برَز تطوّرٌ لافت في الساعات الأربع والعشرين الماضية، تَمثّلَ بدخول إسرائيلي مباشَر على الأجواء اللبنانية والسورية، وتجلّى في ما كشَف عن توجّهِ إسرائيل إلى بناء جدارٍ على الحدود مع لبنان، وهو إجراء ينطوي على مخاطر من محاولةٍ إسرائيلية لخرقِ الخطّ الأزرق والاعتداءِ على النقاط التي يتحفّظ عنها لبنان على هذا الخط، ما قد يَدفع الأوضاع الى التوتّر على الحدود. وهو ما حذّرَ منه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك من الاعتداءات والاستهدافات الإسرائيلية المنظّمة للسيادة اللبنانية، وعلى مقام النبي إبراهيم في مزارع شبعا. وتجلّى أيضاً في غارةٍ ليلاً على مواقع في الجانب السوري. حيث أثارت هذه الغارة علاماتِ استفهام حول توقيتِها، خصوصاً لجهةِ تزامنِها مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران. وأكّدت وسائل الإعلام الإسرئيلية حصولَ الغارة، وتحدّثت «القناة العاشرة» أنّها استهدفَت مصنعاً للأسلحة غربي مدينة حمص، فيما ذكرَت قناة i24news arabic الاسرائيلية نقلاً عن مصادر أنّ الطائرات استهدفَت هدفاً لـ«حزب الله» على الحدود اللبنانية السورية. وفي المقابل تحدّثَت معلومات إعلامية من سوريا أنّ الطائرات الإسرائيلية أطلقَت صواريخَها من الأجواء اللبنانية واستهدفَت مصنعاً للنحاسيّات في المدينة الصناعية في حسيا بريف حمص الجنوبي، مشيرةً إلى أنّ الجيش السوري تصدّى للطائرات المغيرة وأطلقَ في اتّجاهها صواريخ أرض جو، انفجَر أحدها في الأجواء القريبة من الحدود مع لبنان، وسُمِع دويُّه في أجواء قرى قضاء بعلبك، وسبَق ذلك تحليقٌ مكثّف للطائرات الحربية على علوٍّ منخفض في أجواء تلك المنطقة.
وفي سياقٍ سعودي بارز، تلقّى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي دعوة لزيارة السعودية، للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

نقلها اليه القائم بأعمال السفارة في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري الذي أشار الى حصولها خلال الأسابيع المقبلة، واصفاً إيّاها بالتاريخية ومن أهم الزيارات الرسمية.

وقالت مصادر بكركي لـ«الجمهورية»: «انّ زيارة الراعي الى المملكة تختلف بالشكل والمضمون عن زيارة الشخصيات السياسية، حيث لا رابط بينهما، ولقاء الملك سلمان يفتح حواراً جدياً بين البطريركية المارونية والرياض».

وكشفت أن «الراعي سيبحث مع الملك عدة مواضيع متعلقة بجعل لبنان مركزاً لحوار الأديان والحضارات، والعلاقات اللبنانية - السعودية، والمارونية - السعودية، إضافة الى المواضيع العامة من دون الدخول في التفاصيل السياسية الضيقة». (تفاصيل ص 5)

مجلس المطارنة

من جهة ثانية، كان مُلفتاً تجاهل بيان المطارنة الموارنة الذي انعقد برئاسة البطريرك، السنة الأولى للعهد، بل توجيهه انتقادات للملفات المُثارة، وقال «يطفو على السطح مجدداً موضوع الفساد والمحاصَصة، التي لم تعُد تكتفي بأن تكون طائفية، بل أصبحت اليوم تحَزّبية بامتياز.

ممّا يكشف عن خطر كبير ينمّ عن نقص في الولاء للدولة والدستور والقوانين، هو أشبَه بعودة مقنّعة إلى زمن الدويلات». كما تخوّف «من تطيير الانتخابات النيابية، وفرض الضرائب وإقرار الموازنة من دون قطع حساب».

لجنة الانتخابات

داخلياً، سجّلت الساعات الماضية انخفاضاً في منسوب إرباك المشهد الداخلي الذي ولّدته التغريدات الهجومية للوزير السعودي ثامر السبهان في ظل تطمينات وردت من السعودية، ونقل جانباً منها رئيس الحكومة سعد الحريري، تؤكد الحرص على استقرار لبنان.

