بعد أسبوع على استقالة الرئيس سعد الحريري اتخذ الموقف مساراً انحدارياً، بالغ الخطورة، تمثل بكلام ومواقف وإجراءات بالمقابل، تمثلت بإجراءات خليجية جديدة، إذ دعت المملكة العربية السعودية ودولة الكويت مواطنيها إلى مغادرة لبنان وعدم السفر إليه، في خطوة ادرجت في إطار التصعيد، وفي سياق عبر عنه وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، عبر تغريدة جديدة عبر حسابه على «التويتر» إذ قال: «كل الإجراءات المتخذة تباعاً، وفي تصاعد مستمر، ومتشدّد، حتى تعود الأمور لنصابها الطبيعي».
وربطت مصادر مطلعة بين إجراءات منع الرعايا المجيء إلى لبنان ومغادرته على الفور والتي انضمت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة بتذكير مواطنيها، عبر بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي بضرورة الالتزام الكامل بعدم السفر إلى لبنان من دولة الإمارات أو من أية وجهة أخرى، وصدور بيان، عن كتلة المستقبل والمكتب السياسي لتيار المستقبل، بعد اجتماع مشترك في «بيت الوسط» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، جاء فيه «إن عودة رئيس الحكومة اللبنانية الزعيم الوطني سعد الحريري ورئيس تيار المستقبل ضرورة لاستعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان، وذلك في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور واتفاق الطائف وللاحترام للشرعيتين العربية والدولية».
وعلى الفور صدر بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية انه «بالنظر إلى الأوضاع في الجمهورية اللبنانية، فإن المملكة تطلب من رعاياها الزائرين والمقيمين في لبنان مغادرته في أقرب فرصة ممكنة، كما ننصح المواطنين بعدم السفر إلى لبنان من أي وجهة دولية».
وبعد ذلك بقليل، نقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن مصدر في الخارجية انه «نظراً إلى الأوضاع التي تمر بها جمهورية لبنان الشقيقة، وتحسباً لأية تداعيات سلبية لهذه الأوضاع، وحرصاً منها على أمن وسلامة مواطنيها، فإنها تطلب من كافة المواطنين الكويتيين المتواجدين حالياً في لبنان المغادرة فوراً، داعياً (اي المصدر) إلى عدم السفر إلى جمهورية لبنان الشقيقة.. متمنياً تجاوز هذه المرحلة الصعبة بما يحقق أمنهم واستقرارهم».
وكانت مملكة البحرين أعلنت الأحد الماضي ان على جميع مواطنيها المتواجدين في لبنان المغادرة على الفور مع توخي أقصى درجات الحذر والحيطة.
وأعلنت شركة الطيران الكويتية جهوزيتها لنقل الرعايا الكويتيين من لبنان. وجاء في بيان الشركة: «غيرنا الطائرة المتجهة إلى بيروت صباح غد الجمعة لتصبح بسعة 330 مقعداً بدلاً من 130 ليتسنى نقل الكويتيين من هناك بالسرعة الممكنة، ومستعدون لتسيير رحلات غير مجدولة عند طلب الجهات الرسمية».
ومع البيان الذي صدر عن مسؤول كبير ونقلته وكالة «رويترز» بعد ظهر أمس «ان لبنان يعتقد ان السعودية تحتجز رئيس وزرائه سعد الحريري»، واننا سوف نعمل مع الدول على اعادته إلى بيروت صوناً لهذه الكرامة، اتخذت الاستقالة بعداً دولياً، مع معلومات ان الرئيس ميشال عون أوفد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تحادث هاتفياً مع الرئيس الحريري أمس الأوّل في الرياض، والذي توجه في وقت لاحق (أي اللواء ابراهيم) إلى باريس التي وصل رئيسها عمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية، والتقى ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان.
في وقت أعلن السفير الروسي في بيروت زاسبكين انه إذا استمر الغموض بشأن قضية الرئيس الحريري قد نطرح الملف على مجلس الأمن.
وفيما ترددت مواقف خليجية من ان الرئيس الحريري لن يعود إلى دولة (لبنان) تحكمها دويلة (حزب الله)، كشف النائب في كتلة المستقبل عقاب صقر ان الترتيبات تجري لعودة آمنة إلى لبنان برعاية المملكة العربية السعودية.
