حتى ليل أمس، كانت السعودية غير راضية عن أجوبة بيروت. آل الحريري رفضوا تلبية الدعوة الى الرياض لمبايعة بهاء الحريري خلفاً لشقيقه سعد. والنقاشات الخلافية داخل فريق الحريري في بيروت انتهت الى توافق على أولوية المطالبة بعودته، من دون توجيه اتهام مباشر للسعودية بحجز حريته، بينما أبلغت الرئاسة الفرنسية العائلة ومراجع لبنانيين بفشل المحاولة الأخيرة للرئيس إيمانويل ماكرون في إقناع الرياض بإطلاق سراح رئيس الحكومة، الذي لم يُسمح له حتى بالاختلاء بسفير فرنسا في الرياض، الذي قابله لدقائق عدة في حضور ضابط مخابرات سعودي.
وفيما وجدت السعودية نفسها أمام ضغوط مستجدّة من جانب أنصارها في بيروت، صُدم بهاء الحريري إثر تلقّيه تقريراً من مدير أعماله في لبنان، صافي كالو، الذي وصل الرياض أمس، يبلغه فيه أن غالبية من التقاهم في بيروت أبلغوه اعتراضهم على ما تقوم به السعودية، وأن الاولوية هي لعودة سعد الى بيروت، على أن يترك أمر تسمية من يتولى قيادة العائلة أو التيار الى مرحلة لاحقة، علماً بأن بهاء الذي وصل الى الرياض الاحد، كان قد أبلغ مقرّبين منه في بيروت أن زيارته للسعودية لم تأت إثر استدعاء، بل بمبادرة منه، وأنه غير معنيّ بكل ما يجري داخل المملكة من ملاحقات تتعلق بالفساد.

بيد أن المشكلة لم تعد محصورة في احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية، إذ يبدو أن قرار السعودية بالتصعيد بلغ مستويات جديدة. وهذا ما سمعه ماكرون في أبو ظبي والرياض، ونُقلت أجواؤه على عجل الى بيروت، ليل أمس، عبر الموفد الفرنسي السفير أوريليان لوشافاليه، الذي سيعقد اليوم سلسلة لقاءات مع مسؤولين رسميين وسياسيين، فيما دعا مصدر دبلوماسي غربي في بيروت الى عدم التقليل من شأن التهديدات السعودية بشنّ عدوان على لبنان.
ومع أن التهويل بالعدوان بدأ متزامناً مع حجز الحريري ودفعه الى الاستقالة، إلا أن الأمور تفاعلت أكثر في اليومين الماضيين، وسرت شائعات قوية، تحولت الى معلومات في أوساط حلفاء السعودية في لبنان، حول ضربة عسكرية خاطفة تعدّ لحزب الله في لبنان وسوريا، تليها انتفاضة شعبية في لبنان تطلب نزع سلاح الحزب و«رفع الوصاية الإيرانية عن لبنان».

 