وفيما يُنتظر انعقاد لجنة قانون الانتخاب برئاسة الحريري في الساعات المقبلة، قالت مصادر اللجنة لـ«الجمهورية»: «أصبحنا في سباق مع الوقت، ولم يعد المجال يسمح للمماطلة وتضييع المزيد من الوقت». واشارت الى انّ عقدة البطاقة «البيومترية» ما زالت مستعصية، ولا سيما لجهة رفض التلزيم بالتراضي الذي تريده وزارة الداخلية.

وقالت: «هذا الامر انتهى، ولم يلق المشروع المُحال من الحكومة لتغطية كلفة البيومترية ( 202 مليار ليرة) قبولاً في اللجنة المالية، كما لن يجد له سبيلاً لأن يمرّ في مجلس النواب، ولذلك ما على الحكومة الّا أن تُبادر الى سحبه.

واذا كانت «البيومترية» عالقة امام رفض التلزيم بالتراضي، والاصرار على إحالة الامر الى مناقصة وفق الاصول، فإنّ الامر الاكثر تعقيداً يتمثّل في التسجيل المسبق، الذي ما زال محلّ جدال وأخذٍ ورد في اللجنة.

وقالت المصادر: «انّ ثمة قبولاً شبه كامل في اللجنة على التسجيل المسبق للانتخابات في اماكن السكن، في مقابل اعتراض «التيار الوطني الحر» ممثلاً بالوزير جبران باسيل الذي لم يقدّم ايّ سبب مُقنع لهذا الرفض».

وقال احد الوزراء لـ«الجمهورية»: «رفض التسجيل كان في البداية مجرد مكابرة، وتحوّل حالياً موقفاً سياسياً، وأعتقد انّ الامور ستنحو في نهاية الامر نحو التراجع عن الرفض بما يتيح الانتخاب في مكان السكن، واذا لم يتم التراجع فالأمر سهل، فالقانون يحدد آلية واضحة في المادة 95 منه، بحيث يمكن العودة الى الانتخاب في مكان القيد ببطاقة الهوية او جواز السفر. وفي كل الاحوال ليست هناك اي عقبة او موانع امام إجراء الانتخابات في موعدها المحدد».

بواخر الكهرباء

وفي وقتٍ انصبّ الاهتمام على ما يثار من صفقات وهدر لملايين الدولارات في قطاعات خدماتية كبرى، سواء في ملف بواخر الكهرباء الذي أحيل التقرير بسقوطه الاخير في ادارة المناقصات الى رئاسة الحكومة، او في ملف الاتصالات والتلزيمات التي اثيرت حولها الشبهة، والمرشح لمزيد من السخونة مع خضوعه لاسئلة لجنة الاعلام والاتصالات النيابية الاسبوع المقبل، في هذا الوقت، أبحرت بواخر الكهرباء مجدداً امس، من ادارة المناقصات التي أسقطت بالأمس محاولة لتمريرها من جديد، نحو الحكومة.

وعلمت «الجمهورية» انّ فشل المحاولة تجلّى في إسقاط الشركات التي منحت أسبوعاً لاستكمال مستنداتها، وقدّمت هذه المستندات الى اللجنة قبل يومين، وتبيّن خلال اجتماع لجنة التلزيم التي عيّنتها الادارة، انّ الشركات الثلاث غير مستوفية للشروط المحددة في دفتر شروط الصفقة، حيث تبيّن انّ واحدة من الشركات الثلاث قدمت على المناقصة من دون تأمين مالي، بناء على ذلك اعتبرت اللجنة هذا الأمر عرضاً غير جدي، وامّا الشركتان الأخريان فتبين انّ المهلة غير كافية لهما لاستكمال كل المستندات وكذلك محاولة بناء تحالفات مع شركات اخرى لدخول المناقصة، وربما لو كانت المهلة كافية لأمكن لهاتين الشركتين ان تستوفيا كل المستندات، فيما بقي العارض الوحيد المتمثّل بالشركة التركية (كارادينيز).

وقالت مصادر وزارية معارضة لصفقة البواخر لـ«الجمهورية»: «حسناً فعلت ادارة المناقصات، وسننتظر ما ستقرره الحكومة حول ملف البواخر، الّا انّ ما نخشاه هو ان يحمي منطق المحاصصة كل الثغرات القانونية والمخالفات التي تعتري هذه الصفقة، ويذهبون بالامر الى «التراضي» مع العارض الوحيد المتمثّل بالشركة التركية، التي يدرك الجميع انّ دفتر الشروط مفَصّل على مقاسها.