في هذا الوقت سارع الرئيس السنيورة ومن صيدا إلى توضيح بيان الكتلة والمكتب السياسي (والذي فسّر خطأ انه تصعيدي بوجه المملكة)، وقال: البيان لم يكن تصعيدياً بوجه السعودية فهي كانت ولا يزل لها دور كبير في تعافي لبنان من كل المحطات الصعبة، التي مر بها ولها اياد بيضاء..
واضاف: «هناك من يقول ان عددا من الأنشطة العسكرية التي يقوم بها حزب الله في سوريا والعراق والبحرين والكويت واليمن وغيرها والتي تعادي مصالح الأمة العربية ومصالح العرب .. لذلك كان المقصود من بيان الكتلة تصويب البوصلة بشكل واضح وصريح حتى نستعيد التوازن الخارجي في علاقة لبنان مع العالم العربي ومع العالم، التوازن بهذا الشأن هو العودة الى الشرعية العربية ونظام المصلحة العربية، فالمدى الحيوي للبنان واللبنانيين هو بعلاقتهم مع الدول العربية بدءا بالمملكة العربية السعودية. 
مشاورات دبلوماسية
رسمياً، وبحسب مصادر قصر بعبدا، فإن الرئيس عون يعوّل أهمية كبيرة على المشاورات التي يستكملها اليوم، بلقاء السفراء العرب وسفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان، باعتبارها خطوة، يمكن ان تساعد تحركه لحل أزمة إعلان الرئيس الحريري استقالته لا سيما بعدما تبين بعدها الخارجي.
وقالت هذه المصادر ان الرئيس عون سيطلب من السفراء العرب والدوليين المساعدة في جلاء غموض وضع الرئيس الحريري الذي يتمتع بحصانة دبلوماسية، في ضوء المعلومات التي نقلتها وكالة «رويترز» عن مسؤول كبير في الحكومة اللبنانية وصفته «بالكبير» من ان «لبنان يعتقد ان السعودية تحتجز الرئيس الحريري»، وأن لبنان «يتجه إلى الطلب من دول أجنبية وعربية الضغط على السعودية لفك احتجاز رئيس الحكومة»، معتبراً أن الاستقالة ليست قائمة، وأن سعد الحريري ما يزال رئيس الحكومة».
ومع ان مصادر القصر لم تشأ تبني ما نقلته «رويترز»، واكتفت بالتأكيد بأن الرئيس عون ليس في وارد إصدار أي قرار قبل جلاء الملابسات واستيضاح الأمور من الرئيس الحريري، الا انها كشفت بأن أي تواصل بينهما لم يسجل منذ الاتصال الأخير بينهما يوم الأحد الماضي، حيث سأل رئيس الجمهورية الرئيس الحريري عن موعد عودته فقال له الاخير: «في غضون ايام»، ولاحقاً أفاد من التقى الرئيس عون انه خرج بإنطباع عن انزعاج رئاسي من الموضوع، وأن الرئيس عون سأل عن الأسباب التي تحول دون اجراء اتصال آخر به، أو إرسال رسالة، ما عزّز الشعور بأن الرئيس الحريري محتجز، وفي هذه من البديهي، بحسب ما تضيف المصادر، ان يطلب الرئيس عون من السفراء جلاء غموض بقاء الحريري في السعودية، خاصة وأن مكتبه الإعلامي أفاد انه التقى أمس وخلال الأيام الماضية دبلوماسيين اوروبيين، وبالتالي فإن هؤلاء لا بدّ وانهم نقلوا إلى بلدانهم تقارير عن وضع رئيس الحكومة اللبنانية، إضافة إلى ان الرئيس الحريري يتمتع بحصانة دولية بموجب اتفاقية فيينا، ولا يجوز ان يعامل وكأنه «محتجز».
مسعى فرنسي
ولا تستبعد مصادر دبلوماسية ان تكون الحركة اللافتة للانتباه، والتي قام بها السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه، في اتجاه قصر بعبدا إلى جانب الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، تعني ان بلاده دخلت على خط معالجة الأزمة، بالتزامن مع وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الرياض مساء أمس، حيث ترددت معلومات ان المسعى الذي يقوم به يلقى دعماً اميركياً غير خفيّ ويشمل الشأنين اليمني واللبناني.
