لم يعد خافيًا أن المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز غيرها في عهد من سبقه من الملوك، وقد انتهجت المملكة منذ توليه العرش الملكي في العام 2015 سياسة جديدة مضمونها المبادرة والإعتماد على النفس في معالجة المشاكل التي تواجهها في الداخل والخارج وطرح هذه المشاكل في العلن والسعي لمواجهتها.
ودرأ الأخطار المحيطة التي تهدد أمنها واستقرارها واعتمدت استراتيجية حماية مصالح المملكة قبل أي إعتبار، والدفاع عنها بمختلف الوسائل المتاحة سياسيًا وعسكريًا مستفيدة من نقطة تقاطع تجمعها مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجهة ضرب الإرهاب بشقيه السني والشيعي ومحاربة ما تعتبره ميليشيات وتنظيمات إرهابية ومحاصرتها للحد من أعمالها العدوانية والاجرامية.
وبالتالي الوقوف في وجه التمدد الإيراني الذي استفحل في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إذ أن إيران رأت في الإنكفاء الأوبامي عن أزمات المنطقة فرصتها السانحة للحلول محل التواجد الأميركي وأطلقت العنان لقوات حرسها الثوري وأصدرت الأوامر لميليشياتها وأدواتها العسكرية المنفذة للإنخراط في أزمات وحروب العديد من الدول العربية وضرب الشرعية في هذه الدول بإنشاء دويلات مرادفة لسلطة الدولة الأم بغية زعزعة الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط بحيث لم يخف الإيرانيون أطماعهم في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وغزة والتبجح بوضع اليد على عواصم هذه الدول واستحالة إتخاذ أي قرار فيها بمعزل عن رضى طهران وأن حدود إيران تصل إلى مشارف البحر المتوسط.
إقرأ أيضًا: رسالة إسرائيلية مزدوجة لروسيا وإيران
فالمنطقة في ظل السياسة الأميركية التي يقودها الرئيس ترامب وفريق إدارته المتناسقة تمامًا مع الرغبات السعودية برعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز مقبلة على مرحلة جديدة تتباين عن المرحلة السابقة إلى حد التناقض وعنوانها تحجيم الدور الإيراني المتشعب في العديد من الدول العربية وإضعاف أن لم نقل قطع أذرع طهران العسكرية التي تثير الفتن وتزرع الرعب وتفتعل الحروب وتتسبب بالدمار والكوارث وتفتك بمعالم الحياة ومقدرات البلاد التي تطأها أقدامها وتقيم فيها ترساناتها الحربية.
وفي هذا السياق أقدمت السعودية على إتخاذ خطوات فاعلة على الأرض بدأتها بإنشاء تحالف عربي وإسلامي لإستعادة الشرعية في اليمن المغتصبة من قبل جماعات الحوثيين المدعومة من إيران.
وفي تصريح له يوم الثلاثاء الماضي اتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إيران بشن عدوان عسكري مباشر ضد المملكة عبر اليمن.
إقرأ أيضًا: لبنان بين التشدد الأميركي والتباين الأوروبي
وقد وصفت أوساط خليجية هذا التصريح بأنه رسالة شديدة اللهجة لإيران لإعادة حساباتها ولجم ميليشياتها في المنطقة لمنع أي صدام مباشر قد يتوسع لدرجة يصبح من الصعب محاصرة نتائجه وجاء ذلك على خلفية إطلاق صاروخ باليستي من اليمن مستهدفًا مطار الملك خالد في الرياض والاتهامات المتواصلة التي دأب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على إطلاقها ضد السعودية، وهذا يؤكد على أن الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الإعتداءات الإيرانية في دول تعتبر تقليديًا مناطق نفوذ سعودية.
وتأتي استقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة اللبنانية كخطوة متقدمة تستهدف حزب الله ودوره في تعطيل الحياة السياسية في البلد وفي تقديم المساعدات اللوجستية للحوثيين في اليمن وتمكينهم من استخدام الأسلحة المتطورة وبينها إطلاق الصاروخ الذي استهدف العاصمة السعودية وإعتبار الحكومة اللبنانية أنها فشلت في لجم حزب الله وفرض قيود على تحركاته.
والمطلوب في هذه اللحظة الإقليمية الحرجة تراجع طهران عن مشاريعها التوسعية وفي التراجع عن الخطأ فضيلة وإلا فالمنطقة مقبلة على زلزال ستطال شظاياه معظم العواصم العربية والمستفيد الوحيد من هذا الإنفجار إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية.