العاصفة التي كانت قد أثارَتها مواقفُ وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، كبَحها رئيس الحكومة سعد الحريري بإقفال النوافذ في وجهها فور إغلاق باب قاعة مجلس الوزراء، إذ بادرَ إلى التأكيد أنّ زيارته للمملكة العربية السعودية «كانت إيجابية جداً»، ناقلاً «حِرصَ المملكة على استقرار لبنان»، وقائلاً للوزراء: «كلّ ما سمعناه من تحليلات وتأويلات لا أساس له من الصحة، فالمملكة ليست في وارد زعزعةِ التوافق اللبناني الداخلي، لا بل على العكس، ستتأكّدون من كلامي خلال الأيام المقبلة التي ستثبتُ عكس كلِّ ما قيل». وقد قطعَ الحريري بهذا الكلام الطريقَ على أيّ نقاش في هذا الأمر، إلى درجة أنّ أيّ وزير لم ينبُس ببِنتِ شفَة في هذا المجال. وفي هذا الوقت، برز موقف متقدّم للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، منتقداً «منطق المحاصصات والإستئثار في التعيينات وإلغاء غير الحزبيين». ودعا «الأسرتين العربية والدولية إلى المساعدة لحلّ مسألة سلاح «حزب الله»، رافضاً ربطَ حلِّه بحلِّ أزمة الشرق الأوسط».
إستناداً إلى التجارب السابقة، ظلّ احتمال بقاء مجلس الوزراء في منأى عن العواصف السياسية متقدماً وتحوّلَ واقعاً، وذلك بعد انقضاء 4 ساعات من جلسة الأمس في السراي الحكومي، وما تلاها من دردشات خلال «ممالحة» غير مبرمجة كان السمك طبقَها الرئيسي على مائدة رئيس الحكومة سعد الحريري، ونجماها الوزيران اللدودان جبران باسيل ونهاد المشنوق، برعاية «حريرية»، وحضور الوزيرين علي حسن خليل وبيار بوعاصي، بعدما أطاح تأخّر الجلسة واستمرار الخلاف، اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخاب فأُرجئ الى اليوم، واستعِيضَ عنه بـ«لجينة» عرَضت لكلّ شيء، الّا ما تردَّد على مسامع اللبنانيين في الساعات الماضية من تصريحات ناريّة متبادلة بين المشنوق وباسيل، وكأنّ «ما حدا سمع».

تشكيك بجدّية الدولة

وفيما برّرت مقرّرات جلسة مجلس الوزراء الرسمية إرجاء اجتماع لجنة قانون الانتخاب الى ظهر اليوم بـ«أسباب تقنية»، قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»: «بعد المماطلة التي شهدها ملف وضعِ قانون الانتخاب قبل حسمِه، واستغرقت اشهراً، تشهد البلاد اليوم مماطلة في التحضير لهذه الانتخابات لجهة الاتفاق على الآلية التنفيذية للقانون.

والتعبير عن ذلك يتمّ من خلال امور عدة ابرزُها التأجيل المتكرر لاجتماعات لجنة قانون الانتخاب، وعندما تنعقد، تشهد خلافات كبيرة، ما يَدفع الى التشكيك بجدّية الدولة في اجراء الانتخابات النيابية في موعدها على رغم كلّ تأكيدات المسؤولين، إذ انّ هذه التأكيدات يجب ان يُعبَّر عنها باتّفاق، والغريب انّ قانون الانتخاب اذا كان مشروع تسوية، فإنّ آلية الانتخاب التي هي قانونية، تستلزم ايضاً تسوية».

وأشارت المصادر الى «أنّ الامر نفسَه ينسحب على موضوع اعادة النازحين السوريين والذي تُعقد لأجله اجتماعات واستدعاءات لسفراء، لكن عملياً لا يُسجّل أيّ تقدّم لإعادة نازح واحد، علماً أنّ هذه المواضيع يفترض ان تكون في طليعة اهتمامات العهد في بداية سنتِه الثانية، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية التزَم إجراء الانتخابات النيابية وإعادة النازحين الى بلادهم».

