المشاورات جارية على قدمٍ وساق لانتشال لبنان من عنقِ زجاجة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، مع إعطاء فسحة زمنية لعلّها تشهد تطوّراً ما يقود الرئيس المستقيل للعودة إلى بيروت، ليُبنى على استقالته مقتضاها إمّا بقبولها وإمّا بعدمِه. والبارز في هذا السياق، أمس، موقف أعلنَته وزارة الخارجية الأميركية، وأكّدت فيه أنه «لم يكن لنا عِلمٌ مسبَق بإقدام الحريري على الاستقالة». وقالت: «علاقتُنا بالحكومة اللبنانية وثيقة ولن تتغيّر، وندعم سيادةَ لبنان واستقرارَه»، مشيرةً إلى «أنّنا ندعم الحكومة اللبنانية ونَعتبر «حزب الله» منظّمة إرهابية».
بَرز إلى جانب الموقف الأميركي، ما أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنّ مصر لا تفكّر في اتخاذ أيّ إجراءات ضد «حزب الله».
وخلال مقابلة مع شبكة (سي.ان.بي.سي) قال السيسي ردّاً على سؤال عمّا إذا كانت مصر ستدرس اتّخاذ إجراءات خاصة بها ضد الحزب: الموضوع لا يتعلق باتّخاذ إجراءات مِن عدمه.
مضيفاً أنّ «الاستقرار في المنطقة هشّ في ضوء ما يَحدث من اضطرابات في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال والدول الأخرى، وبالتالي نحن في حاجة إلى المزيد من الاستقرار، وليس عدم الاستقرار». وتابع قائلاً: «المنطقة لا يمكن أن تتحمّل المزيد من الاضطرابات».
تخوّف عربي
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية»: «ما حدثَ في لبنان لناحية استقالة الحريري «هو محلّ متابعة حثيثة، خصوصاً انّ الجميع يدركون حساسية الوضع اللبناني، الذي يعانيه منذ سنوات».
ونَقلت تخوّف مراجع عربية على الوضع في لبنان، وتأكيدها بأنّ هذا الوضع يضع المسؤولين اللبنانيين من دون استثناء امام مسؤولية صونِ بلدهم، وعدمِ الانزلاق الى ايّ امور او خطوات او انفعالات يمكن ان تؤثّر سلباً على لبنان، وتزيد من تفاقمِ الأزمة الحالية».
في المقابل، أكّد مرجع أمني لـ«الجمهورية» أن «لا خوف على الوضع الامني، خصوصاً وأنّ جملة تدابير اتّخذتها مختلف الاجهزة الامنية لمنعِ ايّ محاولة للعبَث به».
يأتي هذا الكلام في وقتٍ أشيعَت في بعض الاوساط مخاوف من حصول حوادث امنية، تفتعلها أجهزة معادية للبنان. ويأتي ذلك ايضاً في وقتٍ يتّضح فيه اكثر فأكثر انّ البلاد امام أزمة وطنية اكثر ممّا هي ازمة حكومية، بدليل نوعية المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والزيارات المتبادلة بين مختلف القيادات اللبنانية، وتحوُّل دار الفتوى محجّة للسياسيين، في وقتٍ غادر الحريري الرياض لبضعة ساعات الى ابو ظبي، وقابلَ وليّ العهد الشيخ محمد بن زايد، وقفلَ عائداً الى المملكة، دون ان يحوّلَ مسارَه نحو بيروت. هذا في وقتٍ أحيطَت فيه هذه الزيارة بإشاعات وتحليلات حول وضعه.
