أولاً: الخلاف الفقهي بقضايا الطلاق بين السّنة والشيعة...
يتّضح يوماً بعد يوم أنّ الاستقالة الحريرية أحدثت في البلاد فتنةً هوجاء، ذلك أنّ كبار المسؤولين باتوا يخبطون خبط عشواء، بين مُتريّثٍ غير مستعجل (رئيس الجمهورية ورئيس القوات)، ومُتلهّفٍ سالت لُعابه على موقع رئاسة الحكومة (الرئيس ميقاتي)، وآخر وضع يديه في مياهٍ باردة (الرئيس برّي)، فالاستقالة عنده لم تقع، أو ليست واقعة، ويبدو هذا الموقف للرئيس بري مأخوذاً من فقه الطلاق عند الشيعة، فالطلاق في هذا الفقه لا يقع باللفظ، كما هو مُستن وفق مذاهب السُّنة الأربعة، في حين يستلزم وقوع الطلاق عند الشيعة حضور الشهود العدول، بعد أن يُدعى الزوج للعودة إلى رُشده، ويُنصح بعدم الذهاب إلى أبغض الحلال عند الله، ولا يُعتدُّ أبداً بقولٍ ناجم عن انفعالٍ أو غضب.
إقرأ أيضًا: صراع الشرعية واللاشرعية يقذف برئيس الحكومة خارج البلاد
ثانياً: التّخبُط العشوائي...
بالعودة إلى ما أصاب المسؤولين من كربٍ وغمٍ وحيرة، يكفي أن يطّلع المرء على ما أقدم عليه رئيس الجمهورية بدعوة "من هبّ ودبّ" إلى القصر الجمهوري للاستئناس برأيهم، والوقوف على "خاطرهم" ومشاركتهم مسؤولية اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة باستقالة الرئيس الحريري، هذا في حين أنّ المعروف عن الرئيس عدم اكتراثه بمعظم من دعاهم لمقابلته بالأمس.
ويُسجّل في هذا الخضمّ الزاخر بالأحداث الدرامية والقلقة التي تطبع الحياة السياسية هذه الأيام، دعوة الدكتور سمير جعجع حزب الله إلى "رمي سلاحه" وقطع وشائجه المتينة مع إيران، والبدء بانسحابٍ عاجل من بلاد العرب الملتهبة، ليعود بعد ذلك حزباً لبنانياً مُسالماً، شأنه شأن باقي الأحزاب، وفي مقدمتهم القوات اللبنانية التي انتقلت من حال التّسلُّح والكردسة إلى حال المهادنة والموادعة، دعوة مُباركة لو أنّها تلاقي آذاناً صاغية، وهي لا تعدو كونها أحلاماً صعبة المنال، فالاستقالة واقعة دستورياً وفقهياً، وإن لم تعهد من بين الأعراف، وباتت بحاجة لمعالجة فورية لإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، لينصرف بعدها المتخاصمون كلٌّ إلى شأنه، أمّا اللبنانيون فكان الله في عونهم من قبلُ ومن بعد.