الكتائب لـ«الجمهورية»

وتساءلَ مصدر كتائبي مسؤول عبر «الجمهورية»: «كيف تتباهى السلطة بما تَعتبره إنجازاً لنفسِها بالتوصّل الى قانون الانتخاب وأركانُها مختلفون في الوقت نفسه على هذا القانون وطرقِ تطبيقه؟ وأيّ إنجاز هذا الذي لا يمكن الحكومة التي وضَعته ان تجد آليّةً لتطبيقه؟

وكيف يتحدثون عن إنجاز وهم غارقون في البحث عن افخاخ تَسمح لهم بمصادرة حقّ الناخب اللبناني في اختيار من يمثّله بحرية، تارةً ببطاقة تسمح للسلطة بالتحكّم في إصدارها عبر تسجيل منحِها لمن تريد وحجبِها عن معارضيها، وتارةً اخرى ببدعةِ التصويت خارج مكان القيد بحجّة تسهيل عملية الاقتراع، في حين انّ حقيقة ما تسعى اليه السلطة من هذا الطرح هو الحؤول دون مراقبةٍ جدّية لهوية الناخبين بواسطة المندوبين من ابناء المنطقة بما يسمح بتنخيبِ اشخاص لا يحقّ لهم الانتخاب أو بهويات وبطاقات يحملها غير اصحابها الاساسيين؟».

وشدّد المصدر على «أنّ بدعة الاقتراع خارج اماكن القيد بحجّة تسهيل عملية الاقتراع تخفي في طيّاتها عملية تهجير سياسي لأبناء الاطراف عبر قطعِ اتصالِهم السياسي وتفاعلِهم المباشر مع بيئتهم السياسية، بما يَسمح للقوى المسيطرة في الاطراف إحكامَ قبضتِها على تلك المناطق».

«التيار»

ومِن جهتها، ذكرت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» أنّ نقاشاً حصل في مجلس الوزراء حول مذكّرة المشنوق المتعلقة بالتراخيص الممنوحة للبلديات في شأن إعطاء تراخيص بناء 150 متراً مربّعاً، فاعتبر باسيل انّها «مخالفة للقانون وتمحو جمالية قُرانا وبلداتنا وتهدّد السلامة العامة، خصوصاً انّها لا تمرّ على التنظيم المدني.

فأقرّ المشنوق في الجلسة انّ جميع القوى السياسية طلبوا منه العمل بمذكّرة الـ 150 متراً ما عدا «التيار الوطني الحر» الذي اعترض وزراؤه على الموضوع. فقرّر المجلس تشكيلَ لجنة وزارية تضع مشروع قانون يُرسَل الى مجلس النواب لمعالجة هذا الامر، خصوصاً في البلدات والقرى التي فيها شيوع، ولكي لا يتمّ إصدار تعاميم ومذكّرات تؤدي الى خلقِ مشكلات في البلدات التي لا شيوع فيها».

وأشارت المصادر الى انّ المجلس اقرّ وللمرّة الاولى، الترخيصَ لثلاث شركات إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح وتوزيعها، من دون ايّ اعتراض، واقرّ بند استيراد المحروقات لزوم كهرباء لبنان، ووافقَ على طلبِ وزارة الطاقة استدراجَ عروض لاستيراد النفط بعد نقاش طويل.

فدعا الوزير مروان حمادة الى إتمام الامر في ادارة المناقصات، وأيّده الوزير يوسف فنيانوس. فما كان من وزير الطاقة سيزار ابي خليل إلّا ان قال بنبرة عالية: «كفى ترداداً ببّغائياً لأسطوانة قانون المحاسبة العمومية والذهاب الى إدارة المناقصات، وكفى تضليلاً للرأي العام ولا يزايدنَّ احدٌ على وزارة الطاقة في موضوع إدارة المناقصات والعمل وفقَ القانون، فالقانون يحدّد أيّ مناقصات تذهب الى ادارة المناقصات، وأيّ مناقصات تجريها الادارات والمؤسسات العامة، كما انّ هيئة التشريع والاستشارات أعطت رأيَها القانوني في الموضوع».

