هي قنبلة من العيار الثقيل إستقالة الحكومة التي فجرها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من العاصمة السعودية بوجه الجميع في الداخل اللبناني مع الخيوط المرتبطة بالخارج وهي وإن كانت مفاجأة لكافة المكونات السياسية والحزبية والشعبية اللبنانية لكنها كانت متوقعة، حتى أن بعض المراجع البارزة رأت أنها تأخرت كثيرًا وذلك بعد أن بلغ الرئيس الحريري مرحلة من اليأس لعجزه عن إيجاد مساحة مشتركة مع أخصامه السياسيين لوقوف جميع الأطراف عليها من أجل صيانة التسوية التي أنتجت إنتخابات رئاسية وحكومة وفاق وطني وقانون جديد للإنتخابات النيابية والتوصل إلى وضع موازنة عامة وبعض الإنجازات الأخرى رغم التنازلات الكبيرة التي قدمها الرئيس سعد الحريري والتي نالت من رصيده في صفوف حلفائه من قوى الرابع عشر من آذار وداخل قاعدته الشعبية وخصوصًا في الشارع السني ورغم التسهيلات التي لامست المجازفة ببعض الإعتبارات الشخصية والقناعات والمبادىء والتراجع عن الأهداف والغايات بتحييد المسائل الخلافية عن النقاش العقيم منطلقًا من الثوابت الوطنية التي تحفظ الدستور وصيغة العيش المشترك والميثاق والأمن وإستقرار العملة الوطنية والنظام النقدي.
إقرأ أيضًا: باسيل يبيع الماء في حارة السقايين
فالتسوية التي أنهت فراغًا رئاسيًا كان يمكن أن يستمر إلى اليوم وما كان بالإمكان التوصل إليها لولا التنازلات التي قدمها الرئيس الحريري وارتدت عليه بمنسوب كبير من الخسارة لدى حلفائه وفي شعبيته، ومع ذلك فإن السياسات والممارسات التي اعتمدها العهد ساهمت في إضعافه أكثر وأكثر لجهة أن الجلسات الحكومية المنتجة لبعض القرارات والإنجازات كانت تتم برئاسة الرئيس عون فيما الجلسات التي يتخلل جدول أعمالها ملفات مربكة كانت تعقد في السرايا برئاسة الحريري لدرجة بدا معه رئيس الحكومة وكأنه رئيسًا لإدارة أزمات وعاجزًا عن إيجاد حلول لها كأزمة النفط والكهرباء والنازحين السوريين ومشاكل الزراعة والصناعة وأمور أخرى لا يمكن إحصاءها وحصرها.
أما في السياسة الخارجية فإن حكومة الحريري كانت مغيبة عن الكثير من الملفات المتعلقة بعلاقة لبنان مع التطورات الإقليمية والدولية بعد انتقالها إلى جعبة الوزير جبران باسيل ومن وراءه الرئيس عون بقوة الأمر الواقع الذي فرضه حزب الله على البلد.
إذ أن الزيارات إلى سوريا كانت تتم خارج التوافق الحكومي ومن دون إذن رئيس الوزراء إضافة إلى الملف الشائك المرتبط بإنخراط حزب الله في الحروب السورية وفي العراق واليمن وكذلك تحويل لبنان إلى منبر لتوجيه الشتائم والإهانات والإتهامات إلى الدول الخليجية وخصوصًا المملكة العربية السعودية دون الأخذ بعين الإعتبار العلاقة الشخصية التي تربط الحريري بالمملكة وذلك في محاولات متكررة لإحراجه وحشره، وبالتالي علاقة لبنان بالدول العربية الشقيقة والتي كان يتم زعزعتها بطريقة ممنهجة لمصلحة العلاقة مع النظام الإيراني دون أن يحرك راعي البلاد ساكن للجم هذه الإنتهاكات.
إقرأ أيضًا: هل يبقى لبنان خارج دائرة تأثير العقوبات الأميركية؟
إلا أن الضربة القاضية للإئتلاف الحكومي والتسوية اللبنانية جاءت من طهران خلال اللقاء الذي تم يوم الجمعة الماضي في السرايا بين مستشار المرشد السيد علي الخامنئي الدكتور علي أكبر ولايتي خلال زيارته إلى لبنان مع الرئيس سعد الحريري قبيل توجه الأخير إلى السعودية إذ أن أجواء اللقاء أوحت بأنه ليس أمام لبنان سوى خيار واحد وهو الإنضمام إلى محور طهران في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة وفي صراعها مع الولايات المتحدة الأميركية والدول العربية وخصوصًا السعودية وحتى مع المجتمع الدولي لأن ما تطلبه إيران من الرئيس سعد الحريري هو لعب دور الغطاء للسياسات الإيرانية مقابل البقاء في موقع رئاسة الحكومة اللبنانية، الأمر الذي لا يمكن أن يقبله ففضل الإستقالة واضعًا جميع الأطراف في الداخل اللبناني أمام مسؤولياتهم وخصوصًا حزب الله الذي عليه أن يختار إما التخفيف من نبرته العالية والعودة إلى العقل والمنطق في المشاركة في الحكم وتسهيل عودة الرئيس سعد الحريري عن إستقالته والقبول بشروطه وإما ترك البلد ريشة في مهب العواصف الإقليمية تلسعه نيران الحروب المشتعلة في المنطقة ويكون حزب الله الخاسر الأكبر بنتائجها.