في مثل هذا اليوم قبل أسبوع، أي في 4 ت2 الجاري، حدث تطوّر سياسي داخلي، يحمل ابعاداً إقليمية، ما يزال يرخى بتداعياته على الوضع المحلي، فارضاً رؤية لم تكن مسبوقة في علاقة لبنان بمحيطه، والاحتمالات المطروحة على صعيد هذه العلاقات، وما يترتب على اشتداد المواجهة الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران.
في المشهد في 11 ت2 ان استقالة الرئيس سعد الحريري شكلت محطة فاصلة بين مرحلتين: ما قبل الاستقالة وما بعدها، في مسار متبدّل، وتحولات، بعضها يتعلق بعودة الرئيس الحريري، الذي أكدت مصادر الخارجية الفرنسية وقصر الاليزيه انه يتمتع بحرية حيث يقيم في المملكة العربية، وهو غير متحجز هناك.. وبعضها الآخر يتعلق بترقب تطورات داخلية اقتصادية وربما عسكرية لمحاصرة حزب الله، أو إعادة التسوية السياسية إلى مسارها الطبيعي باحترام توازناتها والصيغ المتفاهم عليها، ربما في ذلك سياسة النأي بالنفس، والابتعاد عن سياسة المحاور، وتوريط لبنان في الاشتباكات الجارية في المنطقة.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ«اللواء» ان الرئيس ميشال عون الذي التقى أمس سفراء مجموعة الخمسة + خمسة انه سينتظر اياماً لحل ملف استقالة الحريري قبل ان يتوجه بخطوة ما إلى المجتمع الدولي.
وإذا كان الرهان اللبناني على دور مرتقب للدبلوماسية الدولية والعربية في معالجة الوضع، وسط توقعات قوية من ان الأسبوع المقبل سيشهد حلحلة على هذا الصعيد، نبهت مصادر واسعة الاطلاع على مجرى الاتصالات والمعالجات من مخاطر نقل الأزمة إلى الشارع، سواء لجهة المطالبة بعودة الرئيس الحريري إلى بيروت، واتخاذ الموقف الذي يراه مناسباً، أو المطالبة بتعزيز سيطرة الشرعية وحصر السلاح بيدها وحدها.
منع تظاهرة «طلاب الاحرار»
وليلاً صدر عن المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية بيان، أعلن فيه منع التظاهر على الأراضي اللبنانية إذا لم يستوف شروط القرار الصادر عن وزارة الداخلية رقم 1024 تاريخ 2006، الذي ينظم آلية الحصول على اذن بالتظاهر.
وعزت الوزارة أسباب المنع إلى «الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان، ونظراً لدقة المرحلة التي تتطلب وعياً عالياً»، وانطلاقاً «من حرص الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها على صيانة الاستقرار في البلاد والمحافظة على أمن وسلامة جميع اللبنانيين والمقيمين».
وجاء قرار الداخلية، بعد دعوات صدرت عن طلاب الأحرار وانصار الوزير السابق اللواء اشرف ريفي للتجمع عصر اليوم في ساحة الشهداء احتجاجاً على التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية اللبنانية، في حين أكدت مصادر في «بيت الوسط» ان لا علاقة لتيار «المستقبل» بالتجمع في وسط بيروت للمطالبة بعودة الحريري، والذي دعت إليه مجموعة من الناشطين اللبنانيين في الحراك المدني.
وعلمت «اللواء» ان قائد الجيش العماد جوزاف عون، اتصل برئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون وابلغه ان التظاهر غير مرغوب في هذه المرحلة.
لقاءات بعبدا
ولم تحجب اللقاءات الدبلوماسية التي أجراها الرئيس ميشال عون، أمس، وانهى بها المشاورات التي قادها على مدى أسبوع، الغموض الذي يحيط بوضع الرئيس الحريري في السعودية، على الرغم من العرض السعودي بايفاد وزير الخارجية جبران باسيل إلى الرياض للقاء الرئيس الحريري، وتأكيد وزير الخارجية الفرنسية بأنه «حر في تنقلاته، وانه من المهم ان يقوم بنفسه في خياراته»، وإعلان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الالمانية، من انه «ليس لديها أي سبب للاعتقاد بأن الحريري «محتجز» في السعودية في حين أفاد مكتبه الإعلامي في بيروت انه استقبل أمس في دارته في الرياض السفيرين الإيطالي والروسي في السعودية، بعدما كان التقى في الأيام الماضية مجموعة سفراء ودبلوماسيين غربيين، وبينهم القائم باعمال سفارة الولايات المتحدة.
