يتخذ الوضع اللبناني من باب استقالة الرئيس سعد الحريري، ابعاداً إقليمية ودولية، مع تصاعد التوتر والتهديدات المتبادلة بين المملكة العربية السعودية وطهران، مع إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان ان تزويد إيران «للميليشيات» الحوثية بالصواريخ هو عدوان عسكري مباشر من قبل النظام الإيراني، وقد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة.
وفي إطار التداول والتشاور حول تطورات الموقف استقبل ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد الرئيس الحريري، الذي وصل إلى أبو ظبي آتياً من الرياض والتي عاد إليها بعد الزيارة.
ونقلت وكالة انباء الإمارات ان الشيخ محمّد أكّد للحريري «وقوف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب لبنان بشأن التحديات والتدخلات الإقليمية التي تواجه وتعيق طريق البناء والتنمية فيه وتهدّد سلامة وأمن شعبه الشقيق» (في إشارة إلى ايران).
وذكر حساب الشيخ محمّد على «تويتر» ان المسؤول الاماراتي استقبل سعد الحريري وبحث معه العلاقات الأخوية، واطلع على الأوضاع والتطورات في لبنان.
وفيما كانت كتلة «المستقبل» التي اجتمعت في بيت الوسط برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أمس، تتابع لقاءات الرئيس الحريري، وتعلن انها تنتظر عودة الرئيس الحريري، وتتمنى «خروج لبنان من الأزمة التي يمر بها في هذه المرحلة في غياب رئيس الحكومة»، علمت «اللواء» من مصادر مطلعة ان الرئيس الحريري سيعود إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث ستحضر الاستقالة ومصيرها في اللقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني حسن روحاني، وبحث معه الموقف بعد استقالة الحريري.
ونقلت قناة «الميادين» ان روحاني أبلغ عون ان «الاتحاد بين مكونات الشعب اللبناني يضمن تجاوز الفتن والمشاكل الاقليمية».
لماذا من الرياض؟
في هذه الأثناء اعتبر دبلوماسي عربي بارز أن إختيار الرياض مكاناً لإعلان استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري تمّ عن سابق تُصوّر وتصميم للتأكيد على قدرة المملكة العربية السعودية بالتأثير في الواقع السياسي اللبناني بعد أن أخلت الأطراف المؤيدة لحزب الله بأسس التسوية التي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري، وتخلت عن التزاماتها بتحييد لبنان عن الصراعات القائمة، واستمرت في محاولاتها لإلحاقه بالحلف الإيراني واستعماله كمنطلق وقاعدة لاستهداف الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها.
وقال المصدر لـ«اللــواء»: ان الإخلال بالتوازنات السياسية القائمة ومحاولة الاستقواء بسلاح الحزب لمصادرة قرارات الدولة اللبنانية كانت إحدى الأسباب التي أدت إلى استقالة الحكومة الحريرية، في حين كان بالإمكان تجنّب هذه الخطوة لو التزم رئيس الجمهورية بأسس التسوية وتصرف كرئيس فعلي للبلاد وعلى مسافة واحدة من كل الأطراف من دون الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك إلا بما يحقق مصلحة لبنان واللبنانيين.
وشدّد الدبلوماسي المذكور على ان مسألة استقالة الحكومة لا تحتمل التأويل بعد بيان الاستقالة التفصيلي الذي تلاه الرئيس الحريري، بينما يبقى تأليف حكومة جديدة مرتبطاً بمراعاة مبادئ التسوية وأسسها والحفاظ على التوازنات السياسية ووضع حدّ لكل الأعمال والممارسات التي يقوم بها الحزب ضد الدول العربية انطلاقاً من لبنان والالتزام بسياسة النأي عن النفس والحيادية في الصراعات القائمة بالمنطقة وأي محاولة لتجاوز هذه المبادئ والأسس والتوجه إلى تأليف حكومة جديدة من لون واحد تميل لصالح «حزب الله» وإيران كما حصل نهاية العام 2010، ستؤدي حتماً إلى زيادة عزلة هذه الحكومة والرئاسة معاً واتخاذ اجراءات فورية لمقاطعتها من معظم الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، سياسياً واقتصادياً وعلى كل المستويات.
مواقف دولية
دولياً، أعلنت الخارجية الأميركية ان «علاقتنا بالحكومة اللبنانية وثيقة ولن تتغير وندعم سيادة لبنان واستقراره، مشيرة إلى اننا «ندعم الحكومة اللبنانية، ونعتبر حزب الله منظمة إرهابية»، لافتة إلى انه «لم يكن لنا علم مسبق بإقدام سعد الحريري على الاستقالة».
