التغيير الشامل للمسلمات في الفقه الإسلامي أصبح ضرورة في يومنا الحالي. فالتشريع القرآني هو ليس كل ما بين الدفتين بل ما يصلح منه لزمننا فقط. والتراث من حديث وسيرة ينتمي لعصر مضى ولسنا ملزمين بما قاله شيوخ العصور الغابرة.
هذه بعض من معالم مشروع النظرة الجديدة للإسلام التي يدعو إليها الشيخ طالب السنجري، رجل الدين العراقي الذي تتلمذ على أيدي كبار الأساتذة في حوزات النجف وقم ومشهد.
الشيخ السنجري هو المرشد العام لحركة "إرشاد" التي تتبنى رؤية تقوم على "التعايش الحر بين بني البشر والتطلع إلى بناء حياة أفضل قائمة على الحب والعدل والسلام العالمي، وإطلاق حركة العقل في قراءة واعية للكون والحياة والإنسان".
في لقاء في منزله بمدينة ديربورن بولاية ميشيغان الأمريكية وصف الشيخ السنجري رؤيته الجديدة للإسلام بأنها تعيد لهذا الدين روحه المتجددة وتطلقه من سجون الفقهاء القدامى الذين يهيمنون على الفكر الاسلامي منذ قرون. فهو يدعو إلى إعادة فهم القرآن بروح العصر لا وفق التفاسير القديمة الضيقة. كما يدعو إلى النظر إلى التراث بعين العقل المتفحصة التي لا تقبل الروايات بناء على أسماء الرواة أو قدم المصنف، بل على مدى مطابقتها لروح الرسالة وللمبادئ الانسانية العامة.
يتحفظ السنجري على ما نقله الأقدمون عن النبي ويقول إن الكثير منه يحتاح للغربلة والتدقيق. وحتى بعد هذا، فإن النبي ليس معصوماً إلا فيما يخص التبليغ عن الله، وإنه في تصرفاته كبشر يخطئ ويصيب وهو أيضاً ابن لبيئته.
يقول الشيخ السنجري مثلاً إن علاقة النبي بزوجاته لا يمكن أن تكون مثالاً نبني عليه مفهوماً عصرياً للعلاقة الزوجية. فهذه العلاقة شيء شخصي نتج من المؤثرات الاجتماعية والمحيط السائد، وبالتالي هي موروث قديم لا يصلح لكل زمان ومكان بعكس المفاهيم العامة للإسلام التي تشترك مع المبادئ الإنسانية.
الشيخ السنجري يؤيد مثلاً زواج المسلمة بغير المسلم، ويرفض إعطاء ضعف الميراث للرجل مستدلاً بالآية "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف". ويقول إن آية "للرجل مثل حظ الأنثيين" جاءت في عصر ذكوري، ورغم أنه لا يجادل في أن هذا الحكم من الله، ولكنه يرى أنه مرهون بزمان ومكان سابقين وعلينا أن نذهب إلى أحكام أخرى تصلح لزماننا مما أنزله الله.
وهو يشرح رؤيته هنا بالقول إنه لا يغير القرآن ولكنه يغير أسلوب استنباط الأحكام منه وفق قاعدتي العقل والمصلحة. ويمكن، بناء على هذه القاعدة، أن نغير الكثير من المفاهيم والتشريعات التي تصطدم بالحياة المعاصرة. وفي تلك الحالة ستقبل القرآن كل أمم الأرض. أما القانون القرآني الذكوري فيما يتصل بالمراة مثلاً، فغير مقبول إنسانياً.
وقد بدأ الشيخ السنجري بكتابة كتاب بعنوان "قرآن كريم" وهو يحوي القواعد العامة فقط دون التشريعات، وسينقل فيه من القرآن المعاني التي تطمئن الآخر من يهود ومسيحيين وغيرهم بأنهم مع المسلمين في الجنة بنص القرآن، ولكنه لن ينقل معاني مثل "اقتلوهم حيث ثقفتموهم".
ينظر الشيخ السنجري إلى مفاهيم كالجهاد، والردة، وقانون العقوبات وفق الشريعة من جلد ورجم وصلب وقطع للأيدي على أنها مصطلحات عفى عليها الزمن ويجب أن تلغى من القاموس الإسلامي. فعقوبة قطع يد السارق مثلاً هي عقوبة مقترحة من القرآن وليست إجبارية، وكانت مستساغة في عصر قديم، وبالتالي فمن حق المسلم أن يتغاضى عنها ويبحث عن عقوبة مستساغة الآن.
وعن كيفية اجتهاده في موضع النص، وهو ما يرفضه فقهاء المسلمين، قال "إن الاجتهاد يجب أن يكون في النص وليس في غيره". وأضاف إن العقل يحتم علينا أن نعيد النظر في مفاهيم تتنافى مع قواعد العدل والمساواة.
يرى السنجري أن تشريع الخمس مثلاً في المذهب الشيعي منافٍ لهذه القاعدة لأنه ببساطة يخلق طبقة فوق الناس العاديين ويسلحهم بموارد مالية من قوت الناس. وهو يقول إن هذا التشريع تم استغلاله لتمويل الحوزات والمرجعيات الدينية وتحول إلى أسلوب تمكين لهم من بسط نفوذهم عوضاً عن أن يكون أداة لمساعدة الفقراء.
