أخيراً، توجه رئيس الحكومة سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية، بعد أكثر من تأجيل حال دون إتمام الزيارة. الواضح من سياق برنامج الحريري، أن الزيارة لم تكن على جدول مواعيده وأعماله، وهو كان قد حدد جلسة للجنة الوزارية المكلفة البحث في تفاصيل قانون الانتخاب، بالإضافة إلى تحديده مواعيد أخرى، ما لبث أن لجأ صباح الاثنين إلى إلغائها من دون توضيح الأسباب. وبعد ذلك بساعات وزع مكتبه الإعلامي بياناً بأنه توجه إلى السعودية في زيارة عمل. تدلّ طريقة السفر إلى أن الحريري استدعي على عجل، أو تم تحديد موعد معجّل له، إذ من المفترض أن يلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لبحث آخر تطورات الوضع في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.
تتزامن الزيارة مع تصعيد سعودي مستمر تجاه لبنان والحكومة التي يرأسها الحريري، بسبب عدم القدرة على مواجهة حزب الله ووضع حدّ له في الهجوم المستمر الذي يشنه على السعودية. وتتزامن مع سيل من التغريدات التي يطلقها الوزير ثامر السبهان، والتي ينتقد فيها حزب الله، ويتوعّده بالمحاسبة على خلفية النشاطات التخريبية التي يقوم بها. وصولاً إلى حدّ تخيير اللبنانيين بين أن يكونوا مع الحزب أو ضده.
وتلفت مصادر متابعة إلى أن الحريري سيتبلغ من المسؤولين السعودية ضرورة الوقف موقف حازم ضد سياسة حزب الله وإيران، لأن هناك قراراً خليجياً أميركياً يهدف إلى مواجهة إيران وتوسعها في المنطقة، بالإضافة إلى توجيه ضربات إلى حلفائها وعلى رأسهم حزب الله. مع الإشارة إلى أن هذا المسار بدأ من خلال العقوبات، من دون إغفال إمكانية أن يتطور ذلك إلى مواجهة عسكرية موضعية، أو توجيه ضربات متفرقة ضد حلفاء إيران لإبعادهم من بعض المناطق السورية.
لا شك أن الانزعاج السعودي من مواقف لبنان الرسمي، سواء أكان على صعيد رئاسة الجمهورية أم على صعيد الحكومة، أصبح واضحاً. فالسعودية تعتبر أن التسوية التي أربمت قد فشلت، طالما أن لبنان لم يستطع اتخاذ موقف حيادي من الأزمات الإقليمية، بل أظهر ميلاً نحو إيران وسلاح حزب الله. وهذا ما تجلى في نشاطي رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل. بالتالي، فإن مضمون الكلام مع الحريري قد يحتوي على رسائل تحذيرية من إمكانية تطور هذه المواقف ووصولها إلى حدّ اتخاذ إجراءات بحق لبنان ككل، وليس حزب الله وبعض حلفائه فحسب.
إلا أن الحريري قدّم مطالعة ووجهة نظر واقعية وموضوعية بشأن الوضع في لبنان، معتبراً أن لبنان قائم على التوازن السياسي بين محورين أساسيين، حلفاء السعودية من جهة، وخصومها، أي حلفاء إيران، من جهة أخرى. وهذا التوازن موجود في مجلسي النواب والوزراء. ويرى الحريري أن أي محاولة لإحداث اختلال في هذا التوازن، ربما يؤدي إلى تطورات خطيرة، قد يضطر حزب الله بموجبها إلى القيام بخطوة مشابهة للخطوة التي اتخذها في أيار 2008. وحينها، سيتم إسقاط حكومته مقابل تشكيل الحزب حكومة أخرى برئاسة أحد حلفائه. وبذلك يكون الحريري قد أصبح خارج السلطة، وتغدو السعودية غير مؤثرة في السياسة اللبنانية.
تعلم السعودية جيداً هذه الحسابات، وهي لا تريد فرط التسوية، ولا التضحية بالحريري أو بلبنان، بل لطالما يسمع الحريري تأكيدات سعودية بأنه لن يتم التخلي عنه وعن التحالف معه، ولكن المطلوب هو تصويب مسار السياسة العامة للبنان، وعدم الاستسلام أمام حزب الله أو تسليم لبنان لإيران، مع إتخاذ مواقف رسمية واضحة لجهة دعم الدول العربية، في مواجهة إيران. بمعنى أن المطلوب هو تصويب السياسة الخارجية وإعادة تصحيح ما اختلّ في الأشهر الماضية. وهذا ما سيبدأ في زيارات أخرى قد تحصل إلى الرياض، وربما من خلال تواصل مباشر مع رئاسة الجمهورية.
كذلك، فإن الاهتمام السعودي في هذه المرحلة يتركز على التحضير للانتخابات النيابية، التي توليها السعودية أهمية قصوى، إذ تكرر الموقف الثابت لديها بوجوب عدم حصول حزب الله على الأكثرية النيابية، بالإضافة إلى الطلب من الحريري عدم التحالف مع الحزب أو مع التيار الوطني الحر في الانتخابات، لضمان فوز حلفائها وحلفائه، أي قوى 14 آذار. مع تفهم بعض التحالفات التي قد يجريها الحريري في بعض الدوائر وتشذ عن القاعدة، لكنها تكون ضرورة له لتوفير الفوز.