بدورها، أعربت الخارجية الروسية عن قلقها إزاء تطورات الوضع في لبنان بعد استقالة الرئيس الحريري، داعية القوى الخارجية كافة ذات النفوذ في لبنان إلى «ضبط النفس واتخاذ مواقف بناءة».
ومن واشنطن، نبهت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني الى ان التوتر الراهن في الشرق الاوسط وخصوصا بين السعودية وايران «يمكن ان يؤدي الى تداعيات بالغة الخطورة».
وردا على سؤال عن التوتر بين السعودية وايران خلال مؤتمر صحافي، قالت موغيريني «دعوني ابث بعض الحكمة الاوروبية في عالم يبدو انه جن تماما: الامر خطير».
واضافت «يجب اعادة الهدوء، ان مستوى المواجهة في المنطقة قد يترك تداعيات بالغة الخطورة، ليس فقط على المنطقة بل خارجها ايضا»، ولكن من دون ان تحمل جهة محددة المسؤولية. وتوقفت ايضا عند الوضع في لبنان الذي قدم رئيس وزرائه سعد الحريري استقالته السبت من الرياض موجها اتهامات الى حزب الله وحليفته ايران، مؤكدة ايضا انه مصدر «قلق».
مشاورات بعبدا
وعلى صعيد المعالجات، وفي تقدير مصادر رئاسية وسياسية ودستورية أيضاً، ان عودة الرئيس الحريري إلى لبنان باتت مفتاح حل الأزمة التي نشأت عن إعلان استقالته من الرياض، وكذلك معالجة تداعياتها، سواء على صعيد تصريف الأعمال، أو تأليف حكومة جديدة، على الرغم من ان كثيراً من الأمور ما يزال يلفها الغموض، خصوصاً وأن الاستقالة أعلنت من الخارج في سابقة لم يلحظها الدستور من قبل والذي لم يلحظ أيضاً وقتاً محدداً لصدور بيان قبول الاستقالة أو رفضها من قبل رئيس الجمهورية، الذي ما زال على موقفه في ما يتعلق بالتريث في قبول الاستقالة، وعدم الذهاب إلى أي خطوة قبل ان يلتقي الرئيس الحريري شخصياً ويستمع إلى ما لديه في هذا الخصوص.
وبحسب ما أكدت مصادر بعبدا، فإن تصريف الأعمال يحتاج إلى وجود رئيس الحكومة في لبنان وتحديداً في السراي الحكومي، كما ان أي توضيح يتم من التواصل بينه وبين الرئيس الحريري كفيل في رسم المشهد اللاحق.
وقالت المصادر نفسها ان الرئيس ميشال عون يحترم كرامة وموقع رئاسة الحكومة، ويتمسك بالدستور وبفلسفة الدستور ومقتضيات الميثاق الوطني، وهذا سبب إضافي للتريث.
ولفتت إلى ان كل أسباب هذا الفهم لاستقالة الرئيس الحريري شرحها الرئيس عون للقادة السياسيين ورؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء الحكومة السابقين ورؤساء الكتل النيابية الذين فتح لهم أبواب بعبدا، للتشاور معهم في ما يمكن عمله إزاء ملابسات هذه الاستقالة، مؤكدة ان «لا شيء في الدستور ينص على ان الاستقالة يجب ان تقدّم بشكل خطي أو مباشر، فمجرد إعلانها من رئيس الحكومة يعني انها تمت وهي قائمة، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس عون يُصرّ على التريث وتحضير الأرضية للمرحلة المقبلة».
ولاحظت المصادر شبه إجماع توفّر حيال تأييد الخطوة الرئاسية، غير ان هناك من السياسيين من فضل عدم التأخير في بدء الموضوع، ومنهم من عرض لرأيه السياسي وقدم اقتراحات مكتوبة من الرئيس ميشال سليمان، ومنهم من أشار حقيقة إلى موضوع «حزب الله» وعلاقته بالأزمة.
اما الرئيس عون، فظل، بحسب مصادر بعبدا، يستمع إلى ضيوفه السياسيين، إذ بالنسبة إليه تبقى عودة الحريري مهمة لإزالة الالتباس والاطلاع على الظروف التي أملت عليه قرار يُتخذه للمرة الأولى خارج لبنان، وفي خطوة بعيدة عن الأعراف والتقاليد، كما لكل ما اشيع عن إقامة جبرية وغير ذلك.
