أولاً: حروب الآخرين على أرضنا
أثناء احتدام الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت أواسط سبعينيات القرن الماضي وامتدت حتى أوائل التسعينيات، عنّ للبعض، كما طاب للبعض الآخر أن يُطلق عليها شعار: حرب الآخرين على أرضنا، وفي ذلك تبرئة للّبنانيّين من الدماء التي أوغلوا أيديهم بها، ومن الدمار الماحق الذي لحق بمعظم تلك الأراضي، ويُعبّر ذلك القول، أو يُفصح عن مدى التدخلات العربية أولا والدولية ثانياً، والإسرائيلية أولاً وآخراً في تلك الحرب التي أربت على ستة عشر عاماً، إلاّ أنّ هذا القول لا يمكن أن يُبرّئ اللبنانيين ممّا اقترفته أيديهم بحقّ وطنهم وحقّ المواطنة والعيش المشترك وسلامة الكيان والنظام، رغم وجاهة و"مشروعية" الشعارات التي اعتركت في حربٍ لم يسلم فيها حجرٌ ولا بشر.
انتهى الفصل الأول الدامي من الحرب الأهلية بدخول إسرائيل عام ١٩٨٢ وطرد منظمة التحرير الفلسطينية خارج لبنان، لتدخل تلك الحرب أطواراً أخرى، لعلّ أهمها دخول العامل الإسرائيلي بدل الفلسطيني، لتبدأ على إثره حرب التحرير، وهذه المرّة بأدوات إيرانية، وقد أنجزت مهام التحرير بتضحياتٍ عظيمة، إلاّ أنّ استقدام العامل الإيراني ما زال حتى اليوم عائقاً فعلياً أمام استكمال وحدة البلد، واسترداد سيادته وقراره وصيانة دستوره ونظامه.
إقرأ أيضًا: باسيل: التسوية الرئاسية كانت بالإذعان، والمشنوق مش ماشي حاله
ثانياً: لبنان اليوم في حالةٍ حرجة
إسرائيل أنهت الوجود الفلسطيني، واعترف أحد القادة الفلسطينيّين وهو يُغادر لبنان، وقبل أن يصل إلى قبرص: "لو لم يطردنا الإسرائيليون لتولّى ذلك اللبنانيون بأنفسهم"، وأخشى ما نخشاه اليوم أن يبقى اللبنانيون على انقساماتهم وولاءاتهم الإقليمية، فتأتي إسرائيل مرّةً أخرى لنزع شوكة الإيرانيين، أو تُشمّر السعودية عن ساعد الجّد مع تحالفاتها الإقليمية والدولية للقيام بالمهمّة الصعبة والجراحة الدقيقة مع حزب الله، الذي يمتلك فضلاً عن السلاح والمجاهدين، جذوراً وطنية وامتدادات إقليمية، ما قد يُشكّل خطراً حقيقياً هذه المرّة على حياة لبنان، المُسجّى أمامهم، كما اعترف بذلك رئيس الجمهورية في آخر لقاءٍ له في القصر الجمهوري.
قال نصر بن سيار:
" أرى خلل الرماد وميض جمرٍ
يكاد أن يكون لها ضرامُ
فإنّ النار بالعودين تُذكى
وإنّ الحرب أولها الكلامُ ".