تشبه اللعبة السياسية وتطوراتها، في هذه المرحلة، إلى حد بعيد، لعبة كرة الطاولة، ما إن يلقي طرف الطابة في ملعب الآخر حتّى يردها له. بدأت القضية باستقالة الرئيس سعد الحريري، ليرد عليها بأنه قيد الإقامة الجبرية، فيرد الحريري الطابة بلقائه بالملك سلمان بن عبد العزيز.
هكذا يستمر تقاذف الكرة، فيما السؤال الأساسي يتركز حول ماذا بعد الاستقالة، وما يمكن أن يحصل... ولعبة كرة الطاولة مستمرة.
في دار الفتوى حراك سنّي موسّع، لأجل إبقاء المظلة السنية فوق الحريري ومحاولة سحب أي شرعية من أي مرشح غيره لا تريده السعودية. فيما المحور الآخر، أي حزب الله والتيار الوطني الحر، لا يزال يرمي الطابة في ملعب خصومه، مبرراً الانتظار وعدم الشروع في الإجراءات الدستورية والقانونية قبل عودة الحريري والتشاور معه.
هي لعبة عض الأصابع التي كرّستها المملكة العربية السعودية، والتي تتجلى في تغريدة جديدة للوزير ثامر السبهان أكد فيها أن الوضع في لبنان بعد الاستقالة يختلف عما قبلها. عليه، فإن السؤال هو ماذا بعد الاستقالة؟
الأكيد أن السعودية لم ترد لهذه الخطوة أن تكون وحيدة، والكلام عن تشكيل حكومة خالية من حزب الله، لا يُقصد منه ما يقال بشكل مباشر، إنما الهدف السعودي في هذه المرحلة هو إظهار حجم المخاطر التي تترتب بفعل وجود الحزب متمتعاً بغطاء شرعي في الحكومة وفي مركز القرار.
في لقاءات دار الفتوى، وفق المصادر، فإن الجميع ينتظر عودة الحريري للاستفسار منه عما حصل، ولاستشراف المرحلة المقبلة. الأمر نفسه يسري على حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون. وحده الرئيس نجيب ميقاتي حاول خرق المشهد بتقديم مبادرة، لربما ترتكز على تولي شخصية وسطية رئاسة الحكومة، غيره هو، وتكون مرحلة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات النيابية. مبادرة ميقاتي تلتقي مع الكلام الذي قاله الوزير السابق أشرف ريفي الذي داعا رئيس الجمهورية إلى اجراء الاستشارات النيابية وعدم مخالفة الدستور، وتشكيل حكومة. هذا الكلام، لا يعني أن ريفي مستعجل ويطمح إلى تسميته رئيساً. والتفسيرات من هذا النوع تدلّ على تسخيف الموضوع.
الواضح أن لعبة شد الحبال مستمرة، وهي محاولة جديدة لرمي الكرة في ملعب حزب الله ورئيس الجمهورية، بعدما كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد رماها في ملعب قوى 14 آذار. والمراد من هذه الخطوة، هو استدراج الحزب إلى تشكيل حكومة، والخروج من حكومة تصريف الأعمال، وتشكيل حكومة موالية لحزب الله، كي يبدأ بعدها التصعيد السعودي في إطار الخطوة الثانية.
هنا، تكشف المصادر أن تشكيل حكومة من هذا النوع سيؤدي إلى كشف لبنان أمام المجتمع الدولي، وسيمهد إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحق البلد، وبحق الحكومة التي تغطّي حزب الله، وفرض عقوبات مالية وغير مالية على البلد. وتشير المصادر إلى أن هناك كثيراً من الأوراق التي ستُلعب في هذه الفترة، والتي لن تكون على عجلة، إنما الوقت سيكون متاحاً لاتخاذها تباعاً. والهدف منها إظهار حجم الضغوط التي سيتعرض لها لبنان بفعل وجود حزب الله ومن يواليه في السلطة. وذلك بهدف إظهار نقمة في الشارع اللبناني وفي المؤسسات بفعل المخاطر الإقتصادية والمالية التي ستنجم عن هذه الإجراءات. ولدى سؤال المصادر إذا ما كان هذا التصعيد سينتهي بتصعيد عسكري، تجيب بأن لا شيء مستبعداً، لكن الأكيد أن الأمر لا يزال بعيداً، لأن الخيارات مفتوحة ومتاحة، والوقت ليس داهماً، فالأزمة بدأت الآن.
ولكن، ماذا عن حزب الله؟ من الواضح أن السياق الهادئ لتعاطي الحزب مع الأزمة، والإصرار على عودة الحريري وعلى أنه لم يكن مقتنعاً بالاستقالة، هو أن الحزب سيبقى مصراً على إظهار حرصه على الحريري والتسوية معه. ما يعني أن الحزب سيعيد الطابة إلى المحور الآخر، من خلال عدم الذهاب إلى تشكيل حكومة موالية له، وبدون مشاركة الأفرقاء الآخرين. وهو بالتالي سيبقى مفضلاً حكومة تصريف الأعمال التي سيبقى اسمها حكومة الحريري، لأن أي خيار آخر يعني أنه تلقف كرة النار. وهذا ما لا يريده. عليه، فإن الأزمة على ما يبدو ستكون طويلة ومستمرة.