غير ان اللافت في المعلومات، ان السفراء أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان، وبينهم السفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد أبلغت الرئيس عون انها لا تملك أية معلومات حيال المعطيات التي شرحها رئيس الجمهورية للمجموعة وعبر من خلالها عن قلقه من ظروف وضع رئيس الحكومة، طالباً منهم المساهمة في عودة الرئيس الحريري إلى بيروت، حتى يمكن الاطلاع منه مباشرة على الظروف التي أملت عليه إعلان استقالته، على ان يقرر بعدها الخطوة التالية.
وتساءل الرئيس عون امام المجموعة انه إذا كان الرئيس الحريري يستقبل سفراء في الرياض، فلماذا لا يُبادر إلى الاتصال برئيس الجمهورية، ولماذا لا يعود إلى بيروت إذا كان فعلاً يملك حرية الحركة؟
وبحسب معلومات «اللواء» فإن جواب السفيرين الأميركي والفرنسي تحديداً أشار إلى ان المعلومات التي يملكانها لا توحي ان وضع الرئيس الحريري في الرياض مريح.
ولفت السفير الفرنسي برونو فوشيه، إلى بيان المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، والذي جاء فيه «ان فرنسا تأمل في ان يملك الرئيس الحريري كامل حريته في الحركة، وأن يكون في امكانه تماماً ان يقوم بدوره الأساسي في لبنان»، مشيراً إلى ان هذا البيان جاء لتصحيح كلام وزير الخارجية جان ايف لودريان لاذاعة «اوروبا -2» والذي قال فيه ان الرئيس الحريري «حر في تنقلاته وانه من المهم ان يقوم بنفسه بخياراته».
وأعادت مصادر بعبدا التأكيد على ان رئيس الجمهورية حريص على كرامة رئيس الحكومة الذي يتمتع بحصانة دولية ممنوحة له وفق القانون الدولي، وجزمت على ان تصريف الأعمال لا يمكن ان يتم ورئيس الحكومة خارج البلاد، إذ كيف يمكن إصدار القرارات والمراسيم، لافتة إلى ان الرئيس الحريري يمثل طائفة ومكوناً اساسياً في البلاد، ولا يمكن بالتالي لرئيس الجمهورية التساهل في الموضوع، كما ان استمرار غيابه من شأنها ان يؤدي إلى جو مؤذ قد يمهد لافتعال مشاكل.
اما العرض السعودي الذي جاء على لسان القائم باعمال السفارة في بيروت الوزير المفوض وليد بخاري، والقاضي باقتراح إيفاد الوزير باسيل إلى الرياض للقاء الحريري، فلم تشأ مصادر بعبدا التعليق عليه، لكن مصادر في الخارجية ذكرت لـ«اللواء» انه قيد التقييم، وبالتالي لا موقف منه حتى الساعة.
وقالت المصادر في لقاء عون - بخاري والذي حضره الوزير باسيل لم يكن عاصفاً، وأن الرئيس عون لفت نظر الدبلوماسي السعودي إلى المعطيات التي يملكها، مطالباً بعودة الرئيس الحريري، وأن طريقة الاستقالة جاءت بشكل غير مقبول، كما تحدث عن ما وصفه «بالتهديدات التي يسمعها والتي تثير القلق وتخلق جواً غير سليم.