وفي وقتٍ تنقسم البلاد بين من يفضّل البدءَ باستشارات نيابية لتأليف حكومة جديدة وبين الداعي الى التريّث بانتظار وضوح الصورة، اعتبرَت مصادر سياسية انّه «اذا كانت عودة الحريري عن استقالته صعبة، ومعاودةُ مجلس الوزراء لجلساته مستحيلة، بسبب رفضِ فريق داخلي وعربي وجودَ «حزب الله» في الحكومة وتأكيده عدم جواز ان تكون منطلقاً للهجوم على السعودية، فإنّ تشكيل حكومة جديدة سيكون امراً أصعب». ولاحظت «نأيَ الادارة الاميركية بنفسها عن تطوّرات الداخل على رغم انّ البعض طلبَ منها ان تتدخّل».
إستدعاء السفراء
إلّا انّ دوائر قصر بعبدا قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ رئيس الجمهورية يفكّر باستدعاء سفراء الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وسفراء دول اوروبا والمجموعة العربية في الساعات المقبلة لوضعِهم في آخِر التطورات، وأنّه يتريّث في هذه الخطوة الى مساء اليوم بانتظار نتائج اتصالاته الخارجية لاستكشاف الخطوات المقبلة وتحرّكات الحريري تحديداً».
ومِن المقرر ان يوسّعَ عون في الساعات المقبلة إطارَ مشاوراته التي بدأها امس في مع قيادات وشخصيات رسمية وسياسية وحزبية، لتشملَ مرجعيات غير سياسية، وفي طليعتِها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لبحثِ نتائج إعلان الحريري استقالته من خارج لبنان والسبل الكفيلة للخروج من الأزمة المتأتية عنها.
وعلمت «الجمهورية» انّ عون طمأنَ في لقاءاته الى انّ الوضع الأمني ممسوك وكذلك الوضع النقدي والإقتصادي، وأنّ البلاد تجاوزت تردّدات الاستقالة وما كان يمكن ان ينجمَ عنها لولا الإجماع الوطني الذي عبّر عنه القادة السياسيون من مختلف الأطراف، وإسراع المراجع المصرفية والنقدية والمالية الى التأكيد على قدرة لبنان على استيعاب ايّ فوضى مالية والتي استبِقت بتدابير ناجحة، كما بالنسبة الى جهوزية القوى العسكرية والأمنية. لكنّ عون حذّر بشدّة «من مخاطر الشائعات التي تساهم فيها مجموعات غوغائية احياناً، وأخرى تقصد جرَّ البلادِ الى فتنة داخلية، وأكّد ضرورةَ عدم الأخذ بها».
ونَقل زوّار قصر بعبدا أنّ عون «قدّم عرضاً مفصّلاً لتطورات ما قبل الاستقالة وأثنائها وبعدها وفق ما لديه من معطيات، وتحدّثَ عن الظروف الملتبسة للاستقالة وأكّد انّه يتريّث في اتخاذ ايّ موقف منها قبل ان يتسنّى له لقاء الحريري، آملاً ان يكون في بيروت في وقتٍ قريب».
وبحسبِ هؤلاء الزوّار فإنّ عون وصَف الاستقالة «بأنّها غريبة في الشكل والتوقيت والمضمون ومخالِفة لكلّ التقاليد والأعراف التي عرفها لبنان منذ الاستقلال الى اليوم، هذا عدا عن ظروفها التي لا يمكن توضيحها او الوقوف على الحقائق المحيطة بها قبل لقاء الحريري لتقرير ما يمكن القيام به في اقربِ فرصة ممكنة».
بعد ذلك طلب عون ممّن التقاهم إبداءَ رأيهم في هذه المعطيات ورؤيتهم لسبلِ مواجهتها بما يضمن الاستقرارَ في البلاد وطمأنة اللبنانيين الى انّنا جميعاً واعونَ لِما نشهده من استحقاقات كبرى تعني كلّ اللبنانيين قياساً على حجم الظروف التي تحيط بلبنان، والإصرار على تجنيبه تردّدات المخاطر مع الحفاظ على نسيجه وأمنه.
