يفتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ملف مستقبل سوريا على طاولة الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارته إلى طهران اليوم الأربعاء.
وتسعى موسكو بدعم أميركي إلى حلّ العقدة الإيرانية في رسم مستقبل سوريا وتضييق هامش النفوذ الذي تتمتع به طهران.
وتودّ روسيا الانتقال إلى أفكار خلاقة تثبّت هيمنتها على الإمساك بالملف السوري في ظل الحضور الأميركي الذي بات متقدما في الميدان السوري.
وحسب ما صدر عن الكرملين فإن الرئيس الروسي سيجري اليوم الأربعاء في إيران محادثات مع نظيريه الإيراني حسن روحاني والأذربيجاني إلهام علييف.
وقال الكرملين في بيان، إن القادة الثلاثة سيلتقون معاً، موضحاً أن الرئيس ينوي إجراء محادثات أيضاً مع نظيريه على هامش هذه القمة الثلاثية.
وتكشف مصادر روسية مطلعة أن القيادة الروسية ناقشت في الأسابيع الأخيرة الخيارات الجديدة المتاحة أمام موسكو في ظل الموقف الأميركي الجديد من النفوذ الإيراني في كل المنطقة.
وقالت هذه المصادر إن الطرف الروسي تلقى إشارات أميركية مباشرة تطلب من موسكو أن تنخرط في الجهود الأميركية المعلنة في مواجهة إيران، لا سيما في مسألة النفوذ الذي تمارسه طهران وميليشياتها التابعة في الداخل السوري والذي من شأنه أن يعطل أيّ تسويات دولية محتملة.
وتؤكد مراجع دبلوماسية أميركية على أنه رغم الضجيج المتعلق بتورط روسي محتمل في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن تعتبر أن اتفاقا روسيا أميركيا يمكن أن يمهّد السبيل لبناء تسوية جادة في سوريا.
ورغم أن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال إن بوتين سيناقش التعاون في مجال الطاقة مع روحاني ومع المرشد الإيراني علي خامنئي، غير أنه نوّه خلال مؤتمر عبر الهاتف مع صحافيين أنه "ستكون هناك قضايا متعلقة بسوريا على جدول أعمال المحادثات الثنائية الروسية الإيرانية"، بما يؤكد تكهنات المراقبين من أن نقاش الشأن السوري سيكون أساسيا على أجندة المحادثات.
ويقول خبراء في الشؤون الاستراتيجية إن بوتين يدرك تناقض الأجندة الروسية مع تلك الإيرانية في سوريا، لكنه غير مستعدّ لإبعاد بلاده عن إيران والمخاطرة في الاتساق مع استراتيجية أميركية لا تحظى أساسا بقبول حلفاء الولايات المتحدة في العالم.
ويضيف هؤلاء أن موسكو تعوّل على تحالفها مع طهران في ملفات عديدة في المنطقة، وأن التطوّر اللافت لعلاقات روسيا مع العراق، لا سيما في مجال الطاقة، لا يمكن إلا أن يتأسس على علاقة متينة مع الشريك الإيراني.
وينقل عن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن عواصم الاتحاد تتفهم ما للملف السوري من أهمية كبرى في الاستراتيجية الروسية في العالم أجمع.
وقال أحد كبار موظفي المفوضية الأوروبية في بروكسل إن المحادثات التي تجريها موسكو مع الأوروبيين والأطلسيين حول مسائل عديدة، لا سيما مسألة أوكرانيا، تستند في قوتها على ما حققته روسيا في سوريا منذ تدخلها العسكري في سبتمبر من عام 2015.
وأضاف أن "روسيا باتت محدودة الخيارات في مسألة الانتقال إلى الحل النهائي في سوريا وأنها تحتاج من أجل ذلك إلى مؤازرة أوروبا والولايات المتحدة".
ويرتهن ملف إعادة إعمار سوريا بالتدفق المالي الغربي الذي لن يظهر إلا بناء على خارطة طريق سورية تحظى بإجماع السوريين كما دول العالم والإقليم المعنية بالشأن السوري.
ويرى معلقون في موسكو أن بوتين سيحاول في طهران إيجاد طريق ثالث يضمن لإيران حدا مقبولا من المصالح بما لا يتعارض مع المزاج الدولي الراهن.
ويضيف هؤلاء أن الرئيس الروسي سيستند إلى الشراكة الإيرانية في عملية أستانة لإقناع طهران بتفويضه وتفويض روسيا لبحث مسألة الحل السوري بما يضمن مصالح إيران في سوريا.
ويرى مصدر دبلوماسي روسي أن اتجاه موسكو لعقد مؤتمر "شعوب سوريا" خلال شهر نوفمبر الجاري يأخذ بالاعتبار الحساسية الإيرانية لجهة توفير سبيل قد يكون بديلا عن ذلك في جنيف، وبالتالي يؤمّن لطهران موطئ قدم في أيّ تسوية تخرج عن هذا المؤتمر في ظل غيابها عن أيّ فعل لافت في جنيف.
وتكشف مصادر قريبة من المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أن روسيا تعتبر حلفها مع إيران ورقة تستقوي بها في أيّ تسوية مقبلة في سوريا، وأن العواصم الغربية لم تقدم أيّ مقاربة خلاقة جديدة تدفع رجل الكرملين لتبديل خياراته وقلب أولوياته الاستراتيجية في المنطقة.
وتؤكد بعض المراجع الروسية أن بوتين سيتحصّن في زيارته لإيران بالاستراتيجية الأميركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران.
وترى هذه المراجع أن خيارات واشنطن الجديدة والمجمع عليها من قبل كافة المؤسسات الأمنية والتشريعية والسياسية الأميركية لمواجهة إيران تقوّي، للمفارقة، من موقف بوتين في طهران وتجعله أقوى على إقناع الطرف الإيراني باعتماد الخيارات الروسية في سوريا بصفتها خيارات محصّنة للموقف الإيراني في العالم.