أرجئ اجتماع اللجنة الوزارية الخاصة بدراسة قانون الانتخابات الى اليوم، وسط تأكيد اكثر من مصدر وزاري ان مسألة التسجيل المسبق باتت امرا حتميا. وبانتظار كيفية تعامل التيار الوطني الحر مع هذا المستجد، يغادر رئيس الجمهورية ميشال عون الى الكويت الاحد، تزامنا مع وصول «رسالة» استياء سعودية جديدة الى بعبدا على خلفية مواقف الرئيس الاخيرة من سلاح حزب الله. واذا كان رئيس الحكومة سعد الحريري قد سعى خلال جلسة مجلس الوزراء بالامس الى تعميم اجواء ايجابية حيال زيارته الى السعودية، مجددا التأكيد على حرص المملكة على استقلال لبنان واستقراره الداخلي، فان هذا الارتياح لا ينسحب على ملفات اخرى اذ يسود «الارتياب» لدى رئيس الحكومة من «المفاجآت» غير السارة الآتية من الدوحة، على خلفية قرار قطري متخذ بالذهاب بعيدا في سياسة «نبش القبور»، مع ما يعنيه ذلك من «فضائح» حيال تورط الحريري وفريق عمله في الحرب السورية. والامل الوحيد راهنا، في ان ينجح الاميركيون في وقف «الانهيار»، عبر الضغط على قطر لوقف «مسلسل» «ثرثرة» حمد بن جاسم...
وبحسب اوساط ديبلوماسية، فان هذا التطور «الدراماتيكي» كان جزءا من المحادثات التي أجراها رئيس الحكومة في السعودية، وهو عبّر عن «قلقه» من خطوة الدوحة التي تحمل الكثير من المخاطر، لكنه سمع «تطمينات» غير حاسمة، مفادها ان اتصالات جرت مع الاميركيين لوقف ما يعتبره السعوديون «بالمهزلة»، وقد وعدوهم «خيرا» في هذا الاطار... لكن الحريري لم يسمع وعدا قطعيا في هذا الاطار، بانتظار الحصول على اجوبة اميركية، لم تكن وصلت حتى مساء امس الى بيروت.
وتؤكد تلك الاوساط ان «المعلومات» الاولية التي كشف عنها رئيس الحكومة القطرية السابق حمد بن جاسم، كانت كـ«رسالة» «جس نبض» حملت عناوين عامة عن بعض المتورطين، لافهام «خصومه» الجدد ان الآتي سيكون اعظم، اذا ما استمرت سياسة عزل بلاده. وهذا يشير الى  ان الاتصالات وصلت الى حائط مسدود مع دول «الحصار». والخروج عن الصمت، ربما يكون «آخر خرطوشة» تستخدمها الدوحة قبل اعلان «الطلاق البائن» مع الشقيقة الكبرى السعودية، لتعبيد «الطريق» امام بناءعلاقات متينة مع طهران.
 

 

 

 «معلومات خطيرة»


ووفقا للمعلومات، فان ما تتوعد بكشفه الدوحة خطير جداً، فالاستخبارات القطرية تملك دلائل دامغة على تورط قيادات امنية وسياسية لبنانية في دعم «الثورة» السورية حتى قبل بدئها في العام 2011 حيث كان يجري تحضير البنية التحتية لإسقاط النظام انطلاقا من الحدود التركية، والاردنية، واللبنانية. ولا تملك الدوحة فقط معرفة كاملة «بالوسطاء» اللبنانيين على مستوى القيادات العليا، بل لديها ايضا لوائح بأسماء كل المتورطين في العمل اللوجستي في لبنان، وهم اشخاص كانوا يتقاضون رواتب شهرية بدل انخراطهم في تنظيم عملية ايصال السلاح عبر البحر الى مخازن محددة في الشمال، والخطر انها كانت تنقل بحماية امنية «رسمية» الى نقاط حدودية يجري عبرها تهريبها الى الاراضي السورية.اما لماذا هذه المعلومات التفصيلية بحوزة القطريين، فلان هذا الملف جرى تلزيمه في اول سنتين للدوحة، وكانت السعودية تدفع حصتها من التمويل... ولكن عبر «الوسيط» القطري الذي كان يشرف على الاعمال اللوجستية.
 

 هل اصبحت المعلومات في ايران؟


وبحسب تلك الاوساط، اذا قررت الدوحة فضح كامل «المستور»، فان الرئيس الحريري سيكون في موقف صعب جداً على اكثر من صعيد. فعلى المستوى السياسي سيتعرض لنكسة هائلة، بعد ان بنى كل استراتيجيته في السياسية الداخلية على اتهام حزب الله بالتدخل في الحرب السورية. واليوم، اذا قرر القطريون الخروج عن «صمتهم»، سيتبين ان حلقة التآمر التي شارك فيها مع فريقه، سبقت اندلاع الاحداث. وهذا يحسم بشكل نهائي مسألة من خاطر بتوريط لبنان في «لعبة» تتجاوز قدراته. وسيكون للامر تداعيات على اكثر من صعيد.لكن الاخطر، يبقى المستوى الامني لان الكشف بالاسماء عن الشخصيات المتورطة سيضعها في دائرة الاستهداف، كونها اصبحت «مطلوبة لكل الجهات»، باعتبار انها ستكون «ورقة محروقة»، وباتت عبئا عند من «شغّلها» لديه... اما اكثر ما تخشاه السعودية، فهو قيام الجهات القطرية المعنية «ببيع» تلك المعلومات لايران «كثمن» لاعادة تموضعها في المنطقة. وهذا يعني انهيارا كاملا للمنظومة الامنية والسياسية، التي عملت سنوات طويلة في ادارة الحرب في سوريا...
 