حزب الله الذي لا يرى مؤشرات مباشرة على عدوان من هذا النوع، لا يستبعد وصول الجنون السعودي الى مغامرة من هذا النوع، بضوء أخضر أميركي ومشاركة إسرائيلية مباشرة. وسيكون للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، في خطابه اليوم لمناسبة يوم الشهيد، موقف من هذه الرسائل، علماً بأن الحزب يتمسّك بالموقف اللبناني الرسمي من استقالة الحريري، وهو يميّز بين الخلاف مع الحريري بمعزل عن حجمه، وبين احتجازه من قبل السعودية. وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإن الحزب مستعد لمواجهة أي مغامرة من هذا النوع، وهو سيتعامل مع أيّ عدوان على أن مصدره إسرائيل والولايات المتحدة. أما طريقة الرد على أي طرف آخر، فمن الأفضل عدم التطرق اليها وتركها الى الحزب فقط.
وفي ما يتعلق بهذه التهديدات، أوردت المصادر الآتي:
أولاً: يعمل السعوديون جاهدين لإقناع إسرائيل بشنّ عدوان واسع يشمل مواقع حزب الله في جنوبي سوريا والقلمون الغربي وعلى الحدود مع لبنان، وحتى توجيه ضربات الى مراكز ومواقع للحزب داخل لبنان. وذهب السعوديون الى حدّ إبداء الاستعداد للمشاركة في تغطية هذه الحرب، من خلال اعتبارها رداً على القصف الذي يطاول أراضيها من اليمن، بعدما مهّدت لذلك بتحميل الحزب مسؤولية هذه الصواريخ.
ثانياً: العمل على ملف المخيمات الفلسطينية، وهو أمر اتضح أكثر خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للرياض، وإبلاغه رفض السعودية والإمارات أي تحالف مع حركة حماس في فلسطين وخارجها. وقد ناقش المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ملف مخيمات لبنان مع عباس خلال اجتماعهما أمس في عمان. وسمع إبراهيم من الرئيس الفلسطيني موقفاً متفهّماً لأيّ إجراءات تمنع أيّ بلبلة أمنية داخل المخيمات، خصوصاً أن اللواء إبراهيم أطلعه على معلومات حول اتصالات تجريها جهات لبنانية على صلة بالسعودية لترتيب تحركات من داخل المخيمات في أكثر من منطقة، وخصوصاً في مخيم عين الحلوة، لقطع طريق صيدا ــــ الجنوب.
ثالثاً: ورود معلومات حول اتصالات ذات طابع أمني تقوم بها أكثر من جهة على صلة بالاستخبارات السعودية مع نافذين في مخيمات اللجوء السوري في لبنان، لإشراكهم في تحركات تهدف الى «الانتفاضة على سلطة حزب الله»، باعتبار أن الحزب شارك في قتالهم في سوريا.

 


رابعاً: إطلاق حملة سياسية وشعبية داخلية تحت شعار «مواجهة الوصاية الإيرانية». لكن نتائج اتصالات الساعات الـ24 الماضية أظهرت تردّداً كبيراً من جانب «القوات اللبنانية» التي تشعر بأنها قد تكون عرضة للعزل التام، كما تخشى قيادتها أن تتعرض لحملة قمع يتولاها الجيش اللبناني ضدها، سيما أنها لمست أن قوى الامن الداخلي التي تعتبر أقرب الى فريق 14 آذار، ستواجه أي تحركات لا يبدو أنه يوجد بين سنّة لبنان، غير اللواء أشرف ريفي، من يريدها، علماً بأن ريفي حاول التوصل الى اتفاق مع بعض قوى 14 آذار، ولا سيما حزب الوطنيين الأحرار، لتنظيم احتجاجات شبابية في العاصمة، تكون مادة تستخدم من قبل السعودية في حملتها ضد حزب الله، وضد الرئيس ميشال عون باعتباره شريكاً للحزب.
وكان وزير الحرب السعودي على لبنان ثامر السبهان قد غرّد أمس عبر «تويتر» بأن «كل الإجراءات المتخذة تباعاً، وفي تصاعد مستمر ومتشدد، حتى تعود الامور لنصابها الطبيعي». وجاء موقف السبهان خلال وجوده في العاصمة الاميركية، حيث يجري لقاءات مع مراكز أبحاث وإعلاميين وأعضاء في الكونغرس ومسؤولين في الإدارة، بهدف إقناعهم بأن الحرب على حزب الله هي الخطوة الأجدى الآن، ولمحاولة منع أي حملة إعلامية على التوقيفات الجارية في السعودية تحت عنوان مكافحة الفساد.
دبلوماسياً أيضاً، بدا أن العواصم الغربية باتت أكثر قلقاً في شأن الاستقرار اللبناني. وبينما أبدت سفارات غربية كثيرة في بيروت «دهشتها» ممّا يجري، سافر ممثلو أجهزة استخبارات أكثر من دولة في بيروت الى بلدانهم على وجه السرعة للتشاور، بينما انتشرت تحذيرات خجولة لبعض الرعايا الأجانب حيال حركتهم في لبنان، في مقابل إعلان السعودية أنها ستعاقب أيّ مواطن سعودي يبقى في لبنان أو يزوره في هذه الفترة، علماً بأن الرياض باشرت ممارسة ضغوط على بعض مواطنيها لسحب ودائعهم المالية من المصارف اللبنانية، رغم أن الودائع التي يعتقد أن السعودية تمون عليها لا تساوي اكثر من 2.1 بالمئة من مجموع الودائع في لبنان، بحسب مصادر مصرفية مطلعة أكدت أن الوضع النقدي مستقر بصورة تخالف التوقعات السياسية.