أنهى سعد الحريري اللعبة في منتصفها ولم ينتظر النهاية. وهو موقف سيشكره اللبنانيون عليه في مستقبل أيامهم
 

نظريا فإن حزب الله سيبحث عن رئيس وزراء جديد للبنان حسب مقاساته. أما على الصعيد العملي فإن ذلك الشخص لن يكون موجودا.

الدولة اللبنانية في جزئها الميليشياوي، وهو الجزء التابع لحزب الله ومن خلاله لإيران، تنظر اليوم بغضب إلى رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري بسبب خطوته الجريئة.

الحريري قال من خلال انسحابه مهزوما ما عجز عن قوله منتصرا، وهو تعبير مجازي عن وصوله إلى سدة الحكم.

غير أن الحريري وهو رجل أعمال أدرك أن التسوية التي دخل إلى متاهتها هي عبارة عن صفقة خاسرة سيكون ثمنها تسليم لبنان كله إلى إيران من بوابة حزب الله. وهو أمر لن يغفره له أحد. كما أنه سيجعل منه حارس أمانات أعمى.

لقد أنهى سعد الحريري اللعبة في منتصفها ولم ينتظر النهاية. وهو موقف سيشكره اللبنانيون عليه في مستقبل أيامهم.

لولا ذلك الموقف فإن لبنان كله كان في طريقه إلى أن يتحول إلى حسينية. سيمحى لبنان التعدد والتنوع والاختلاف.

فمَن رهن وجوده كله في خدمة الولي الفقيه وهو التعبير الذي يخفي بين طياته خدمة المشروع الإيراني في التوسع والتمدد والهيمنة على حساب دول وشعوب المنطقة لا يمكنه أن يفكر بحرية لبنان ومواطنيه.

حزب الله ينظر إلى اللبنانيين باعتبارهم جزءا من رعية الولي الفقيه.

بدأ بالشيعة الذين عاد بهم الحزب إلى عصور الثأر جهلا والقصاص انتقاما، ليتوسع فيشمل جزءا من المسيحيين بخرافاته، ليحاول بعدها أن يمد نفوذه إلى بقية الطوائف.

وإذا ما كان جزء من سنة لبنان قد قاوم طوفان حزب الله عن طريق العنف المقابل، فقد أثبتت الوقائع أن تلك الطريق لا تقود إلى النجاة بعد أن تمكن الحزب المذكور من التغلغل في أجهزة الدولة اللبنانية.

لم يكن العنف الوسيلة المثلى للمقاومة، لا لشيء إلا لأن حزب الله كان قد تمكن وبدعم مباشر وقوي من إيران من قوة مسلحة لا يمكن لأي طرف لبناني أن يواجهها بالأدوات نفسها.

لم يكن أمام اللبنانيين والحال هذه سوى أن يعزلوا حزب الله من خلال عدم التعامل معه من جهة كونه الجهة التي يجب التعامل معها بحكم الواقع.

كان رفض الواقع الذي صنعه حزب الله وسعى إلى فرضه على اللبنانيين هو الحل الوحيد. كاد اللبنانيون أن ينجحوا في ذلك لولا التسوية الماكرة التي تورط بها الحريري حين ارتضى أن يكون رئيس وزراء في بلد كان حزب الله في طريقه إلى أن يحكم قبضته عليه. اليوم وبعد انسحاب الحريري من العملية السياسية يعود لبنان إلى مرحلة ما قبل تلك التسوية. الفرق بين الزمنيْن أن حزب الله استطاع أن يلتهم جزءا مضافا من الدولة اللبنانية وهو الجزء الذي لا يمكن استعادته بيسر.

لقد تراجع سعد الحريري عن الخطأ الذي ارتكبه يوم قبل التسوية، غير أن ثمن تلك التسوية كان قد دُفع إلى حزب الله. لذلك فإن حزب الله هو اليوم بسبب تلك التسوية صار أقوى وأكثر تمكنا من الدولة اللبنانية.

لذلك فإن حزب الله كان يرجو أن يستمر الرجل في انصياعه للخديعة إلى أن يحل زمن لن يكون في إمكانه فيه سوى أن يكون نسخة من الجنرال ميشال عون الرئيس الذي لا يمثل سوى نفسه.

لقد خسر الحريري معركته، غير أنه اختار أن يعلن عن خسارته بطريقة تليق بالزعماء التاريخيين. فالرجل الذي اعترف بعجزه عن مقاومة الضغوط الإيرانية عرف كيف يكاشف مواطنيه بأسباب فشل الشراكة الوطنية. تلك الأسباب صنعها اللبنانيون بأنفسهم حين ارتضوا الخضوع تدريجيا لوهم المقاومة الذي أسرهم عاطفيا غير أنه كشف عن صورته أخيرا باعتباره قفصا إيرانيا.

لقد فاجأ الحريري مواطنيه بخروجه من ذلك القفص، وصار على حزب الله اليوم أن يبحث عن شخص يرتضي علانية أن لا يكون سوى شبح مقيم في قفص.

 


فاروق يوسف