تتضح في الأوساط السياسية السنية في العراق ملامح تحالف جديد يجمع أطرافا كانت متناقضة في السابق. وتتحدث مصادر عراقية عن تشجيع قطري وإيراني لهذا الحراك في مسعى لإرباك تقارب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع السعودية.
وتتزامن هذه التطورات مع تسريبات تشير إلى أن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، الغاضب من الإجماع الدولي على رفض مشروع استقلال الكرد في دولة، ربما يتجه إلى تحسين علاقته بإيران بعد خيبة الأمل التي سببها الموقف الأميركي الذي أجهض طموحاته القومية.
ووفقا لمصادر خاصة تحدثت لـ”العرب”، فإن التحالف السني الجديد ترعاه تركيا وقطر التي انضمت بشكل مكشوف للجهود الإيرانية الهادفة إلى عرقلة دخول السعودية القوي على خط الأزمة العراقية بدعم رئيس الوزراء وخاصة عرض المشاركة الفعالة في إعادة الإعمار مع اشتراط تحييد العراق عن إيران.
وتقول المصادر إن اتصالات جرت مؤخرا بين رجل الأعمال خميس الخنجر الذي ينحدر من مدينة الفلوجة، ومالك مجموعة قنوات الشرقية الإعلامي سعد البزاز، لتنسيق مشروع سياسي يستهدف المناطق السنية المحررة حديثا من تنظيم داعش، موضحة أن رجل الأعمال، جمال الكربولي، الذي يتزعم حركة الحل المشاركة في البرلمان العراقي التحق بالنقاشات المتعلقة بهذا التحالف.
وتشير المصادر إلى أن “القاسم المشترك بين الشخصيات الثلاث، هو علاقاتها التي تطورت مؤخرا بالمحور التركي القطري الذي تقترب مواقفه من أن تتطابق مع الموقف الإيراني بشأن عدد من ملفات المنطقة”، موضحة أن “إيران تشجع هذا الحراك السني”.
وتتحدث المصادر عن “خطة هذا التحالف والمتمثلة في المشاركة بقوة في الانتخابات المقبلة عبر قوائم تضم مرشحين يمثلون الأطراف الثلاثة”، مشيرة إلى أن “التحالف الجديد ربما يحظى بفرص كبيرة لاكتساح الساحة السياسية السنية، في ظل غياب أي مشاريع منافسة”.
وقال سياسي عراقي في بغداد لـ”العرب”، إن “الخنجر والبزاز والكربولي يرتبطون بتفاهمات مع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي”.
وعدلت قناة الشرقية المملوكة للبزاز من خطابها المعادي للمالكي، واستضافته مؤخرا في أبرز برامجها الحوارية، فيما أطلقت مع محطة دجلة المملوكة للكربولي تحالفا إعلاميا يستهدف التركيز على ملفات ربما تفتح باب النقد لحكومة العبادي.
وسائل إعلام كردية تتحدث عن "مؤشرات" بشأن نية البارزاني في ترميم علاقته بطهران، التي تضررت بشدة بسبب الاستفتاء.
وفيما تصنف حركة الحل بزعامة الكربولي على أنها جزء مما يعرف بـ”سنة المالكي”، وهو مصطلح يطلق على الشخصيات السياسية السنية التي توالي زعيم ائتلاف دولة القانون، عرف عن الخنجر والبزاز معارضة شرسة للعملية السياسية في العراق ورفضهما المشاركة فيها.
ويربط مراقبون هذا التحول بأزمة قطر مع دول المقاطعة ومساعيها لتحريك بعض وكلائها في العراق لخدمة إيران وإرباك الدور السعودي الذي يستمد مشروعيته من كونه يعبر عن توجه عربي لتحييد العراق عن النفوذ الإيراني.
ومنذ صعود العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ركزت الرياض على التعامل مع رئيس الوزراء العراقي، بدل التواصل مع مجموعات سنية متصارعة في ما بينها سيؤدي الرهان عليها إلى تعميق الأزمة الطائفية في العراق، وهي الأرضية التي ساعدت إيران على بسط نفوذها على البلاد.
وتقول المصادر إن “أنقرة منحت الخنجر امتيازات كبيرة لتعزيز أنشطته الاقتصادية في تركيا على حساب مصالحه في الإمارات”.
وتشير إلى أن “المالكي والخنجر ربما عقدا لقاء سريا في بغداد مؤخرا، لم تتسرب تفاصيله إلى وسائل الإعلام”.
وتأتي هذه التطورات مع إشارات إلى تحول وشيك في موقف أربيل، معقل الزعيم الكردي مسعود البارزاني، الذي يتحدث عن “ضرورة إعادة النظر في العلاقات بين الولايات المتحدة وإقليم كردستان العراق”، بعد تداعيات استفتاء الاستقلال الذي أجرته المنقطة الكردية في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي.
وتتحدث وسائل إعلام كردية عن “مؤشرات” بشأن نية البارزاني في ترميم علاقته بطهران، التي تضررت بشدة بسبب الاستفتاء.
وعارضت طهران الاستفتاء الكردي بشدة واعتبرته تهديدا لأمنها القومي. وأرسلت إيران زعيم فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، إلى مدينة السليمانية معقل حزب الاتحاد الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، لينسق خطة انسحاب للقوات الكردية من أمام نظيرتها العراقية في مناطق متنازع عليها بين المركز والإقليم.
ويتحدث البارزاني علنا، خلال مقابلات صحافية مع وسائل إعلام أميركية خلال الأسبوع الجاري، عن نيته إعادة النظر في طبيعة علاقة الأكراد بواشنطن.
وقال إن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على علم بخطة بغداد للاستيلاء على مدينة كركوك الغنية بالنفط قبل أن يجري الإقليم الكردي استفتاءه.
وفيما قال إن الولايات المتحدة التي سمحت لبغداد بنشر قواتها على تخوم الإقليم سببت للشعب الكردي خيبة أمل، أشاد الزعيم الكردي بالموقف الروسي من الاستفتاء.
وعلى الفور تحركت طهران لملء الفراغ الذي تشهده أربيل، إذ أرسلت وفدا رفيعا إلى البارزاني لبحث المستقبل السياسي للإقليم، وفقا لمصادر مطلعة.
ويقول مراقبون إن من شأن هذه التطورات أن تحوّل الجبهة السياسية الموالية لإيران في العراق، بقيادة المالكي، إلى خصم ربما يطيح بطموح العبادي المؤيد أميركيا في ولاية ثانية.