اتجهت الأنظار على نحو جدّي في الساعات الماضية إلى موعد عودة الرئيس سعد الحريري، في وقت يواصل فيه الرئيس ميشال عون «لقاءاته التشاورية» مع الشخصيات السياسية والحزبية، على ان يلتقي اليوم القيادات الروحية والفاعليات الاقتصادية قبل ان يستجمع خياراته، ليعرض الموقف مع رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والغربية، فضلاً عن مجموعة الدعم الدولية للبنان، التي تضم في عضويتها الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبدا الموقف الداخلي من اعتبار الحكومة الحريرية أو «حكومة استعادة الثقة» مستقيلة أم لا منقسماً، إذ اعتبر الرئيس نبيه برّي ان «استقالة الحريري التي اعلنها من السعودية السبت لن تغير «بهذا الشكل» من كامل اوصاف الحكومة».. فيما أشار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى ان الحكومة مستقيلة وشبعت استقالة.. وبالتالي يتعين ان تعالج بالعمق..
وفي السياق ذاته، قال مصدر سياسي مطلع لـ«اللواء» ان المشاورات الجارية حول ما يتعين فعله إزاء استقالة الرئيس الحريري، هي أشبه «بشراء وقت»، مضيفاً ان الوقائع تُشير إلى ان الأزمة اعمق بكثير والمدخل معروف، التزام التسوية السياسية، نصاً وروحاً..
على ان اللافت، ومع الأخذ بعين الاعتبار «المشاورات الجارية» من قبل بعبدا، ما نوّهت إليه محطة «OTV» الناطقة بلسان التيار الوطني الحر عندما تحدثت عن «خروج كلام صهيوني علني، عن ان المستهدف بالأزمة هو رئيس الجمهورية، للضغط عليه من أجل فرض تنازله عن عناصر قوة لبنان وسيادته».
وكان من الملفت أيضاً إشارة المحطة للبعد الخارجي للأزمة، بما يشبه الغمز من قناة الرئيس الحريري، بقولها: «... خصوصاً ان رئيس الحكومة أعلن عن غيابه من خارج لبنان.. وباتت اقامته في الخارج نفسه.. فيما التهديدات بزعزعة استقرار بلاده».
مشاورات بعبدا ودار الفتوى
وفي تقدير مصادر معنية، ان حركة المشاورات الواسعة التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية، وتقاسمتها رئاسة الجمهورية ودار الفتوى، أسهمت في توفير مظلة وطنية يفترض ان تحمي الاستقرار السياسي والامني والنقدي من جهة، وتوفر من جهة ثانية حصانة وطنية رسمية وسياسية وشعبية للرئيس الحريري، باعتباره رسمياً في لبنان «غير مستقيل» إلى حين توفّر الشروط الاجرائية للاستقالة، وهو الأمر المنتظر خلال الساعات المقبلة، من خلال عودة الرئيس الحريري المحتملة إلى بيروت.
وأفادت مراجع سياسية زارت القصر الجمهوري ودار الفتوى، ان المرجعيتين الرسمية السياسية والروحية تلاقيا في حركتهما الواسعة على تدارك انعكاسات الاستقالة علىالوضع السياسي الوطني والشعبي والمالي، واسهما في إرساء حالة من الهدوء وللتعامل بحكمة وعقلانية مع الوضع.
وأضافت هذه المصادر ان الرئيس عون مهتم شخصياً بعودة الرئيس الحريري سريعاً إلى بيروت، وهو سخر منذ أيام اتصالاته الدولية والإقليمية والعربية لهذا الغرض، معتبراً انه بعد هذه العودة سيكون لكل حادث حديث وهو (أي الرئيس عون) كما سائر الأطراف السياسية لا يتعاملون مع الاستقالة كحدث دستوري اجرائي داخلي عادي يمكن معالجته بالطرق العادية التي كانت معتمدة في مثل هذه الحالات، أي باستشارات نيابية ملزمة، بل يتعاملون معها كحدث وطني كبير وخطير، لأنه يمس سلامة وحصانة ودور شخصية رسمية وسياسية كبيرة.
وبحسب هذه المرجعيات، فإن المشاورات الداخلية والخارجية التي أجراها الرئي سعون، تكاد تكون من أوسع المشاورات التي تجري في تاريخ الجمهورية اللبنانية، لا سيما وانها لم تستثن أحداً ممن له علاقة بالسياسة ويعمل في اطارها، وكلها صبت، وفق مصادر القصر الجمهوري في سياق المحافظة على الوحدة الوطنية ومعالجة تداعيات إعلان الاستقالة.
