لم تعد الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية تقتصر على خروق طائرات الاستطلاع. أكثر من خطوة استفزازية تقوم بها إسرائيل تجاه لبنان، وتجاه حزب الله بالتحديد. خطّ الخروق الاستطلاعية يتوسّع منذ فترة، وتزايد منسوب الخروق، وشمل مناطق لم يكن يشملها في السابق. على ثلاثة خطوط أساسية تتركز الخروق الإسرائيلية، إذ تنطلق طائرات الاستطلاع من نقاط محددة للتوغل في الأجواء اللبنانية شمالاً وبقاعاً. فمن الناقورة، تتجه طائرات الاستطلاع إلى أجواء رياق، بعلبك وصولاً إلى الهرمل. ومن بلدة رميش في اتجاه كل القرى الجنوبية، وصولاً إلى البقاع الغربي. ومن كفركلا إلى طرابلس.

عمليات الاستطلاع تمتد على مدار الساعة. إذا ما قورنت نسبة التوقيت لكل طائرة استطلاع، فتكون هذه الطائرات مغطية الأجواء اللبنانية طوال اليوم. وتشمل كل المناطق اللبنانية، مع تركيز على السلسلة الشرقية، من البقاع الغربي إلى البقاع الشمالي. هذه المنطقة التي تشكّل عامل أرق لإسرائيل، خوفاً من تحركات حزب الله في سوريا، وخوفاً من حركة نقل الأسلحة الكاسرة للتوازن.

وبموازاة الخروق الجوية، ثمة خروق بحرية متزامنة، من خلال الزوارق، التي لا تضطّلع بمهمات استطلاعية واستخبارية فحسب، بل تعمل على التشويش على الاتصالات وأجهزة الإرسال في المناطق الجنوبية. وتشير بعض المعطيات إلى أن المناطق الحدودية، والمقابلة للمستعمرات الإسرائيلية، تتعرض منذ فترة لعمليات تشويش تطاول شبكة الهاتف الخلوي. وهناك عمليات تشويش على الإذاعات والقنوات اللبنانية. ويصل هذا التشويش أحياناً إلى مناطق في عمق الداخل اللبناني، إلى صيدا. وهذه العمليات تتزايد بسبب الرادارات وأجهزة التنصت التي عمل الإسرائيليون على تثبيتها حديثاً فوق تلال مشرفة على الأراضي اللبنانية. وهو ما يؤثر سلباً على الاتصالات الخلوية وشبكة الإنترنت والأجهزة اللاسلكية.

ومن الخطوات الاستفزازية الإسرائيلية الجديدة، تنظيم مسيرة لليهود المتطرفين إلى مزارع شبعا، حيث صلّوا تحت عنوان أن هذه الأرض لهم. وكان واضحاً السياق الاستفزازي لهذه الخطوة، إذ إنها المرة الأولى التي يدخل مدنيون هذه المناطق العسكرية المقفلة، وكانوا قد تعمّدوا الإشارة إلى الإنجاز الذي حققوه بأداء الصلاة على تلال متاخمة للحدود اللبنانية الحالية ووجود حزب الله. والمراد من ذلك توجيه رسالة ضد الحزب واستفزازه أو استدراجه إلى اشتباك. وقد تجلّى ذلك من خلال تأكيد هؤلاء أن هذه المنطقة لهم، في مواجهة مباشرة لمنطق حزب الله الذي يؤكد باستمرار سعيه إلى تحرير مزارع شبعا اللبنانية.

قد تهدف هذه الخطوات إلى التحضير لحرب، أو على الأقل تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لأي احتمال بإندلاع اشتباكات بين الطرفين تتطور إلى معركة أو إلى حرب مفتوحة. فيما هناك من يعتبر أن من يريد شنّ الحرب لا يلجأ إلى هذه الاستعراضات، بل يترك الأمر لعامل المفاجأة. ووسط تحليلات متعددة تتناول هذه المسألة، لا شك أن الطرفين يتخذان أقصى درجات الاستنفار. فحزب الله يعلن الاستعداد الكامل لأي احتمال، ويؤكد أن الجبهة مرصودة، ومقاتليه جاهزون.

ما يعزز الخوف من احتمالات التصعيد، هو الجو السياسي الدولي والإقليمي الضاغط على حزب الله. وقد بدأ بسلسلة عقوبات ضد الحزب والحرس الثوري الإيراني. ويستمرّ سياسياً وإعلامياً في واشنطن تحديداً. وبعد سلسلة لقاءات عقدت، كان أبرزها زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، وزيارة وزير الدفاع الروسي إلى إسرائيل، وما تسرّب من أجواء عن استعداد لمواجهة إيران وتحجيم نفوذها وإضعاف حلفائها. وهذا ما لا يمكن فصله عن كلام الوزير السعودي ثامر السبهان، الذي اعتبر أن من يرى في تغريداته موقفاً شخصياً فهو واهم، والأيام المقبلة ستكون مذهلة. فيما هناك من يرى إمكانية استهداف التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب حزب الله، استناداً إلى تصنيفه من جانب واشنطن والرياض تنظيماً إرهابياً.

لا شك أن التصعيد والتلويح بالحرب، يكون له في الأساس هدف رادع، وإذا ما حقق مبتغاه، تنتفي أسباب الحرب. وهذا ما يضع الكرة في ملعب الحزب وإيران والحرس الثوري. لإسرائيل أهداف محددة من هذه الحرب، وليست ربما كما يريد بعض العرب وفق توصيف السبهان، "بتطيير حزب الله". بالتالي، فإن ما سيُبعد إندلاع هذه الحرب أو المواجهة، هو خطوات إيرانية تعيد الأمور إلى طاولة الحوار، وسحب فتيل الاشتعال ميدانياً.