الغالبية تؤيّد التريّث
وقالت دوائر القصر الجمهوري لـ«الجمهورية»: «إنّ غالبية من التقاهم عون أيّدوا التريّث بانتظار توضيح كلّ ما أحاط بالاستقالة، والوقوف على ما جرى مع الحريري والظروف التي دفعته الى هذه الخطوة، حمايةً للوحدة الوطنية وضماناً لمصالح اللبنانيين، فما يحصل لا يَستهدف طائفة أو مجموعة بقدر ما يستهدف لبنان بكامله».
برّي
بالتوازي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره إنّ اللقاء بينه وبين عون مساء الاثنين «كان ممتازاً جداً وإنّ الرئيس وضَعه في صورة مشاوراته». وأكّد بري «أنّ الاولوية التي تعلو كلّ الاولويات حالياً هي صون الاستقرار الداخلي، وهو ما تَهدف اليه المشاورات التي يجريها الرئيس عون».
وحول التريّث الرئاسي في قبول أو عدمِ قبول استقالة الحريري قال: «هذا هو التصرّف السليم».
وإذا ما طالَ هذا التريّث أجاب: «هذا الموضوع عند رئيس الجمهورية الذي ما زال ينتظر عودةَ رئيس الحكومة واللقاءَ به، وأنا معه في ذلك».
وخالفَ بري القائلين بأنّ الاستقالة اصبَحت نافذةً، وقال: «الاستقالة لم تقدَّم وفق الاصول، وبالتالي الحكومة ما زالت قائمة والوزراء ما زالوا «كاملي الأوصاف» ويمارسون مهامّهم بالكامل». واستدرك: «نحن امام سابقةٍ لم يشهدها لبنان من قبل لجهة الطريقة التي قدِّمت بها الاستقالة من خارج الحدود».
وحول ما يحصل في السعودية وعلاقة الحريري به قال: «ما يحصل في السعودية يعني السعودية ولا نتدخّل في شؤونها الداخلية، نحن ما يَعنينا هو رئيس حكومتنا».
وأكّد انّ الانتخابات النيابية «حاصلة في موعدها حتى إنّها لا تحتاج الى اجتماع حكومة، علماً انّ الجوّ اكثر من ملائم لإجراء الانتخابات لأنّها تنتج صورةً سياسية جديدة». وكان بري قد التقى امس السفيرَ الروسي الكسندر زاسبكين والنائبَين وائل ابو فاعور وغازي العريضي.
«التيار»
بدوره تحرّك رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على خط الضاحية ـ عائشة بكار فعَقد مساء الاثنين اجتماعاً مطوّلاً مع الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، وزار أمس على رأس وفد من «التيار» مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الإفتاء. وقال: «نحن أمام لحظة وطنية كبيرة ويمكن تحويل الأزمة إلى فرصة للتعاون».
وأدرَجت مصادر «التيار» هذه اللقاءات في إطار التأكيد على الحفاظ على الاستقرار والتشديد على الحفاظ على الوحدة الوطنية، وقالت لـ«الجمهورية»: «إنّ الأزمة الوطنية التي تشهدها البلاد تتطلّب تضافرَ الجهود للخروج بموقف موحّد، مشيرةً الى انّه ستكون لـ«التيار» مروحة واسعة من اللقاءات والاتصالات لهذه الغاية»، ونفَت كلّ ما أشيعَ عن انّ باسيل الذي زار «بيت الوسط» الأحد الماضي قد عرض على مدير مكتب الحريري نادر الحريري ان يكون هو أو والدته النائب بهية الحريري، مَن يشكّل الحكومة، واصفةً هذه الأخبار بأنّها لا تخدم الوحدةَ الوطنية التي يسعى إليها «التيار»، وبأنّها لصَبِّ الزيت على النار»، مشدّدةً على انّ تحرُّك «التيار» ينطلق من موقف رئيس الجمهورية الواضح والثابت والحكيم والرافض للاستقالة قبل عودة الحريري والاطّلاع منه على حيثيات استقالته». وأكّدت» انّ المرحلة تستدعي الهدوء والوعي والحكمة و تثبيتَ الاستقرار».