ويرفض السنجري حتى فكرة إعطاء الخمس للنبي أو عائلته. ويرى في هذا عنصرية تميز بين الناس على أساس النسب وهو ما ترفضه مبادئ الإسلام. وقد فصّل هذا الرأي في أحاديث سابقة.
يقول الشيخ إن مشروعه الجديد في الفهم الجديد وإعادة كتابة قواعد الفقه الإسلامي لا تنحصر بمذهب أو طائفة بل هي مفتوحة للجميع. ويشدد على أنه لا يضع في ذهنه تراث السنة أو الشيعة بل هو يدعو إلى فتح التقليد على مصراعيه بين المذاهب الإسلامية. "إذا لم تجد ما يفيدك عند المرجع الشيعي فاذهب إلى السني أو الأباضي والعكس صحيح، فالفقه الإسلامي منجم واحد يمكنك أن تأخذ منه ما يلائم حياتنا المعاصرة".
أما بالنسبة لتراث الحديث والسيرة النبوية فللشيخ طالب تحفظات عديدة وصلت إلى حد المطالبة بتجميد أغلبه لأنه مناف للعقل. فهو يرى مثلاً أن 98% من أحاديث الكرامات النبوية ما هي إلا محض خيال. وفصل رأيه في أهم كتابين للحديث عند أهل السنة والشيعة بقوله إن الكليني صاحب كتاب "الكافي"، وهو في منزلة البخاري عند الشيعة، كان بقالاً في بغداد ينقل عن الجميع بلا تمحيص.
أما البخاري فلا يعبأ الشيخ طالب بمنهجه كثيراً ويرى أنه كان ينقل عن كل من هب ودب بل وأثنى على قاتل الإمام علي بن أبي طالب. وينطبق ما قاله على كل كتب الحديث التي جاءت بعد أهم كتابين في الحديث عند السنة والشيعة. وبالتالي فهذه الكتب التي تعد من أمهات المصنفات في علم الحديث لا تعتبر عند الشيخ طالب أسساً مقبولة لاستنباط التشريعات لما فيها من جمود لا يتناسب مع روح العصر، إضافة إلى شبهات في النقل عن النبي لم تسلم منها المنهجيتان الشيعية والسنية على حد سواء.
يقول الشيخ السنجري إنه ليس مسؤولاً عن حروب النبي أو علي بن أبي طالب، فهي وقعت في زمن معين ولظروف محددة. ويضيف: "أنا لا أعدل أو أصحح سلوكاً ما للنبي، ولكني أقول إننا يجب أن ننتقي ما يصلح لزماننا وننتفع به. لماذا ننظر إلى الغزوات وهي هدم ولا ننظر إلى البناء. النبي كان قائد دولة عظيماً ولم يكن همجياً أو داعشياً".
أما فيما يخص الخلاف السني الشيعي فالشيخ طالب يقول: "لا شأن لي بعلي أو بعمر، كلاهما توفاه الله وتحديد الأفضلية في الخلافة لم يعد ذا معنى لحياتنا المعاصرة". وهو يرفض المبدأ الجعفري في التعيين الإلهي لعلي بن أبي طالب ويقول إن النبي لا يمكن له أن يؤسس لمفهوم ديكتاتوري في الحكم بتوريثه لأقرب الناس له. ويقلل من أهمية مفهوم الإمامة عند الشيعة ويقول إنها ليست من الأساسيات، بل أساسيات المذهب هي أساسيات الإسلام نفسه كعقيدة إنسانية.
وفي رده على علاقته بالمرجع الراحل آية الله محمد حسين فضل الله وما إذا كان طرح عليه هذه النقاط، قال الشيخ السنجري إنه كان للسيد فضل الله آراء متقدمة جداً وأنه ناقش بعض هذه الأفكار معه ولكن قيود وضعه كمرجع منعته من الإفصاح عن آرائه. وأضاف أن آراءه لاقت تحفظاً من العديد من الشيوخ لكن أحداً لم يبين له خطأ بيناً في أفكاره. وهو يعتقد أن المانع الرئيس هو ما يشكله هذا المشروع من خطر على النفوذ المالي والمعنوي لرجال الدين.
يشدد الشيخ السنجري على أن مشروعه موجه للشباب بالدرجة الأولى، فهم المستقبل الذي يجب أن يبنى على العقل الواعي الذي يحكم انتقاء الأحكام من النص المقدس أو من التراث. ويقول إن نظام الحكم الذي يؤيده وفق منظوره الجديد هو النظام الذي يحقق العدل سواء تولى الحكم إسلامي أو علماني.
مشروع الشيخ السنجري لا يزال مشروعاً فكرياً فردياً، ولكن أهميته تكمن في أنه مؤشر واضح على قناعة تترسخ يوماً بعد آخر بين المثقفين الإسلاميين وبعض رجال الدين أن النظرة التقليدية القديمة للإسلام هي المسؤولة عما يعانيه المسلمون الآن من تأخر فكري وإرهاب متفشٍ باسم الصحوة.
هذه المدرسة التقليدية التي ترفض التغيير تبدو في نظر هؤلاء المثقفين كبناء هش لن يصمد طويلاً أمام حركة التطور البشري وزخمها المتزايد يوماً بعد آخر. والسؤال الآن هو: هل نمتلك القدرة على أن نبني لشبابنا صرحاً فكرياً جديداً يحمل التحدي الجدي في المواءمة بين مبادئ الدين والمبادئ الإنسانية الحضارية؟