يصر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى لبنان لحسم مسألة استقالته من عدمها، ويواصلان سلسلة اللقاءات مع أقطاب الداخل والسفراء الأجانب فضلا عن إجراء اتصالات هاتفية مع الدول الإقليمية والغربية، علهما يظفران بحل لإخراج لبنان من الدوامة التي وجد نفسه فيها.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن عدم تصديق عون على الاستقالة رغم مرور أكثر من خمسة أيام على الإعلان عنها، يأتي لإعطاء فرصة أمام إمكانية عودة الحريري، بات الأكثر متفائلين بحدوثها أنها لن تغير شيئا لجهة التراجع عن تلك الاستقالة التي أعلن عنها من الرياض.
وقال نبيه بري في لقاء الأربعاء النيابي “الحكومة ما زالت قائمة، وإن إعلان الرئيس الحريري استقالته بهذا الشكل لن يغيّر من كامل أوصافها”.
وكان رئيس مجلس النواب قد تلقّى في وقت سابق دعوة لزيارة باريس خلال اجتماعه مع السفير الفرنسي برونو فوشيه، الذي ناقش معه الأزمة المستجدة.
تصريحات بري المطمئنة لا تجد طريقها لقلوب الكثيرين، خاصة وأنه لا بوادر حتى اللحظة عن عودة قريبة لرئيس الوزراء المستقيل، فضلا عن أن إمكانية عودة الأمور إلى ما قبل الإعلان عن استقالته تكاد تكون مستحيلة في ظل التصعيد الإقليمي الخطير بين إيران والسعودية.
وهذا الوضع الغائم يجعل الطبقة السياسية مضطرة إلى البحث عن خيارات بديلة يقول مراقبون إن أحلاها مر.
ومن بين الخيارات المرسومة حاليا هي تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن كل الانتماءات السياسية، يكون هدفها الاساس التحضير للانتخابات النيابية التي أكد الرئيس ميشال عون الثلاثاء تنظيمها في وقتها المحدد أي مارس المقبل.
ومن شأن هذه الحكومة أن ترفع الحرج عن لبنان لجهة إبعاد حزب الله نظريا عن السلطة التنفيذية.
وبالتأكيد هذا الخيار لن يلاقي قبولا لدى الحزب، لأن ذلك سيعني وضعه على سكة عزله سياسيا. كما أن هذا الخيار مرفوض لدى البعض من الأطراف السياسية، خاصة وأن ذلك سيعني افتقاد هؤلاء لرافد سياسي مهم خلال حملاتهم الانتخابية.
هيذر نويرت: الخارجية الأميركية لم تكن على علم بقرار استقالة رئيس الوزراء اللبناني
ويقول مراقبون إن من بين الخيارات المطروحة أيضا هو تحويل الحكومة القائمة إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية، ولكن هناك تحديات تحُول دونها، من بينها أن المكوّن السني لن يقبل بالمطلق ببقاء موقعه خاويا، لأن في ذلك ضربا للتوازنات القائمة. والنظام اللبناني قائم على اتفاق الطائف الذي أُقر في السعودية في العام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وينصّ الاتفاق على توزيع طائفي للسلطة بشكل يؤمّن للسنة رئاسة الحكومة، والمسيحيين رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة مجلس النواب.
ومن بين البدائل الأخرى المطروحة لحل الأزمة الحالية هو القبول باستقالة الحريري، خاصة وأنه ليس هناك موانع دستورية تحُول دون ذلك، وتكليف شخصية سنية تتولى مهمة تشكيل حكومة سياسية جديدة.
وهذا الخيار لا يبدو سهلا بالمرة لجهة أنه لا توجد شخصية سياسية سنية ستجازف بتولّي هذا المنصب في ظل مشاركة حزب الله، خاصة وأن المملكة العربية السعودية كانت واضحة لجهة أن أيّ حكومة للبنان موجود فيها الحزب ستكون بمثابة حكومة إعلان حرب على السعودية.
وهذا الخيار في حال طرحه لن يحوز قبولا لدى تيار المستقبل، خاصة وأن الأخير لديه كتلة نيابية وازنة في البرلمان وبالتالي لن يسمح بتمرير هكذا حكومة.
وسبق وأن أبدى أحد المرشحين المتوقعين لهذا المنصب نجيب ميقاتي عدم رغبته في خوض غمار هذه التجربة المحفوفة بالمخاطر، مؤكدا أن طموحاته تنحصر في الدخول إلى البرلمان المقبل عن دائرة طرابلس.
ويبقى الحل حاليا بالنسبة للبنانيين انتظار ما ستسفر عنه اللقاءات والاتصالات مع القوى الكبرى، وبناء على ذلك يُبنى الشيء ومقتضاه.
دوليا، أبدت الولايات المتحدة استمرار دعمها العسكري للبنان، رافضة التدخل في الأزمة السياسية الراهنة. وكشفت السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيث ريتشارد عن تحويل بلادها مبلغ 9. 42 مليون دولار للحكومة اللبنانية لتغطية جزء من تكاليف الجيش لحماية الحدود.
جاء ذلك إثر لقاء جمع الأربعاء العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني مع نائبة وزير الدفاع للقوات الجوية الأميركية هايدي جرانت والوفد المرافق لها، في حضور السفيرة الأميركية تطرّق إلى “علاقات التعاون بين جيشي البلدين وبرنامج المساعدات الأميركية الخاصة بتسليح القوات الجوية اللبنانية” وفق مصدر رسمي لبناني.
وأشارت السفيرة الأميركية في بيان إلى “الإنجازات التي حققها الجيش في مواجهة الإرهاب على الحدود وفي الداخل”.
وأعربت ريتشارد عن “التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على لبنان الآمن، المستقر، الديمقراطي والمزدهر، ومساعدة الشعب اللبناني من خلال مشاريع إنمائية مختلفة، والتمسك بالشراكة القائمة مع الجيش اللبناني”.
وكانت الخارجية الأميركية قد أكدت في وقت سابق على لسان المتحدثة باسمها هيذر نويرت دعمها القوي للمؤسسات الشرعية في لبنان، مؤكدة في الآن ذاته على اعتبارها حزب الله تنظيما إرهابيا.
وأشارت نويرت إلى أن وزارة الخارجية الأميركية لم تكن على علم مسبق بقرار رئيس الوزراء اللبناني بشأن الاستقالة.
من جهته جدد الاتحاد الأوروبي دعمه لاستقرار لبنان، مؤكدا في بيان صدر الأربعاء على ضرورة مواصلة كل الأطراف “الحوار البناء” وتعزيز المؤسسات اللبنانية والإعداد للانتخابات البرلمانية في بداية 2018 التزاما بالدستور.