دار الفتوى
وكانت دار الفتوى، قد غصّت لليوم الثالث بالزوّار، أبرزُهم الرئيس أمين الجميّل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والسفير الفرنسي برونو فوشيه. وقد أجمعَ زوّار الدار على أهمّية التريث وعدمِ اتّخاذ أيّ خطوة رسمية إلى حين عودة الحريري، وأكّد هؤلاء لـ«الجمهورية»: «أنّ اللغة واحدة؛ التهدئة والتحلّي بالحكمة».
وقال الزوّار: «فهِمنا من المفتي دريان أنّ الاتصالات قائمة بين الدار ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، والثلاثة في الموجة نفسِها، إجماع على تعزيز روحية التريّث والهدوء، نظراً إلى انّ كلّ طرف يدرك خطورةَ الوضع الذي يمرّ به لبنان ودقّته».
وأشار هؤلاء الى انّ معظم من أمّوا دارَ الفتوى أصرّوا على الاطمئنان عن الرئيس الحريري والصدمة تغمرهم... إلّا أنّ المفتي لم يُشِر الى ايّ اتّصال مباشر أجراه مع الحريري، علماً انّ المفتي يُراهن على أنّ السعودية لطالما أحبّت لبنان. مِن دون أن يُنكر وجود حلقةٍ مفقودة يَجهلها الجميع وأنه لا يمكن أن تتوضّح إلّا شخصياً من الحريري بعد عودته».
زيارة الراعي
في هذا الوقت، يستعدّ الراعي لزيارة السعودية الاسبوع المقبل. وفيما تردَّد عن محاولات لثنيِه عن هذه الزيارة، عكسَ زوّاره إصرارَه على إتمامها، على اعتبار انّ الوقت الراهن هو اكثرُ مِن مناسب لذلك لإجراء اتصالات من اجلِ لبنان وتعزيز العلاقات الثنائية.
وأكّدت مصادر كنَسيّة لـ«الجمهورية» أنّ «بكركي تدرس كلّ الظروف المحيطة بزيارة البطريرك الراعي الى السعودية، وذلك في ضوء الأوضاع التي يمرّ بها لبنان في هذه المرحلة، وعليه ستبني على الشيء مقتضاه، ويتمّ تقرير استمرار الزيارة من عدمِها».
وخلال مقابلة مع شبكة (سي.ان.بي.سي) قال السيسي ردّاً على سؤال عمّا إذا كانت مصر ستدرس اتّخاذ إجراءات خاصة بها ضد الحزب: الموضوع لا يتعلق باتّخاذ إجراءات مِن عدمه.
مضيفاً أنّ «الاستقرار في المنطقة هشّ في ضوء ما يَحدث من اضطرابات في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال والدول الأخرى، وبالتالي نحن في حاجة إلى المزيد من الاستقرار، وليس عدم الاستقرار». وتابع قائلاً: «المنطقة لا يمكن أن تتحمّل المزيد من الاضطرابات».
تخوّف عربي
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية»: «ما حدثَ في لبنان لناحية استقالة الحريري «هو محلّ متابعة حثيثة، خصوصاً انّ الجميع يدركون حساسية الوضع اللبناني، الذي يعانيه منذ سنوات».
ونَقلت تخوّف مراجع عربية على الوضع في لبنان، وتأكيدها بأنّ هذا الوضع يضع المسؤولين اللبنانيين من دون استثناء امام مسؤولية صونِ بلدهم، وعدمِ الانزلاق الى ايّ امور او خطوات او انفعالات يمكن ان تؤثّر سلباً على لبنان، وتزيد من تفاقمِ الأزمة الحالية».