وقالت المصادر انه في خلال اللقاءات التي عقدها عون في بعبدا خلال هذيني اليومين سمع كلاما مؤيدا بخطوه في استيعاب الأزمة والتريث في إعلان موقف من الاستقالة ريثما تنجلي الأمور.
وأعادت التأكيد أن الرئيس عون يرغب في إجراء تواصل مع الرئيس الحريري وقبل ذلك لن يبت بالاستقالة التي أتت بإعلان لا يتناغم مع الأعراف والأصول.
وأوضحت أن اتصالات الرئيس عون لم تتوقف والموقف الوحيد هو التريث ثم التريث وأي كلام آخر لا يعكس حقيقة الواقع.
وأشارت إلى أن الحركة الرئاسية متواصلة حتى نهار الجمعة وان هناك مواعيد يجري إعدادها وتشمل سفراء الدول العربية وسفراء مجموعة الدعم الدولية.
كما أنه من المرتقب أن يكون له لقاء مع البطريرك الماروني مار بشارة الراعي اليوم، يتوقع ان يتوسع خلاله إلى تشاور بالزيارة المرتقبة للبطريرك الماروني إلى السعودية يوم الاثنين المقبل، وما إذا كان من المستحسن القيام بها في هذه الظروف أو تأجيلها، علماً انها حتى الساعة ما تزال قائمة في موعدها المقرّر.
حركة دار الفتوى
ولم يستبعد ان يكون الاتصال الذي اجراه البطريرك الراعي بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مساء أمس، تناول هذا الموضوع، إضافة إلى الاعراب له عن دعمه للجهد الوطني الذي تبذله دار الفتوى في هذه المرحلة الدقيقة، والذي بحسب معلومات المرجعيات السياسية يرفض حتى الآن الدعوات إلى عقد اجتماع للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو عقد لقاء لاركان الطائفة السنية تلافياً لحصر قضية الاستقالة بالطائفة السنية، وقد ظهر ذلك في حركة اللقاء الواسعة التي شهدتها الدار على مدى الأيام الأربعة الماضية، وشملت كل الأطياف الإسلامية والمسيحية.
وشدّد المفتي دريان، خلال هذه اللقاءات، وكما نقل عنه زواره، على ان الأزمة التي أصابت لبنان باستقالة الحريري ينبغي ان نفهم ظروفها وأن نعالجها ضمن إطار الوحدة الوطنية، مؤكداً ان عودة الرئيس الحريري أولوية تتقدّم على أي شيء آخر.
لقاء الأربعاء
ولم يغب الحديث عن الوحدة الوطنية والتأكيد عليها، عن لقاءات عين التينة أيضاً، حيث أكّد الرئيس نبيه برّي، خلال لقاء الأربعاء النيابي علىان ما يواجهنا اليوم يفترض منا جميعاً اننحصن هذه الوحدة، مكرراص القول ان الحكومة ما زالت قائمة وأن إعلان الرئيس الحريري استقالته بهذا الشكل لن يغير من كامل اوصافها.
ونُقل زوّار برّي عنه «ان كل المسار المتعلّق باستقالة الرئيس الحريري يتوقّف على تقديمها «رسمياً» من قبل الرئيس الحريري ووفق الاصول الدستورية والسيادية، لذلك تعتبر الحكومة نافذة وكاملة الاوصاف»، مرجّحين «امكانية قيام الحريري بزيارة سريعة للبنان يقدم فيها استقالته في شكل رسمي خلال الساعات المقبلة ويغادر اثر ذلك».
طائرة الحريري
وكانت وسائلالاعلام انشغلت مساء أمس في هذا الإطار، بتتبع خط سير طائرة الرئيس الحريري الخاصة التي انطلقت صباح أمس من مطار «لو بيرجيه» في باريس وصولا الى مطار فارنبوروغ في بريطانيا حيث بقيت لبضع ساعات، ومن ثم انطلقت نحو بيروت بحسب خطة سيرها المقررة، ولكن سرعان ما بدلت وجهتها فوق اوروبا واتجهت نحو مصر ومن ثم دخلت الأجواء السعودية واتجهت نحو الرياض التي غادرتها يوم السبت الماضي خلال استقالة الحريري من رئاسة الحكومة.