ولفت الانتباه، على هامش مشاورات عون والتي يفترض ان تستكمل اليوم أيضاً لتشمل احزاباً وروابط وسفراء غداً الخميس، ان الأبواب الإعلامية فتحت أيضاً للرؤساء السابقين للجمهورية والحكومة، ومن ثم اغلقت امام رؤساء الأحزاب والكتل، بعدما لاحظ المعنيون ان بعض المواقف خرجت عن الغاية المنشودة، وطاولت مسألة تأليف الحكومة الجديدة، حيث اقترح الرئيس سليمان حكومة حيادية أو تكنوقراط رفضها فريق الثامن من آذار، كما طاولت مسألة التسوية السياسية التي أنتجت العهد الحالي، حيث رأى الرئيس أمين الجميل انها سقطت «لان كل تسوية لها أجل»، في حين لفت الرئيس نجيب ميقاتي إلى ان تريث عون في اجراء الاستشارات النيابية الملزمة من باب الحكمة، وشدّد الرئيس فؤاد السنيورة على «ضرورة تصويب البوصلة وإعادة الاعتبار على الصعيد الداخلي عبر احترام اتفاق الطائف والدستور واستعادة الدولة القوية المسؤولة عن كامل اراضيها».
اما النائب وليد جنبلاط الذي كلف ابنه تيمور الحلول مكانه بداعي المرض، فقد أعلن عبر موقعه على «تويتر» انه يؤيد كل التأييد مواقف الرئيسين عون وبري في ان الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار».
وفي السياق، أفاد المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية ان الرئيس عون تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال انه عرض معه الأوضاع العامة والتطورات الراهنة، كما تمّ التداول في عدد من مواضيع الساعة، من دون الإشارة إلى استقالة الحريري.
وذكر مساعد مدير مكتب الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، حميد أبو طالبي، في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي على «تويتر» ان روحاني قال لعون «إن الوحدة والانسجام والتماسك بين القوميات والطوائف واتباع الأديان والمذاهب اللبنانية تضمن اجتياز الفتن الخارجية والمشاكل الاقليمية».
دار الفتوى
ولليوم الثالث على التوالي، ظلت دار الفتوى ملتقى القيادات السياسية والروحية والحزبية للتشاور مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في تداعيات عاصفة الاستقالة.
ولوحظ ان معظم القيادات التي تشاور معها الرئيس عون أمس، حضرت للقاء المفتي دريان، بما يُؤكّد ان المواقف الصادرة عن بعبدا ودار الفتوى كانت متناسقة على حدّ تعبير مصادر رئاسة الجمهورية، في حين اعرب المفتي امام زواره عن تقديره لمواقف الرئيسين عون ونبيه برّي بالتريث والتروي في معالجة الأزمة، آملاً من جميع القوى السياسية ان تتحلى بالمزيد من الصبر والحكمة لحل هذه القضية الوطنية.
وكان اللافت من زوّار دار الفتوى أمس إلى جانب الرئيس الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والسفير الفرنسي برونو فوشيه وفد يمثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ووفد اتحاد العائلات البيروتية والنائب قاسم هاشم، وفد «التيار الوطني الحر» الذي ترأسه رئيس التيار الوزير جبران باسيل، الذي أكد «اننا جميعنا خاسرون وبتفاهمنا نخرج من الأزمة».
تجدر الإشارة إلى ان باسيل التقى مساء أمس الأول الأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله، حيث «تم التداول ليشكل مفصل بكل المجريات السياسية الراهنة محلياً واقليمياً ودولياً، بحسب ما أفادت محطة «المنار» الناطقة بلسان الحزب.
وكان وفد من «حزب الله» ضم مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا والنائب نوار الساحلي، زار أمس وزير العدل سليم جريصاتي الذي أكد ان «الوفد سأل من النواحي الدستورية للاستقالة وما يُمكن ان ينجم عنها، والاجتماعات المتاحة لمعالجة آثار الاستقالة من الخارج.
وإذ أعلن جريصاتي اننا اتفقنا على مقاربة الرئيس عون وبري للموضوع، أوضح ان الوفد كان مستفسرا أكثر من مبادراً لأي شيء آخر.
وفي عين التينة بقيت خطوط الرئيس نبيه برّي مفتوحة في أكثر من اتجاه مواكبة لتطورات استقالة الرئيس الحريري، وهو التقى في هذا السياق النائب وائل أبوفاعور موفداً من النائب وليد جنبلاط. ونقلت عنه أوساطه أنه يؤيد خطوات رئيس الجمهورية لاحتواء الأزمة، مشيراً إلى أنه ينتظر عودة الرئيس الحريري لمعرفة ملابسات استقالته