في المقابل، أكّد مرجع أمني لـ«الجمهورية» أن «لا خوف على الوضع الامني، خصوصاً وأنّ جملة تدابير اتّخذتها مختلف الاجهزة الامنية لمنعِ ايّ محاولة للعبَث به».
يأتي هذا الكلام في وقتٍ أشيعَت في بعض الاوساط مخاوف من حصول حوادث امنية، تفتعلها أجهزة معادية للبنان. ويأتي ذلك ايضاً في وقتٍ يتّضح فيه اكثر فأكثر انّ البلاد امام أزمة وطنية اكثر ممّا هي ازمة حكومية، بدليل نوعية المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والزيارات المتبادلة بين مختلف القيادات اللبنانية، وتحوُّل دار الفتوى محجّة للسياسيين، في وقتٍ غادر الحريري الرياض لبضعة ساعات الى ابو ظبي، وقابلَ وليّ العهد الشيخ محمد بن زايد، وقفلَ عائداً الى المملكة، دون ان يحوّلَ مسارَه نحو بيروت. هذا في وقتٍ أحيطَت فيه هذه الزيارة بإشاعات وتحليلات حول وضعه.
وفي وقتٍ تنقسم البلاد بين من يفضّل البدءَ باستشارات نيابية لتأليف حكومة جديدة وبين الداعي الى التريّث بانتظار وضوح الصورة، اعتبرَت مصادر سياسية انّه «اذا كانت عودة الحريري عن استقالته صعبة، ومعاودةُ مجلس الوزراء لجلساته مستحيلة، بسبب رفضِ فريق داخلي وعربي وجودَ «حزب الله» في الحكومة وتأكيده عدم جواز ان تكون منطلقاً للهجوم على السعودية، فإنّ تشكيل حكومة جديدة سيكون امراً أصعب». ولاحظت «نأيَ الادارة الاميركية بنفسها عن تطوّرات الداخل على رغم انّ البعض طلبَ منها ان تتدخّل».
إستدعاء السفراء
إلّا انّ دوائر قصر بعبدا قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ رئيس الجمهورية يفكّر باستدعاء سفراء الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وسفراء دول اوروبا والمجموعة العربية في الساعات المقبلة لوضعِهم في آخِر التطورات، وأنّه يتريّث في هذه الخطوة الى مساء اليوم بانتظار نتائج اتصالاته الخارجية لاستكشاف الخطوات المقبلة وتحرّكات الحريري تحديداً».
ومِن المقرر ان يوسّعَ عون في الساعات المقبلة إطارَ مشاوراته التي بدأها امس في مع قيادات وشخصيات رسمية وسياسية وحزبية، لتشملَ مرجعيات غير سياسية، وفي طليعتِها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لبحثِ نتائج إعلان الحريري استقالته من خارج لبنان والسبل الكفيلة للخروج من الأزمة المتأتية عنها.
وعلمت «الجمهورية» انّ عون طمأنَ في لقاءاته الى انّ الوضع الأمني ممسوك وكذلك الوضع النقدي والإقتصادي، وأنّ البلاد تجاوزت تردّدات الاستقالة وما كان يمكن ان ينجمَ عنها لولا الإجماع الوطني الذي عبّر عنه القادة السياسيون من مختلف الأطراف، وإسراع المراجع المصرفية والنقدية والمالية الى التأكيد على قدرة لبنان على استيعاب ايّ فوضى مالية والتي استبِقت بتدابير ناجحة، كما بالنسبة الى جهوزية القوى العسكرية والأمنية. لكنّ عون حذّر بشدّة «من مخاطر الشائعات التي تساهم فيها مجموعات غوغائية احياناً، وأخرى تقصد جرَّ البلادِ الى فتنة داخلية، وأكّد ضرورةَ عدم الأخذ بها».