ولم تستبعد المصادر ان يكون للرئيس عون موقف يعلنه عبر رسالة يوجهها للبنانيين في ختام مشاوراته والتي أنهى فيها تحصين الوضع اللبناني على الصعيد الداخلي سياسياً وأمنياً واقتصادياً مركزاً على الوحدة الوطنية، مع العلم ان هذا الوضع سيبقى موضع متابعة دبلوماسية عبر عنها بيان المجموعة الدولية، والذي تناغم مع مطالبة الرئيس عون بعودة الرئيس الحريري، وهو أمر يجدر التوقف عنده، إذ عبر البيان عن قلق أعضاء المجموعة الدولية حول الوضع والغموض السائد في لبنان، مناشدين إبقاء لبنان محمياً من التوترات في المنطقة، ومشددين على أهمية استعادة التوازن لمؤسسات الدولة والذي هو أساس لاستقرار لبنان، ومرحبين بالخطوات المتخذة لاحتواء الأزمة السياسية ولحماية وحدة البلد واستقراره وسلامة أراضيه».
وفي الموازاة، حذر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في بيان نشرته وزارة خارجية بلاده أمس، من استخدام لبنان لخوض «نزاعات بالوكالات» بعد الأزمة الناجمة عن استقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية السبت الماضي. ووصف تيلرسون الحريري بأنه «شريك قوي» للولايات المتحدة.
وأضاف: «إن الولايات المتحدة تحذر من أن يقوم أي طرف، من داخل لبنان أو خارجه، باستخدام لبنان مكاناً لنزاعات بالوكالة، أو بأي صورة تساهم في زعزعة استقرار هذا البلد».
وأكد تيلرسون أنه «لا يوجد أي مكان أو دور شرعي في لبنان لأي قوات أجنبية أو ميليشيات أو عناصر مسلحة، غير القوات الأمنية الشرعية التابعة للدولة اللبنانية، التي يجب الاعتراف بأنها السلطة الوحيدة المسؤولة عن الأمن في لبنان». وقال إن «الولايات المتحدة تحذر أي طرف، داخل أو خارج لبنان، من استخدام لبنان ساحة لصراعات بالوكالة أو بأي شكل يهدد الاستقرار في هذا البلد».
دار الفتوى
في هذا الوقت، تواصلت حركة اللقاءات والمشاورات في دار الفتوى، في موازاة حركة مشاورات بعبدا، وأكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أمام زواره أمس، ان المشاورات والحوار الهادئ والحكمة في معالجة الأمور بين كافة الأطراف والقوى اللبنانية ضرورة وطنية، خصوصاً في الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان، لافتاً إلى ان استقالة الرئيس الحريري التي نتفهمها أتت في ظروف صعبة ومعقدة في لبنان والمنطقة، داعياً إلى التريث في اتخاذ أي موقف من الاستقالة وضرورة التماسك الداخلي والمحافظـة على الوحدة الوطنية.
وقال ان علاقات لبنان بالدول العربية الشقيقة وبخاصة المملكة العربية السعودية علاقات أخوية تاريخية، نحرص عليها لما تشكّل من مكان دينية وعربية ودولية.
ومن أبرز زوّار دار الفتوى أمس، كان الرئيس تمام سلام الذي لفت النظر الي ان الرئيس الحريري تحمل الكثير وأخذ خياراً وطنياً كبيراً فيما تحمله، ونحن كنا إلى جانبه وما زلنا نؤمن بما يمثله من حرص علي لبنان واللبنانيين، داعيا الجميع إلى تجاوز الخلافات والابتعاد عن المزايدات، مشدداً على العلاقة التاريخية بين المملكة ولبنان، ومبدياً تقديره بأن المسؤولين في المملكة يُدركون خصوصية لبنان ووضعه ووضع اللبنانيين، وانه واثق من ان المملكة ستعمل على تجنيب لبنان الكأس المرة، آملاً أن تكون هذه الأزمة مدخلاً لمزيد من التعاضد ومن توضيح الأمور في اتجاه تدعيم الوضع ، ومراجعة الكثير من الأمور.
نصر الله
أما الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله فقد تحدث عن ان «رئيس الحكومة محتجز في السعودية».
لافتاً الي ان الاستقالة المعلنة غير قانونية وغير دستورية وغير شرعية ولا قيمة لها على الإطلاق لأنها وقعت تحت الإكراه.