في ما بدا خطاً أحمر يرسمه المجتمع الدولي حول الخارطة اللبنانية مزنّراً بـ«حزام أمان» تقاطعاتها الداخلية والخارجية لتبقى بمنأى عن الأحزمة الإقليمية الناسفة، توالت الرسائل الغربية والأممية خلال الساعات الأخيرة لتشي بأنّ استقرار لبنان موضوع تحت مجهر العالم باعتباره بلد التوازنات الصعبة التي لا ينبغي تعريضها لأي هزة ارتدادية في زمن البراكين المتفجرة. وعلى نية دوام الاستقرار اللبناني تمحورت كل التحركات والمشاورات والتصريحات أمس بين بيروت والعالم، وسط استقطاب «حركة» الرئيس سعد الحريري اهتماماً عالمياً من جانب مختلف عواصم القرار الدولي في أعقاب إعلان استقالته من رئاسة مجلس الوزراء.

وفي هذا الإطار، برز تشديد الولايات المتحدة الأميركية على كون الحريري «شريكاً قوياً» لواشنطن وفق ما عبّر وزير خارجيتها ريكس تيليرسون أمس في بيان أكد فيه كذلك على ضرورة «عدم استخدام أي طرف داخل لبنان لأراضيه ساحة صراعات بالوكالة أو مساهمته في زعزعة استقرار هذا البلد»، لافتاً الانتباه في هذا السياق إلى أنه «لا يوجد مكان أو دور شرعي في لبنان لأي قوات أجنبية أو فصائل أو عناصر مسلحة غير قوات الأمن الشرعية في الدولة اللبنانية». 



أما في باريس، وعقب إشارة وزير خارجيتها إيف لودريان إلى أنّ الحريري «حرّ في تنقلاته والمهم أن يقوم بنفسه بخياراته»، فأعرب المتحدث باسم الخارجية الفرنسية ألكسندر جورجيني عن أمل بلاده في أن يحصل الحريري «على كامل حريته في التحرك ويكون قادراً بشكل كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان»، بينما كان لودريان قد عبّر عن حرص فرنسا على تحصين الاستقرار اللبناني قائلاً: «الوضع في لبنان هو الموضوع الأكثر إثارة للقلق في الوقت الحالي، إذ كان يتجه نحو حل جديد مع دستور جديد وانتخابات مقبلة لكن رحيل الحريري يُنذر بمرحلة من الغموض»، وأردف الوزير الفرنسي: «نأمل فعلاً أن تظل وحدة لبنان وسلامته الترابية مصانتين وأن يتمكن المسؤولون السياسيون من تطبيق الدستور والعمل سريعاً على إقامة مؤسسات تمثل فعلاً كل الطوائف الموجودة في لبنان». وكذلك شددت برلين على أهمية تمتع الحريري بحرية الحركة فقالت على لسان المتحدثة باسم الخارجية الألمانية رداً على الأنباء التي تتحدث عن كونه محتجزاً في الرياض: «نفترض أنه يذهب إلى أي وجهة يشاء».

على المستوى الأممي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أمس عن قلقه جراء الأزمة السياسية في لبنان، وقال في تصريح صحافي: «كنت على اتصال وثيق (هذا الأسبوع) على المستوى السياسي والديبلوماسي مع السعودية ولبنان وعدد كبير من البلدان»، وأردف: «هذا موضوع يُشكل قلقاً كبيراً بالنسبة إلينا وما نريده هو الحفاظ على السلام في لبنان والحفاظ على الوحدة والاستقرار فيه وفي عمل مؤسساته»، مشدداً في هذا الإطار على أهمية «ألا يحصل أي نزاع جديد في المنطقة يمكن أن تنجم عنه عواقب مُدمرة»، وختم بهذا المعنى: «نحن قلقون جداً ونأمل في ألا يحصل تصعيد تنجم عنه عواقب مأسوية».

ومن بيروت، كان تأكيد من مجموعة «الدعم الدولية من أجل لبنان» في بيان مشترك أمس عقب اجتماع ممثليها برئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا على «أهمية استعادة التوازن الحيوي لمؤسسات الدولة اللبنانية باعتباره ضرورياً لاستقرار لبنان»، وأوضح البيان أنّ البحث مع عون تناول «الوضع بعد الإعلان عن طلب استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري» معبّراً باسم أعضاء المجموعة عن «قلقهم المستمر حيال هذا الوضع والغموض السائد في لبنان»، وناشدوا إبقاء هذا البلد «محمياً من التوترات في المنطقة». وإذ رحبوا بدعوة عون إلى عودة الحريري، نوهوا بخطواته في هذا المجال «لاحتواء الأزمة السياسية ولحماية وحدة البلد واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه»، مجددين من جانبهم التزام المجموعة الدولية «بدعم لبنان وقيادته وشعبه خلال هذه الفترة الصعبة».

وفي وقت واصل الرئيس الحريري أمس مشاوراته الديبلوماسية في دارته بالرياض حيث استقبل تباعاً سفير إيطاليا في المملكة العربية السعودية لوكا فيراري، والسفير الروسي سيرغاي كوزلوف، كان رئيس الجمهورية يستكمل في القصر الجمهوري أمس مروحة لقاءاته لمواكبة المستجدات بعد إعلان رئيس الحكومة استقالته، فعقد سلسلة من الاجتماعات الديبلوماسية لهذه الغاية شملت سفراء الدول العربية الذين أكدوا الوقوف إلى جانب استقرار لبنان وسيادته والحفاظ على أمنه، وسفراء دول مجموعة الدعم من أجل لبنان في مجلس الأمن عارضاً لهم «موقف لبنان من التطورات الأخيرة والملابسات التي رافقت إعلان الرئيس الحريري استقالته ومنها ظروف بقائه خارج لبنان» فأعاد عون التأكيد على كون «بتّ هذه الاستقالة ينتظر عودته إلى بيروت والتأكد من حقيقة الأسباب التي دفعته إلى إعلانها».