ونَقل زوّار قصر بعبدا أنّ عون «قدّم عرضاً مفصّلاً لتطورات ما قبل الاستقالة وأثنائها وبعدها وفق ما لديه من معطيات، وتحدّثَ عن الظروف الملتبسة للاستقالة وأكّد انّه يتريّث في اتخاذ ايّ موقف منها قبل ان يتسنّى له لقاء الحريري، آملاً ان يكون في بيروت في وقتٍ قريب».
وبحسبِ هؤلاء الزوّار فإنّ عون وصَف الاستقالة «بأنّها غريبة في الشكل والتوقيت والمضمون ومخالِفة لكلّ التقاليد والأعراف التي عرفها لبنان منذ الاستقلال الى اليوم، هذا عدا عن ظروفها التي لا يمكن توضيحها او الوقوف على الحقائق المحيطة بها قبل لقاء الحريري لتقرير ما يمكن القيام به في اقربِ فرصة ممكنة».
بعد ذلك طلب عون ممّن التقاهم إبداءَ رأيهم في هذه المعطيات ورؤيتهم لسبلِ مواجهتها بما يضمن الاستقرارَ في البلاد وطمأنة اللبنانيين الى انّنا جميعاً واعونَ لِما نشهده من استحقاقات كبرى تعني كلّ اللبنانيين قياساً على حجم الظروف التي تحيط بلبنان، والإصرار على تجنيبه تردّدات المخاطر مع الحفاظ على نسيجه وأمنه.
الغالبية تؤيّد التريّث
وقالت دوائر القصر الجمهوري لـ«الجمهورية»: «إنّ غالبية من التقاهم عون أيّدوا التريّث بانتظار توضيح كلّ ما أحاط بالاستقالة، والوقوف على ما جرى مع الحريري والظروف التي دفعته الى هذه الخطوة، حمايةً للوحدة الوطنية وضماناً لمصالح اللبنانيين، فما يحصل لا يَستهدف طائفة أو مجموعة بقدر ما يستهدف لبنان بكامله».
برّي
بالتوازي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره إنّ اللقاء بينه وبين عون مساء الاثنين «كان ممتازاً جداً وإنّ الرئيس وضَعه في صورة مشاوراته». وأكّد بري «أنّ الاولوية التي تعلو كلّ الاولويات حالياً هي صون الاستقرار الداخلي، وهو ما تَهدف اليه المشاورات التي يجريها الرئيس عون».
وحول التريّث الرئاسي في قبول أو عدمِ قبول استقالة الحريري قال: «هذا هو التصرّف السليم».
وإذا ما طالَ هذا التريّث أجاب: «هذا الموضوع عند رئيس الجمهورية الذي ما زال ينتظر عودةَ رئيس الحكومة واللقاءَ به، وأنا معه في ذلك».
وخالفَ بري القائلين بأنّ الاستقالة اصبَحت نافذةً، وقال: «الاستقالة لم تقدَّم وفق الاصول، وبالتالي الحكومة ما زالت قائمة والوزراء ما زالوا «كاملي الأوصاف» ويمارسون مهامّهم بالكامل». واستدرك: «نحن امام سابقةٍ لم يشهدها لبنان من قبل لجهة الطريقة التي قدِّمت بها الاستقالة من خارج الحدود».
وحول ما يحصل في السعودية وعلاقة الحريري به قال: «ما يحصل في السعودية يعني السعودية ولا نتدخّل في شؤونها الداخلية، نحن ما يَعنينا هو رئيس حكومتنا».
وأكّد انّ الانتخابات النيابية «حاصلة في موعدها حتى إنّها لا تحتاج الى اجتماع حكومة، علماً انّ الجوّ اكثر من ملائم لإجراء الانتخابات لأنّها تنتج صورةً سياسية جديدة». وكان بري قد التقى امس السفيرَ الروسي الكسندر زاسبكين والنائبَين وائل ابو فاعور وغازي العريضي.
