تُرى هل ما زال مشدودًا للثورة ولشعاراتها الثورية الدافئة؟ أم أنه استذكر في لحظة نسيان تاريخي؟ أم أن التجربة المرّة والقاسية للدولة دفعته مجددًا للتفكير في فكر الثورة؟ أم أن الإمام الخميني جاءه دغشة في الحلم أو الرؤية ليأخذ بيده مجددًا ويرشده إلى حيث يجب أن يكون المرشد؟
أسئلة كثيرة غير متناهية تتوالى يوميًا على الثورة التي فتنت الشعوب المستضعفة فأغوتها ووقعت في شباك حبها وعلى الدولة التي قتلت الشعوب المستضعفة فأرهقتها حتى كفرت بها وما عادت تؤمن أو تدين بثورة مهما بلغت من الصدق والمصداقية نتيجة التجربة القاتلة لدول الثورات من البلشفية إلى الربيع العربي الذي أتاح الفرص لأهل الكهف كيّ يحكم كلبهم باسم الإسلام أمّة مقهورة مسحوقة لا حول لها ولا قوّة إلاً الدعوة الملحة إلى مصادرة العقل والإنجراف خلف الأسطورة السياسية والدينية بكل ما فيها من خبل.
إقرأ أيضًا: في الهند من يعبد البقر وفي الضاحية من يسجد لحذاء !
أمس، أعاد السيّد الخامنئي مرشد الدولة الإيرانية وضع الحجر الأساس للدولة بإعتبار أميركا عدوة للإيرانيين رغم ما يُشيب هذه العداوة من تفاهمات طالت أكثر الملفات المهمّة لإيران من الملف النووي إلى حربيّ العراق وسوريا والحرب على الإرهاب والإستفتاء الكردي على إستقلال الإقليم العراقي إلى جملة تفاهمات أخرى متصلة بأمن إسرائيل والخليج وحماية المصالح الغربية وعدم تهديد السلم والأمن الدوليين.
في نظر الكثير من المهتمين في الوضع الإيراني أن إيران تحفظ عن كثب الدور الذي يبقيها حيّة وحيوية باعتماد سياسات خارج الإقليم بحثًا لا عن المتاعب بل عن أسباب القوّة كي تضمن إستمرار نظامها المعرض دومًا للسقوط نتيجة تزايد حجم المنددين بنظام الحرس الثوري وخاصة من قبل نخب الثورة أي من الذين إستمالتهم الثورة كي يجددوا في تاريخهم السياسي والإنتقال به من مرحلة الإستبداد إلى مرحلة الحرية وما يتيح ذلك من شراكة سياسية ومن تنمية متعددة تؤهل المواطن الإيراني كي يكون بمرتبة شرف دولي يتمتع بها أي مواطن غربي خاصة و أن الثورة والثروة الإيرانية تتيح للإيرانيين أن يكونوا أولاد ست في الميزان الإقتصادي لا أولاد جارية في أسواق الفقر.
لقد قتل إيران من الداخل عيبها في الخارج من خلال تظهير نفسها كأداة إقليمية تسعى إلى الخراب والحروب على حساب الشعوب وهذا ما يتطلب توفير ما تنتجه آبار النفط لسد جوع الحرب لا أفواه الإيرانيين وهذا ما كرّس سياسة إستعداء للنموذج الحاكم في إيران والدليل واضح على ذلك إذ في كل مرّة ومع كل إنتخابات رئاسية يفوز المرشح الإصلاحي لا "الصقروي ".
إقرأ أيضًا: الموارنة من كميل شمعون لجبران باسيل
في العودة إلى العداء الأميركي يتبيّن أن ما يجمع إيران برأي المتابعين للسياسة الإيرانية بأميركا هو أكثر مما يفرقهما من خلال التعاون الواضح في العراق إذ قاتلًا جنبًا إلى جنب الإرهاب الداعشي وهما من يعيّن رئيس وزراء العراق ووجهة نظرهما واحدة في الدولة الكردية لناحية إستقلال إقليم البرزاني برفض قاطع والعمل على حماية وحدة العراق وفي سورية تنشط الدولتان جوًا وبرًا في الحرب على الإرهاب وفي إبقاء النظام جهة قادرة على الإستمرار لعدم وثوقهما بالمجهول القادم إذا ما ذهب ما تبقى من نظام سوري.
في اليمن لا إدانة أمريكية لإيران رغم أن السعودية حليفة أميركا الثابتة تفقد كل إمكانياتها للحفاظ على يمن نظيف من السياسة الإيرانية وهي تتغاضى بشكل مريب، دفع إلى القول بأن ما يجري لا يسهم في زعزعة الإستقرار في المنطقة فحسب بل يزيد من دعوات التطرف التي تنتعش على خلفية الحرب المذهبية القائمة ما بين إيران والسعودية وقدرة البلدين على حشد الشيعة والسنة أمام دروعهم لا خلفها ولقتال طويل الأجل.
لم تذهب أميركا ولو لمرة واحدة في الملفات التي تتواجد فيها إيران هرباً من الفيتو الروسي إلى الحلف الأطلسي كما فعلت في ليبيا وفي العراق وفي بلاد أخرى عندما إعترض أو يعترض أحد على مشيئتها وعلى إرادتها الدولية فبقيت إيران حرّة في العراق وسورية واليمن وغير مُقيدة في لبنان ومدعوة إلى إسترداد دورها في فلسطين لإبعاد عملية السلام التي يراها الأميركي ضدّ مصالحه والتي لا يحتاجها الإسرائيلي المتعلق بالحرب أكثر مما يهوى السلام.