ويمكن وصفه بالعجيب الغريب، لا منطق فيه ولا علم، بل يتضمن مجموعة كبيرة من التناقضات والثغرات الكبرى ليس أقلها بند جزائي يلزم الدولة ان تدفع الاموال للمتعهّد تحت طائلة فسخه هو للعقد والمطالبة بغرامات، خلافاً لقانون الاصول التي تؤكد انّ الادارة هي التي تفسخ العقد وليس المتعهد».

العليّة

وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس إدارة المناقصات جان العليّة أعدَّ تقريرَه وأحال التقرير الى الامانة العامة لمجلس الوزراء، على ان يسلّم الى الحريري والوزراء أعضاء اللجنة الوزارية المعنية بهذا الملف.

وتَكتّمَ العلية على مضمون التقرير وقال لـ«الجمهورية»: «ما أتمنّاه هو الّا يعود هذا الملف الى دائرة المناقصات، لانه اصبح ابعد ما يكون عن مناقصة». مضيفاً: «المسار الذي يسلكه منذ شهر ايار كان يمكن خلاله ان يُبنى معمل، كما انّه لو أعدّت مناقصة طبيعية، وتقدّمت عروض بشكل طبيعي لمَا كنّا بحاجة الى استكمال مستندات او ايّ شيء آخر، بل كان «رِكِب عِنّا معمل».

ولفت الى انّ هذه الطريقة التي يقارَب فيها هذا الملف، لن توصِل الى نتيجة، و»المناقصات» لن تقدم ابداً على تجاوز القانون والاصول، ولن يمرَّ عبرها ايّ امرٍ غلط وخلافاً للقانون والاصول، هذا لن يحصل، واذا كان سيُطلب مجدداً من ادارة المناقصات ان تقارب هذا الملف وفق الشروط المرتبطة به، فأقول بكلّ ثقة انّنا سنصل الى ايار المقبل ولن يكون عندنا عروض، فإذا كانت المستندات الادارية قد ابرزت وجود ثغرات ومشكلات كبيرة فيها، ففي المستندات التقنية هناك مشاكل أكبر».

المشنوق
في موازاة ذلك، يبدو انّ الامور نَحت في اتجاه السخونة الشديدة على مثلّث «التيار الوطني الحر» وتيار»المستقبل» و»القوات اللبنانية»، تجلّى ذلك في القصف السياسي العنيف على باسيل. وكان لافتاً ردّ قاسٍ لوزير الداخلية نهاد المشنوق على ما أورده باسيل في مقابلته المتلفزة ذَكّره فيه بقول جبران خليل جبران: «الحقّ يحتاج إلى رَجلين، رَجل ينطق به، ورَجل يفهمه». مضيفاً: «بات معروفاً من هو الرجل الأوّل، بينما البحث لا يزال جارياً عن الرجل الثاني».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ همَّها الأساس في هذه المرحلة وكلّ مرحلة يَكمن في تحقيق السيادة وتثبيت شرعية الدولة على كلّ التراب اللبناني، والخلاف الذي تَظهّر مع الوزير جبران باسيل اخيراً مَردُّه خشية «القوات» من التماهي الرسمي مع «حزب الله» الذي يضرّ بلبنان ويقود إلى عزلته، الأمر الذي لا يمكن لـ»القوات» ان تقف مكتوفة اليدين حياله.

وأمّا الأمر الآخر الذي يشغل بالَ «القوات» وهمّها فيكمن أيضاً في منسوب الفساد غير المسبوق والتصدّي الشكلي أو أقلّه العشوائي لهذه الآفة الكارثية على بنية الدولة ومصلحة الشعب اللبناني، فيما يجب الالتزام بمعايير واضحة ترتكز على الدستور والقوانين المرعية.

ولجهة التعيينات فمشكلة «القوات» هي في الطريقة المتّبَعة التي لا تأخذ في الاعتبار الجدارة والكفاءة، إنما تتمّ حصراً على قاعدة المحسوبيات السياسية.

وأمّا المؤسف فهو الكلام عن الأحجام في ظل قانون انتخاب سابق أدّى إلى الخلل في التمثيل الوطني وكان وراء سَعي «القوات» المُستميت لاستبداله بقانون جديد، علماً انّ كلّ الاستطلاعات تُظهر بوضوح حجم كل فريق، ويكفي استعراض نتائج الانتخابات الطالبية الأخيرة وفي السنوات السابقة لتبيان الأحجام الحقيقية، ولا شكّ في انّنا كنّا بغِنى عن تلك المقارنات، إلّا أنّ تكرارَ البعضِ هذا الكلام دفعَنا إلى الكلام لوضعِه عند حَدّه.