 صقر في «دائرة الضوء»


في هذا الوقت عاد النائب عقاب صقر الى تشديد الاجراءات الامنية حيال تحركاته، بعد ان عاد اسمه الى «دائرة الضوء» من جديد، باعتباره كان يدير غرفة العمليات من «غازي عنتاب» التركية. لكن رئيس الحكومة طلب منه التزام «الصمت» وعدم الاقدام على التعليق على تصريحات حمد بن جاسم، لان المسؤولين السعوديين نصحوه بعدم «استفزاز» الدوحة في هذه المرحلة، بانتظار استكمال الاتصالات مع الاميركيين كي يبنى على «الشيء مقتضاه»، خصوصا ان معلومات الرياض تفيد بأن المسؤول القطري اتصل بأكثر من محطة تلفزة غربية لتحديد مواعيد جديدة لظهوره الاعلامي، وقد تكون هناك اطلالة جديدة منتصف الشهر الجاري، الا اذا نجح الاميركيون في ثنيه عن ذلك او بالحد الادنى منعه من تسريب المزيد من المعلومات...
 

 «استياء» سعودي


وفي سياق متصل بالاستراتيجية السعودية حيال لبنان، اكدت اوساط سياسية مطلعة ان دعوة القائم بالاعمال السعودي وليد البخاري للبطريرك الماروني بشارة الراعي لزيارة المملكة، تأتي في سياق محاولة الامير محمد بن سلمان الترويج لسياسة الانفتاح امام الغرب، وتقديم «صورة» جديدة عن بلاده بعيدا عن «الوهابية» المتشددة. لكن من خلال هذه الدعوة يحاول اصابة «عصفورين بحجر» واحد، فالمملكة «المحبطة» من رئيس الجمهورية ميشال عون تعمل جاهدة على «عزله» ضمن «بيئته الحاضنة». وفي هذا الاطار جاءت الدعوات لسمير جعجع وسامي الجميل باعتبارهما رئيسي اكبر حزبين مسيحيين، بعد التيار الوطني الحر، لزيارة السعودية، واليوم تأتي دعوة البطريرك في هذا السياق...
ووفقا لزوار السفارة السعودية، فان المملكة تلقت بالكثير من «الاستياء» كلام رئيس الجمهورية خلال اطلالته التلفزيونية الاخيرة حيال سلاح حزب الله، واعتبرته ردا مباشرا على تغريدات وزير الدولة لشؤون الخليج تامر السبهان. وهي تعتبر ان مجرد ربط الرئيس حل مسألة سلاح حزب الله بالازمات في الشرق الاوسط، يعتبر «رسالة» سلبية الى المملكة ودعوة لاقفال النقاش حول هذه المسألة داخليا ومع اي طرف خارجي. وهذا يعني بشكل واضح، ان اولوية عون تبقى التمسك بتفاهمه مع حزب الله. وهو يبدو انه غير معني بالوقوف عند «خاطر» المملكة في هذه المسألة. ومن الواضح ايضا ان الضغوط التي مورست عليه منذ مقاطعته، لم تثنه عن تمسكه بمواقفه...
وفي هذا السياق، أبلغت القيادة السعودية الحريري، انها ليست في صدد الانفتاح على رئيس الجمهورية، ما دام انه اختار «طريقه» ومتمسك بعلاقته مع حزب الله، ما يعني ان «الفيتو» عليه ما يزال قائما، لكن ترك السعوديين لرئيس الحكومة تقدير الموقف ازاء علاقته مع بعبدا بما ينسجم مع مصالحه. وقد اكدت اوساط في تيار المستقبل، ان الحريري متمسك بالتسوية الرئاسية، ولا يزال مقتنعا انها السبيل الوحيد لتأمين الاستقرار الداخلي، على الرغم من الخلاف الجوهري مع الرئيس عون في مقاربته لسلاح حزب الله. ويبدو ان السعوديين لا يزالون مقتنعين بأن استراتيجية «ربط النزاع» لا تزال صالحة اقله في المدى المنظور، وقد ابلغهم الحريري انه لا مصلحة في الخروج عن التفاهمات قبل الانتخابات النيابية المقبلة...
 

 مجلس الوزراء


في هذا الوقت، انعقد مجلس الوزراء في جلسة عادية في القصر الحكومي، حيث حرص رئيس الحكومة سعد الحريري على اطلاع الوزراء على نتائج زيارته الى السعودية، مؤكدا حرص المملكة على استقرار الساحة اللبنانية... وقد اثار وزراء القوات اللبنانية خلال الجلسة نقاشا وصفته اوساط وزارية في 8 آذار بأنه مجرد «مزايدات»، حول مسألة تقديم السفير اللبناني الجديد في سوريا اوراق اعتماده الى الرئيس السوري بشار الاسد... وبعد ان اقر تبديل سفيري الارجنتين والفاتيكان، شهدت الجلسة نقاشا بين وزير الداخلية نهاد المشتوق ووزير الخارجية جبران باسيل، بعد ان اثنى عدد من الوزراء على قرار الاول السماح للبلديات بمنح رخص بناء لا تتجاوز الـ150 متراً دون الحاجة الى الرجوع للتنظـيم المدني.
 وقد سجل الوزير جبران باسيل اعتراضه على القرار، باعتباره غير قانوني ويحتاج الى تعديل قانون البناء، فرد عليه وزير الداخلية بان التيار الوطني الحر وحده هو من يعارض القرار، وقد حسم الجدل بتاليف لجنة وزارية لدراسة هذا الملف. وقد جمع الرئيس الحريري وزيري الداخلية والخارجية على مادبة غداء مع عدد آخر من الوزراء لـ«غسل» القلوب،  بعد سلسلة مواقف متشنجة بينهما، واتفق على ادارة الخلافات دون اللجوء الى التصعيد في المواقف...