وفي نهاية النقاش الذي لم يشاركوا فيه، طلبَ وزراء «القوات» الاطّلاع على رأي هيئة التشريع والاستشارات، فردّ الحريري أنّ الرأي موجود لدى رئاسة الحكومة. وانتهى الموضوع بإقرار البند».

وتساءلت مصادر «التيار»: «كيف مرَّ موضوع إنتاج الكهرباء من الرياح بسلاسةٍ لافتة؟ هل لأنّ ذلك «ما بيجيب كهرباء قبل الانتخابات بينما مناقصة البواخر بتجيب كهرباء قبل الانتخابات؟».

«القوات»

بدورها، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ وزراءها طالبوا «بوضع دفتر شروط جديد وإجراء مناقصة جديدة عبر إدارة المناقصات لاستيراد الفيول والغاز خلال الفترة التي تمّ فيها التمديد للشركتين الكويتية والجزائرية، إلّا انّ الوزير سيزار ابي خليل قال أن لا حاجة لإدارة المناقصات بحجّة انّ هيئة التشريع والاستشارات أعطت إجازة لوزارة الطاقة بأن تتولى المسألة، الأمر الذي دفع وزراء «القوات» إلى مطالبة ابي خليل بالاطّلاع على كتاب هيئة التشريع والاستشارات، خصوصاً انّ مناقصة بمبالغ طائلة تستدعي الذهابَ إلى إدارة المناقصات، فاستمهل الوزير حتى اجتماع الحكومة المقبل لإطلاعها على كتاب الهيئة».

وأشارت المصادر من جهة ثانية الى «أنّ وزراء «القوات» سجّلوا من خلال وزير الإعلام ملحم رياشي اعتراضَهم على تقديم السفير اللبناني المعيّن في سوريا سعد زخيا أوراقَ اعتماده لبشّار الأسد، مقترحين ان يبقى السفير الجديد في لبنان وأن يتولى القائم بالأعمال تصريفَ الأعمال، ومتصدّين للمنطق القائل انّ عدم تعيين سفير يُفقد لبنان حقّه في السيادة والتبادل الديبلوماسي. وتفاجأت «القوات» بوقوفها وحيدةً داخل الحكومة التي انقسمت بين فريق صامت وفريق آخر تصدّى بقوّة لطرحها».

السفير في سوريا

وكان السفير زخيا قد توجّه صباح امس الى دمشق وقال بعد وصوله اليها: «أنا مسرور لأنني أتسلّم مركز عملي في دمشق، وسعيد لأنني في بلدي وبين أهلي». مضيفاً: «سنعمل لمصلحة البلدين والشعبَين».

أمن المخيّمات والحدود

على صعيد آخر، حضَر مساء امس الهمّ الأمني في «بيت الوسط» في لقاء الحريري مع كلّ من قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم حيث اطّلع منهما على التطورات الأمنية في البلاد وعلى الحدود، وعلى التدابير الأمنية المتّخذة في بعض المناطق.

وعلمت «الجمهورية» انّ البحث تركّزَ حول امنِ المخيمات ومحيطها تحديداً على وقعِ الاتصالات الجارية بين ابراهيم وممثلي الفصائل الفلسطينية وما قطعَته التحضيرات الجارية بالتنسيق مع ممثليها لتسليم بعض المطلوبين بجرائم مختلفة بهدفِ ضمان امنِ المخيّمات ومحيطها وأمن لبنان عموما. وشدّد الحريري الذي التقى ايضاً حاكمَ مصرف لبنان رياض سلامة على أهمّية استمرار التعاون بين الأجهزة الأمنية وتعزيز كلّ اشكال التنسيق القائمة بينها بما يضمن حماية الوضع الأمني في الداخل وعلى الحدود.