وأفادت معلومات، ان الطائرة التي وصلت إلى الرياض قرابة السابعة والربع مساءً، عادت واقلعت قرابة العاشرة باتجاه بيروت، من دون ان تعرف هوية ركابها، وتردد بقوة ان الرئيس الحريري على متن الطائرة، الا ان عضو كتلة «المستقبل» النائب عقاب صقر أبلغ تلفزيون «المستقبل» «ان ما تردّد عن توجه الطائرة إلى بيروت عار عن الصحة، وأن الحريري لن يعود اليوم، وأنا مسؤول عمّا أقوله».
الراعي إلى الرياض
في هذا الإطار استمرت الاتصالات بين بكركي وعدد من الروابط والجهات الحزبية والنيابية المسيحية لحمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بطرس بشارة الراعي على تأجيل تلبية الدعوة لزيارة المملكة العربية المقدرة الاثنين.
وهذا الموضوع بحثته الرابطة المارونية برئاسة رئيسها انطوان قليموس من دون التوصّل إلى نتيجة تقنع البطريرك بوجهة التأجيل التي يطالب بها نواب في تكتل الإصلاح والتغيير.
وترددت معلومات ان هذا الموضوع سيكون خلال الاجتماع في بعبدا اليوم بين الرئيس عون وسيد بكركي.
محلياً، دعا الدكتور جعجع الرئيس الحريري إلى العودة، وتنظيم مقاومة سلمية، تنتهي الوضع القائم، وعمل حزب الله على تغيير ساسته، والانسحاب من أزمات المنطقة، والتدخل في دولها في سوريا الى لبنان.
لكن رئيس اللقاء الديمقراطي، النائب وليد جنبلاط غرد مساء أمس عبر «تويتر» قائلاً: «من أجل التاريخ، وكي لا ندخل ففي لمجهول، أفضل تسوية لاستقرار لبن ان هي حكومة الوحدة الوطنية الحالية، ولن أزيد».
تداعيات أوروبية وعربية
في هذا الوقت، بقيت تداعيات استقالة الرئيس الحريري، تأخذ صدارة الاهتمامات الدولية والأوروبية والعربية، ففي حين أعلن أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أجرى أمس اتصالاً هاتفياً بالرئيس الحريري، بعد ان كان زار المملكة العربية السعودية قبل يومي والتقى الملك سلمان بن عبد العزيز، أعلنت الجامعة العربية في القاهرة (ربيع شاهين) عن اتصالات قالت ان الأمين العام للجامعة أحمد أبوا لغيط أجراها على مدار اليومين الماضيين بكافة أطراف الأزمة اللبنانية للاستماع منهم مباشرة إلى رؤيتهم للوضع والتداعيات المحتملة لاستقالة الرئيس الحريري، اتصالات جاءت في إطار متابعته للوضع السياسي في لبنان.
وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام الوزير المفوض محمود عفيفي ان اتصالات أبوالغيط شملت الرئيس عون وبري بالإضافة إلى الرئيس الحريري.
وأوضح المتحدث الرسمي أن الأمين العام أكد خلال اتصالاته على أمله في عبور لبنان لهذه الأزمة من دون أن يتأثر السلم الأهلي أو الاستقرار فيه، مشدداً على أهمية أن يبقى لبنان بتركيبته الخاصة - بعيداً عن محاولات أية أطراف استقطابه أو فرض الهيمنة أو السيطرة عليه.
وأعرب المتحدث الرسمي عن رفض الجامعة واستنكارها في هذا السياق لأية محاولات لزرع الاضطرابات وإشاعة التوتر والفتنة في لبنان، مشدداً كافة الأطراف اللبنانية إعلاء مصلحة الوطن فوق أية اعتبارات أخرى.
وأصدر سفراء الاتحاد الأوروبي في لبنان بياناً أكدوا فيه «دعمهم القوي لوحدة لبنان واستقراره وسيادته وأمنه وشعبه» بعد استقالة الرئيس الحريري، داعين «جميع الأطراف إلى متابعة الحوار البنّاء والاعتماد على العمل المنجز خلال الأشهر الأحد عشر الماضية بهدف تقوية مؤسسات لبنان والإعداد للانتخابات النيابية في مطلع 2018 وفقاً لأحكام الدستور، ومجددين «التزامهم المستمر بالوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته في إطار الشراكة القوية لضمان استقراره وتعافيه الاقتصادي المستمرين».