وبحسب هذه المصادر، فإن الوساطة الفرنسية التي تزامنت مع حركة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي وصل إلى باريس أمس بعد لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأردن ستتناول أهمية العودة إلى تحييد لبنان عن أي نزاع إقليمي، وربما احياء التسوية الرئاسية ولكن على أسس جديدة ترتكز على إضفاء نوع من الضمان الفرنسي لعدم انجرار لبنان إلى أي محور في مقابل تليين بعض الشروط والمواقف، والاهم ابعاد احتمال أي تصعيد عسكري داخلي أو خارجي قد تطال شراراته مجمل الإقليم.
الراعي في الرياض
وأكدت المصادر ان قرار البطريرك الماروني بشارة الراعي القيام بزيارة السعودية يوم الاثنين المقبل، يصب أيضاً في هذا الاتجاه، أي اتجاه تحييد لبنان عن الصراع الإقليمي، خاصة وأن مصادر قصر بعبدا تحدثت أمس، وبعد زيارة الراعي للرئيس عون عن تكامل وتنسيق بين الرجلين اللذين قالا انهما يرغبان في إيصال رسالة للمسؤولين السعوديين مفادها ان لبنان لا يقبل ولا يرغب ولا يريد ان تكون بيروت ساحة صراع إيراني - سعودي، أو أي ساحة لأي صراع.
وكشفت المعلومات ان الراعي كان يتريث في المضي في تلبية الدعوة السعودية لزيارة الرياض، كأول بطريرك ماروني يزور المملكة، ولا سيما بعد إعلان الحريري استقالته، والملابسات التي أحاطت بهذه الخطوة، إلا ان مجلس المطارنة الموارنة نصحه بإجراء مشاورات بهذا الصدد، ولا سيما مع الرئيس عون ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، اللذين شجعاه على القيام بالزيارة، نظراً لما يُمكن ان تحمله من ايجابيات مضاعفة من السلبيات التي يُمكن أن تنجم فيما لو اعتذر عنها، خاصة بعدما تأكد ان برنامج الزيارة يشمل أيضاً لقاء مع الرئيس الحريري، إضافة إلى لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمّد بن سلمان.
ومعلوم ان الزيارة ستكون ليوم واحد، سيرافقه فيها وفد اعلامي كبير مع مطران واحد.
واتصل الراعي بعد إعلان قراره بكل من الرئيس نبيه برّي والنائب السيدة بهية الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع.
دار الفتوى
في غضون ذلك، بقيت دار الفتوى محور اتصالات ومشاورات لليوم الخامس على التوالي، في موازاة الحركة الحاصلة في قصر بعبدا، حيث استقبل المفتي دريان عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية وفود أمن الأحزاب السياسية ونواباً، كان أبرزهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي زار دار الفتوى للمرة الثانية في غضون 48 ساعة الماضية، حيث أطلق من هناك مواقف رداً على ما تردّد من اتجاه السعودية لأن يخلف بهاء الحريري شقيقه سعد، مؤكداًَ ان اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، مشدداً على ان «السياسة في لبنان تحكمها الانتخابات كل المبايعات، ودعا إلى انتظار عودة الرئيس الحريري لأنه هو الذي يُقرّر طبيعة المرحلة المقبلة، بالتشاور مع كل الرؤساء والقوى السياسية المعنية.
برّي
ومن جهته، جدّد الرئيس برّي أمام زواره التأكيد بأن استقالة الحريري لم تحصل لأن ما جرى في هذا الشأن لم يحصل من قبل، مشيراً إلى انه لو استقال هنا في بيروت لاختلف الوضع.
وعن طلب الدول الخليجية الثلاث السعودية والامارات والكويت من رعاياها عدم السفر إلى لبنان، شدّد برّي على ان لبنان يريد أفضل العلا قات مع أشقائه العرب بما فيها المملكة السعودية، لكن هم بادروا وليس نحن، لافتاً إلى ان لبنان مرّ بظروف مماثلة من قبل.
ورأى ان لبنان أقوى من أميركا إذا توحد وأضعف من بيت العنكبوت إذا تفرق.
نصر الله
أما الأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله الذي ستكون له أطلالة عبر شاشة التلفزيون مساء اليوم لمناسبة «بيوم الشهيد»، فتوقفت مصادر ان يركز كلمته على تطورات الوضع الإقليمي، لكنه سيتطرق مجدداً إلى موضوع الاستقالة ويؤكد على ضرورة استمرار التهدئة والافساح في المجال أمام الاتصالات الدبلوماسية لمعالجة أسباب وظروف وتداعيات هذه الاستقالة.