لقاءات عون الكويتية

من جهةٍ ثانية وُضِعت أمس اللمسات الأخيرة على مواعيد اللقاءات التي سيعقدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال زيارته للكويت والتي ستستمر يومين، من صباح الأحد وحتى بعد ظهر الإثنين المقبلين، وهي ستشمل، الى امير الكويت، رئيسَ الحكومة ورئيسَ مجلس الأمّة الكويتي ووزير الخارجية ورئيس الصندوق الكويتي للتنمية. كذلك سيلتقي ابناءَ الجالية اللبنانية مساء الأحد في لقاء موسّع.

الراعي

وكان البطريرك الراعي قد انتقد خلال إطلالته مع الزميل مارسيل غانم أمس، بعض الممارسات التي تحصل في العهد، وأسف لأنه «لا يوجد عندنا دولة عادلة اليوم»، مستغرباً «عدم تنفيذ بعض قرارات مجلس شورى الدولة، لأنّ هناك اعتراضاً من هذا او ذاك». وإذ أكد ثقته بالقضاء، لفت إلى أنّ «السياسيين لا يطبقون بعض القرارات».

ورفض أن «تكون التعيينات من لون واحد»، مشدّداً على وجوب «أن تراعي الحكومة مكونات المجتمع اللبناني، لأنه لا يجوز تعيين الحزبيّين فقط، لأنّ هناك الغاء لغير حزبيين».

من جهة ثانية، أكّد أنّ «أيَّ شروطٍ لم توضَع علينا لزيارة السعودية»، داعياً الأسرتين العربية والدولية إلى المساعدة لحلّ مسألة سلاح «حزب الله»، ورافضاً ربطَ حلِّه بحلِّ أزمة الشرق الأوسط».

وقال: «وضعُ «حزب الله» مرتبط بواقع اقليميّ ودولي، وعلى المنظمات الدولية الاهتمام بالموضوع، وليس من الطبيعي ان يكون هناك سلاح بيدِ حزبٍ لبناني خارج سلاح الدولة»، معتبراً أنّه «مِن غير الطبيعي وجود «حزب الله» بهذا الشكل، ولا بدّ مِن اخذِه بإطاره العربي والدولي وعدمِ رميِ حَلِّه على اللبنانيين».

إضراب واعتصام
على صعيدٍ آخر بدأ الكباش الحاصل، بين إدارات المدارس والأساتذة والأهالي، نتيجة تداعيات إقرار السلسلة، يأخُذ منحىً جديداً، فرغم دعوةِ وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة نقابةَ معلّمي التعليم الخاص إلى عدمِ الإضراب، إلّا أنّ معظم الأساتذة أضربوا أمس، ولازَم الآلافُ من التلاميذ منازلهم. وفي المقابل يَعقد اتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة اجتماعاً اليومَ لتحديد خطواتِه المرتقَبة، أمّا لجان الأهل فتستعدّ للمرّة الأولى إلى الاعتصام عند الرابعة بَعد ظهر بعد غدٍ في ساحة ساسين رفضاً لأيّ زيادةٍ.

في هذا السياق، أسفَ رئيس اللجنة الأسقفية المطران حنا رحمة إلى ما آلت إليه الظروف، قائلاً لـ«الجمهورية»: «الإضراب لم يكن ضربة معلّم، ودعسةً ناقصة لا تقود إلى حلّ»، معتبراً أنّ «في القانون 46 مجموعة من الأمور الغوغائية غير الواضحة ويتعذّر المضيُّ بها، كالحديث عن المفعول الرجعي»، مؤكّداً في الوقت عينِه: «أنّه يَصعب طمأنةُ أحدٍ أنّه ما مِن زيادة على الأقساط ما لم تُبادر الدولة إلى دفعِ الزيادات»