ما من دولة تدخلت في سوريا، إلاّ وكان سلوكها غريباً. إنما لماذا نبدأ بالدول الأجنبية، وليس بالنظام السوري؟ فمنذ اليوم الأول للمعارضة وخروجها إلى الشارع، واجهها بالعنف والقتل والسجن. ثم استدعى الميليشيات لمساعدته على شعبه. وقد قال قبل أشهر لمحطة «روسيا اليوم»: إنّ النسيج الاجتماعي السوري، وبعد خمس سنواتٍ من الحرب، صار أكثر انسجاماً! وهو يعني بذلك أنه هجَّر عدة ملايين يعتبرهم من معارضيه، فزادت نسبةُ مؤيديه بين الباقين في أرضهم، وتفضل هو عليهم بعدم تهجيرهم!
كانت الولايات المتحدة في طليعة المتدخلين في سوريا. إنما الطريف أنها اعتمدت على الأكراد ليس في تحرير أرضهم من «داعش» وحسب، بل وفي تحرير الحسكة والرقة، ومعظم سكانهما عرب. وقد كان بوسعها تجنيد عرب من العشائر الموجودة بالمنطقة، لكنها اكتفت بتجنيد عدد قليل ألحقتهم بقوات «سوريا الديمقراطية» الكردية. وظلّت تُنكر أنّ هناك أتباعاً لأوجلان بين مقاتلي «سوريا الديمقراطية»، حتى ظهرت صورة ضخمة لأوجلان في احتفالهم بتحرير الرقة! المهم أنه الآن، ووسط الخلاف مع روسيا، واعتبار الأسد منتهياً، لا ندري كيف ستتعامل أميركا مع هذه المساحات الشاسعة التي بها قرابة الخمسة ملايين نسمة! والأكراد يقولون إنهم يريدون فيدرالية، لكن ما حدودها؟ وكيف تكون عاصمتها الرقة أو الحسكة وسكانهما ليسوا كرداً؟! ثم ها هي الولايات المتحدة قد تخلت عن أكراد العراق، فلصالح مَنْ ستتخلى عن أكراد سوريا؟
وتدخلت روسيا بعنف بعد الولايات المتحدة عام 2015. وقالت إنها مثل الولايات المتحدة ستكافح الإرهاب، لكنها لم تفعل ذلك، وقاتلت من الجو كل معارضي الأسد غير الداعشيين، وارتكبت فظائع هائلةً في كل مكان، وبالذات في حلب. وعندما كان العرب والدوليون يتحدثون إلى الروس، كانوا يقولون: بعد القضاء على الإرهاب، وإحلال وقف إطلاق النار عبر مناطق خفض التوتر، سنمضي باتجاه الحلّ السياسي من خلال جنيف والقرار 2254. إن الذي حصل الآن أنّ روسيا قررت بعد أستانا عقد «مؤتمر الشعوب السورية»(!). كأن في سوريا عشرين شعباً! وباستثناء الأكراد، فإنّ الإثنيات الأُخرى لا يبلغ عددها المليون من الـ 25 مليون سوري. لذا فالمقصور من المؤتمر العجيب هذا، وكأننا في الاتحاد السوفييتي عام 1922، وهو تجنب جنيف والانتقال السياسي.
ولنصل إلى إيران التي بدأت ميليشياتها وفي طليعتها «حزب الله» تأتي إلى سوريا في عام 2012. وقد وصلت أعدادها نحو الخمسين ألفاً عام 2015. وهجَّرت وقتلت عشرات الألوف من السوريين. وهي تطمح إلى إحداث فرق ديموغرافي لصالح التشيع. ويفخر سليماني بأنه هو الذي أقنع بوتين بالتدخل في سوريا. لكنّ أفكارهما مختلفة بشأن مصيرها. وكل من الطرفين ينازع الآخر على ولاء بشار الأسد له. وبالتأكيد فالإيرانيون والأسد ليسوا مع مؤتمر شعوب سوريا الذي ينظمه الروس، لكنهم لا يقولون ذلك. وقد أكد بوتين وخامنئي لبعضهما استمرار التعاون.
وقصة تركيا لا تقل غرابة؛ فقد غضّت النظر عن دخول الأجانب والعرب عبر حدودها للقتال مع «داعش» و«النصرة» في سوريا. وما استطاعت إقناع الولايات المتحدة بخطر الأكراد عليها، فصالحت روسيا بعد عداء، ودخلت لمقاتلة «داعش» وحصر مناطق الأكراد، ومنعهم من الاستيلاء على حدودها ومن إقامة دويلتهم!
تسيطر هذه الدول الأربع الآن على الأجزاء الأكبر من سوريا، ونواياهم غامضة تجاه مستقبلها. فعندما قيل إن الأردنيين لا يريدون قوات إيرانية على حدودهم، قال جعفري قائد الحرس الثوري: نحن موجودون في كل مكان في سوريا وليس في الجنوب فقط! وماذا سيفعل الأميركي عند نهاية الإرهاب؟ هل ينسحب ويسلّم الأرض والقواعد التي أنشأها للأكراد؟ وماذا يفعل الروس بممتلكاتهم الجديدة؟ عندهم هم والإيرانيون الآن آبار نفطية مهمة في دير الزور. وهم يتقدمون ليلاقوا الميليشيات العراقية على الحدود. لكن الروس والإيرانيين أغنياء بالبترول والغاز. فهل يريدون ردَّ بعض ما أنفقوه في سوريا من أجل صون نظام الأسد؟!
كل هذه المسائل تبقى غامضة، وكلٌّ من هذه الدول تتربص بالأُخرى، رغم تحالفها، أما صاحب المصيبة الأكبر فهو الشعب السوري، المشرد في بقاع الأرض، والذي لا يحبه رئيسه، لأنه يؤثر على انسجام النسيج الاجتماعي السوري!
* نقلاً عن "الاتحاد"