بات الصراع على المكشوف بين إيران والسعودية وباتت الأدوات واضحة لا لبس يعتري قناعاً هنا و آخر هناك فالحرب على الأبواب وثمّة من يمسك بالسلاح أيّاً كان دوره في خراب البلد وملئه بالفوضى وإعادة شحن ما تبقى من نفوس غير مريضة أو مصابة بداء الجرب الطائفي والسرطان المذهبي لفتح جدال وسجال جاهلي قديم بين فخذي الإسلام من جماعتيّ السنة والشيعة ممن سكنوا قبور التاريخ وراحوا يتراشقون بأحجار أوليائه و خلفائه و أمواته ليكملوا مسيرة البراءة من الله .
لا تهادن إيران الولاية مملكة الخلافة ولا تستر سعودية الإسلام عورة إيران الإسلام فثمّة ذبح بين الدولتين بسكين الدين وهذا ما دفع بالبلد والعباد إلى فتنة جديدة أكثر سوءًا وقسوة من تلك التي حصلت بين المسلمين في تاريخ السلف الصالح من أهل الصحابة والوجوه المبشرة بالجنة ومن الذين تشتاق إليهم عيون المسلمين فتغرق في دمائهم دفاعاً ونصرة لصراع مات ولم يبق منه سوى فتنة يتغذى عليها المتطرفون والمتعصبون من متدينيّ المذاهب الذين تركوا ما هو صالح و تفرّغوا لقتال لا طائل منه سوى ملاقاة التاريخ عند مفارق القبور ودمار ما في الحاضر من إمكانية لمستقبل متعاف من تطرف سُني و شيعي .
إقرأ أيضًا: الموارنة من كميل شمعون لجبران باسيل
لقد قامت المذاهب من لهب الصراع السياسي ومازالت مستمرة بفعل الصراع السياسي وما الخلاف الإيراني – السعودي إلاّ تغذية جديدة لمذهبين آلفا خطوط النار بينهما ومحاولة لإبراز جذر الخصومة لإعطاء المبررات المذهبية الكافية لقتالهما في قضية سياسية تصب في مصلحة السلطة لا في مصلحة الأمّة التي يستدعونها إلى جبهات الحرب دفاعاً عن علي عليه السلام ضدّ معاوية بحثاً عن ( صفين ) جديدة .
إن استقالة الرئيس الحريري حساب تصفية خلاف إيراني – سعودي وهي جزء من الحرب المفتوحة بين البلدين بعد أن بلغ الخلاف بينهما حدّ اللاعودة إلى تفاهمات تجنب لبنان وغيره حروبهم من سورية إلى اليمن وهذا يعني أن لبنان بات على قائمة الدول التي ستجرب ما يشبه الحرب الدائرة والعودة الميمونة إلى فوضى الأمن وإستباحة الإستقرار الملغوم بغية تفجير القنابل المزروعة فيه ويبدو أن لُغم الحدود مع " إسرائيل " بات تحت وطأة قدم الخلاف الإيراني – السعودي وإذا ما انفجر فعلى لبنان السلام ويبدو أن لغم الحدود هو أوّل الألغام الموضوعة واذا ما تمّ الهروب منه نكون قد استطعنا النجاة من أسوأ كابوس ممكن أن نراه في اليقظة .
حتى الآن بات مصير لبنان في عهدة طواحين الطوائف وعلى زعماء الطوائف اختيار ما هو أنسب والسعي نحو النأي بالنفس عن الصراع الإيراني – السعودي وهنا تكمن مسؤولية الرئيسين عون وبري في تغليب المصلحة الوطنية على غيرها من المصالح بإعادة تهدئة الأمور بفعل الحوار لا الخطب النارية والرنانة التي بادر إليها بعض المتسلقين على ظهر الزعامة السياسية رغبة منهم في الإستثمار السيء وكل الثقة بقدرة الرئيس بري على فتح حوار مع المعنيين الإيرانيين والسعوديين لتهدئة الأمور وحفظ النفوس خاصة و أن المتوترين هنا وهناك يشحذون سيوفهم بعد أن شحذوا ألسنة السوء بالنيل من الدولتين ومن التابعين ولا تخلو جعبة الرئيس بري من حكمة في علاقة موزونة ومحترمة مع الدولتين لصرف الأذى عن لبنان وحماية الحدود من عدو دخل لبنان عام 1982 في ظل خلاف اللبنانيين ويبدو أن الظرف الحالي مشابه لظرف الأمس والعودة ستكون نزهة وليست صعبة طالما أن لبنان متصدع من الدخل وهناك من ينتظر مخلصاً كما انتظر آخرون عام 1982 فرصة التخلص من السلاح الفلسطيني .