رسمياً، أعلن وزير الخارجية جبران باسيل وفاة إعلان النوايا، ودفن الشعار الذي رفعه كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية "أوعا خيّك"، مستنبطاً بدلاً منه معادلة جديدة هي "أوعا حالك". لم يكن إعلان النوايا بحاجة سوى إلى اعتراف باسيل بعدم الاعتراف به. كل مسار وزراء التيار ومسؤوليه يدلّ على ذلك، مقابل مجاملات قواتية تصرّ على الحرص على إعلان النوايا و"أوعا خيك"، حتى نكر باسيل هذا الإعلان قبل صياح الديك.
اللافت أن باسيل اختار توقيت إعلان وفاة إعلان النوايا في الذكرى الأولى لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. وكأنه كان ينتظر مناسبة ملائمة للتحرّر من عبء هذا التفاهم. وهو كان مرر رسائل عدة سابقاً إلى القوات، بأن لا داعي في كل محطة أو مفصل أو عند كل استحقاق، اللجوء إلى التذكير بذلك. ولم يتوان باسيل عن وصف القواتيين بأنهم يتصرفون كالأولاد، بدون مراعاة الأحجام السياسية، ومن خلال إصرارهم على التشارك في كل التشكيلات أو التعيينات أو المقررات. كل ما كان يسرّب بصيغة المصادر، أعلنه باسيل جهاراً، خصوصاً حين اشار إلى نية التيار التحالف مع القوات، ولكن وفق الأحجام، التي استند إليها ليطلق شعار "أوعا حالك". بمعنى أن التيار غير مستعد للتنازل لمصلحة القوات، خصوصاً في الانتخابات النيابية المقبلة.
في مقابل "أوعا حالك" سارع القواتيون إلى الردّ بشعار جديد موجّه إلى باسيل حصراً وبشكل مباشر، وهو "وعا على حالك". والواضح من السياق المقصود لهذا الشعار، أن ثمة تهديدات مبطّنة بدأت تطفو على السطح. أبرزها توعّد باسيل في خاصّيته، أي في دائرة البترون، حيث يلوّح القواتيون بأن الردّ سيكون في صناديق الاقتراع، والهدف الأساسي سيكون في معركة إسقاطه في الانتخابات النيابية، ليكون الحديث عن الأحجام والتمثيل جديّاً. ويسأل أحد القواتيين: "كيف يتحدث باسيل عن منطق الأحجام، والتمثيل، وهو الراسب في دورتين انتخابيتين في مسقط رأسه؟".
سبق السيف العذل بين "الأخوين". العلاقة بينهما هي التجسيد الواقعي لقايين وهابيل. وهذا ما سيؤدي إلى التقاء كل القوى السياسية المتناقضة في دائرة بشري زغرتا البترون الكورة، بوجه باسيل، لا سيما أن رئيس التيار الوطني الحر يخوض هذه المعركة في هذه الدائرة، وكأنها معركة رئاسة الجمهورية المقبلة. علماً أن هذه الدائرة تضم أبرز المرشحين إلى الموقع الأول في الدولة، فبالإضافة إليه، هناك الدكتور سمير جعجع، والنائب سليمان فرنجية. قبل أيام قال فرنجية إنه بفضل باسيل فقد يحصل لقاء بينه بين جعجع قبل لقائه مع الرئيس عون. وهي إشارة أساسية أيضاً على حجم التقارب بين الحزبين الخصمين، المردة والقوات، وعلى حجم التنسيق بينهما والذي سينعكس في الانتخابات المقبلة.
بهدوء تحاول القوات الردّ على ما يفعله باسيل أو ينطق به. قبل أيام، وخلال زيارة باسيل الشوف، كان وزراء القوات، وخصوصاً وزيرا الصحة والشؤون الاجتماعية، في احتفال لتعزيز الخدمات الصحية والاجتماعية في قضائي الشوف وعاليه. وهي إشارة إلى الدخول القواتي إلى الجبل بقوة من بوابة الخدمات. وهنا، لا يمكن فصل توقيت هذا التحرّك، الذي جاء قبل ساعات على زيارة باسيل إلى الشوف، وفهم على أنه قطع الطريق مسبقاً وبشكل عملي وخدماتي على باسيل، لا سيما أن القوات تعتبر أن المسيحيين في الجبل وغير الجبل لا يريدون خطابات تصعيدية، بقدر ما يريدون إنماء وخدمات لتثبيت وجودهم في أراضيهم.
حال النقمة على باسيل تتزايد، ليس لدى القوى المسيحية فحسب، بل تتسلل إلى داخل التيار. وهذا ما ظهر من خلال تقديم كثير من الناشطين أو من هيئات المناطق استقالاتهم، احتجاجاً على تصرفات باسيل. وهذا ما سيؤدي إلى إنعكاسات سلبية على التيار انتخابياً.