«التيار»
بدوره تحرّك رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على خط الضاحية ـ عائشة بكار فعَقد مساء الاثنين اجتماعاً مطوّلاً مع الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، وزار أمس على رأس وفد من «التيار» مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الإفتاء. وقال: «نحن أمام لحظة وطنية كبيرة ويمكن تحويل الأزمة إلى فرصة للتعاون».
وأدرَجت مصادر «التيار» هذه اللقاءات في إطار التأكيد على الحفاظ على الاستقرار والتشديد على الحفاظ على الوحدة الوطنية، وقالت لـ«الجمهورية»: «إنّ الأزمة الوطنية التي تشهدها البلاد تتطلّب تضافرَ الجهود للخروج بموقف موحّد، مشيرةً الى انّه ستكون لـ«التيار» مروحة واسعة من اللقاءات والاتصالات لهذه الغاية»، ونفَت كلّ ما أشيعَ عن انّ باسيل الذي زار «بيت الوسط» الأحد الماضي قد عرض على مدير مكتب الحريري نادر الحريري ان يكون هو أو والدته النائب بهية الحريري، مَن يشكّل الحكومة، واصفةً هذه الأخبار بأنّها لا تخدم الوحدةَ الوطنية التي يسعى إليها «التيار»، وبأنّها لصَبِّ الزيت على النار»، مشدّدةً على انّ تحرُّك «التيار» ينطلق من موقف رئيس الجمهورية الواضح والثابت والحكيم والرافض للاستقالة قبل عودة الحريري والاطّلاع منه على حيثيات استقالته». وأكّدت» انّ المرحلة تستدعي الهدوء والوعي والحكمة و تثبيتَ الاستقرار».
دار الفتوى
وكانت دار الفتوى، قد غصّت لليوم الثالث بالزوّار، أبرزُهم الرئيس أمين الجميّل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والسفير الفرنسي برونو فوشيه. وقد أجمعَ زوّار الدار على أهمّية التريث وعدمِ اتّخاذ أيّ خطوة رسمية إلى حين عودة الحريري، وأكّد هؤلاء لـ«الجمهورية»: «أنّ اللغة واحدة؛ التهدئة والتحلّي بالحكمة».
وقال الزوّار: «فهِمنا من المفتي دريان أنّ الاتصالات قائمة بين الدار ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، والثلاثة في الموجة نفسِها، إجماع على تعزيز روحية التريّث والهدوء، نظراً إلى انّ كلّ طرف يدرك خطورةَ الوضع الذي يمرّ به لبنان ودقّته».
وأشار هؤلاء الى انّ معظم من أمّوا دارَ الفتوى أصرّوا على الاطمئنان عن الرئيس الحريري والصدمة تغمرهم... إلّا أنّ المفتي لم يُشِر الى ايّ اتّصال مباشر أجراه مع الحريري، علماً انّ المفتي يُراهن على أنّ السعودية لطالما أحبّت لبنان. مِن دون أن يُنكر وجود حلقةٍ مفقودة يَجهلها الجميع وأنه لا يمكن أن تتوضّح إلّا شخصياً من الحريري بعد عودته».
زيارة الراعي
في هذا الوقت، يستعدّ الراعي لزيارة السعودية الاسبوع المقبل. وفيما تردَّد عن محاولات لثنيِه عن هذه الزيارة، عكسَ زوّاره إصرارَه على إتمامها، على اعتبار انّ الوقت الراهن هو اكثرُ مِن مناسب لذلك لإجراء اتصالات من اجلِ لبنان وتعزيز العلاقات الثنائية.
وأكّدت مصادر كنَسيّة لـ«الجمهورية» أنّ «بكركي تدرس كلّ الظروف المحيطة بزيارة البطريرك الراعي الى السعودية، وذلك في ضوء الأوضاع التي يمرّ بها لبنان في هذه المرحلة، وعليه ستبني على الشيء مقتضاه، ويتمّ تقرير استمرار الزيارة من عدمِها».