصالاته بالمسؤولين اللبنانيين، الى جانب اتصالات مكتب الأمم المتحدة في لبنان للتهدئة وتجنب أي تدهور في ظل الأزمة الحالية، بعدما تناول الأمين العام أنطونيو غوتيريش الشأن اللبناني مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في اتصال هاتفي الثلثاء. وعلمت «الحياة» في بيروت أن فيلتمان أجرى مداولات غير رسمية مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، شملت إمكان عقد اجتماع للمجلس الأسبوع المقبل.
وحذّر غوتيريش أمس من خطورة «اندلاع أي نزاع جديد» في المنطقة، مشدداً على ضرورة حفظ الاستقرار وعمل المؤسسات الدستورية في لبنان.
وقال في لقاء صحافي إنه منكبّ على «اتصالات مكثفة جداً منذ الأربعاء على مستويات متعددة سياسية وديبلوماسية، مع السعودية ولبنان ودول عدة أخرى ذات تأثير في المنطقة وخارجها».
واعتبر غوتيريش أن الوضع في لبنان «مصدر قلق كبير لنا» وأنه «متخوف بالفعل ونأمل بألا نرى تصعيداً في المنطقة لأن تبعاته ستكون مأسوية.