لدى مراقبة الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، وما يسجّل من ضرب أهداف بالتزامن داخل الأراضي السورية، يبدو واضحاً للمراقبين أن المسار تصاعدياً، وهو يسير على خطين، استفزازات عسكرية وسياسية. حجم الخروقات يتضاعف، مدته الزمنية تطول في الأجواء اللبنانية، وجديده هذه المرّة ضرب أهداف داخل سوريا انطلاقاً من لبنان. بالتالي، فإن الخوف يبرز في احتمالية تنامي هذه الظاهرة لتصل إلى مرحلة تصادمية، خصوصاً أن التحركات الإسرائيلية أصبحت استفزازية. أما هدفها فهو استدراج حزب الله والمحور الذي ينتمي إليه إلى الرد على إحدى الضربات للدخول في مواجهة.

تريد إسرائيل خلق مبرر لها للدخول في مواجهة مع الحزب. فهي تستند إلى جملة معطيات، تعتبر أنها تتيح لها الفرصة في اختيار توقيت الضربة وأهدافها. وهي تستند في ذلك إلى موقف أميركي وعربي، خليجي بالتحديد، ضاغط على الحزب ويريد توجيه ضربات له لتحجيمه والاقتصاص منه، وعلى سلسلة جولات واتصالات حصلت في المنطقة أخيراً. وكان آخرها زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، على رأس وفد على عدد من دول المنطقة، وكان ملف حزب الله أحد أبرز المباحثات إلى جانب الوضع الفلسطيني. ولا يمكن اغفال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران، التي بحثت في موضوع حزب الله في سوريا، وكيفية تجنيبه أي ضربة، وربما يكون ذلك بتحجيم مواضع نشاطه.

لم تكن المرة الأولى التي توجه إسرائيل فيها ضربة إلى الداخل السوري انطلاقاً من الأجواء اللبنانية. لكن، تصاعد هذه الظاهرة يضاعف احتمالات المواجهة. فضربة الأربعاء، في 1 تشرين الثاني، التي جاءت بعد تحليق إسرائيلي لساعات على علو منخفض، هي مؤشر جديد على الاستفزاز بعد خرق جدار الصوت في صيدا قبل أشهر، وما بينهما من تحركات إسرائيلية تهدف إلى احراج حزب الله.

ووفق المعلومات، فإن الطائرات الإسرائيلية نفذت أربع غارات على مواقع لحزب الله هي عبارة عن مخازن أسلحة، وقد تم تدميرها بالكامل. وقد ترافقت هذه الغارات مع كلام عن الاستعداد الإسرائيلي لبناء جدار عازل في منطقة مزارع شبعا، وما يعني ذلك من خرق جديد للخط الأزرق. لكن هذا لا ينفصل عن السياق الاستفزازي، إذ إن هذه الخطوة إذا أقدمت عليها إسرائيل تعني أنها تصر على استدراج الحزب للدخول في حرب معه.

لكن، حزب الله الذي كان يرعى احتفالاً تحت عنوان "الوعد الحق" لمناسبة الذكرى المئوية على وعد بلفور، أراد الرد على الاستفزازات الإسرائيلية بهذه الطريقة، وبأنه لن يتخلى عن مواجهتها. وهذا ما أكده نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم. لكن، اللافت في هذا المؤتمر كان غياب اطلالة السيد حسن نصرالله عنه، إذ إن جميع الحاضرين وهم وفود من دول عدة، ومن بينهم وفد إيراني كبير على رأسه مستشار الإمام الخامنئي، علي أكبر ولايتي، كانوا يتوقعون اطلالة نصرالله. إلا أن غيابه، يفسّره البعض بأن أي كلام في هكذا مناسبة يجب أن يكون تصعيدياً، وبما أن الوضع ليس على ما يرام، ولا يمكن متابعته إلا بهدوء وبعمل، فمن الأفضل عدم الخروج لإطلاق مواقف تصعيدية. فيما يعتبر البعض الآخر رد نصرالله على الاستفزازات الإسرائيلية تجلى بلقائه مع المسؤول العسكري لحركة حماس صالح العاروري، وهو المطلوب رقم واحد لدى الإسرائيليين، في وقت تتحدث المعلومات عن أن العاروري يقيم حالياً في لبنان وبحماية حزب الله. وهذا ما يعتبر عامل استفزاز جديد للإسرائيليين.

تنذر الأمور بما هو أخطر. فأي شرارة قد تنطلق ستؤدي إلى اشتعال حرائق في المنطقة. وبعض العائدين من زيارات خارجية، يشيرون إلى مخاوف انعكست لديهم بناء على ما سمعوه، وهم أوصلوا رسائل تحذير إلى جميع المعنيين، بأن أي خطوة غير محسوبة ستؤدي إلى حرب شاملة على لبنان. فيما هناك من يعتبر أن الضربة على حزب الله ستحصل ما لم يلجأ إلى خطوات تراجعية في الميدان، من دون توفر معطيات إذا كانت هذه الضربة ستحصل في سوريا أم في لبنان.