غريبة هي ظروف إستشهاد الشاب حسن شمص، غريبة حتى في بلد الغرائب، في بلد الإهمال والفساد وإنحياز القضاء وغياب المحاسبة وتفشي الإهمال، غريبة في بلد كل ما فيه يشعرك بأنك تمشي على رأسك لا على قدميك، وأنك يوميا تتقدم إلى الخلف فتصعد نزولا، وتهبط إلى ما تحت الهاوية .
وفي ظل كل ما نحن فيه وعليه، قد يكون خبر عادي أن يقتل شاب في مقتبل العمر لا ذنب له إلا أنه يمشي على جنب الطريق هادئا مطمئنا كاطمئنان قلبه، لا يلتفت إلى صخب هنا أو ضجيج هناك، ولا يعنيه ما يدور من حوله إلا لتوزيع بسماته الطفولية المملؤة بالبراءة والحياة والحب الطالع من قلبه ومن عينية الجميلتين .
في ظل كل ما نحن فيه، والغابة التي نعيش بها، نعلم أن يد الغدر قد تصيب هذا الملاك ولن يكون في منأى عن رصاصة طائشة من سلاح بيد مجرم يتباها بإجرامه، أو أن يصاب بشظية إنفجار عبوة زرعها في حيه الشعبي مجرم إرهابي، أو خطأ طبي من هنا أو حتى في إشكال " فردي " لا ناقة له فيها ولا جمل من هناك، فأسباب الموت المجاني في وطني يأتينا من حيث لا نحتسب من بين أيدينا ومن خلفنا ومن أمامنا ومن فوقنا ومن تحتنا.
كل هذا معلوم معروف، وأظن بأن القارئ العزيز لا يعتبر حتى الآن أنني أزيد على معرفته ومعلوماته شيئا مذكورا، وهذا صحيح، فما بالك يا عزيزي بأن تعلم أن الشهيد الشاب حسن نايف شمص قد قتل مظلوما على يد مؤسسة قد أنشأت أصلا لإنقاذ المصاب والمجروح، على يد مديرية الدفاع المدني.
إقرأ أيضا : قراءة الأحداث عاطفيا
صدّق بأن سيارة من سيارات الدفاع المدني التابعة لهذه المؤسسة الرسمية هي التي أوقفت قلب الشاب ابن التاسعة والعشرون ربيعا حسن شمص، في حادث دهس مؤسف في يوم مشؤوم من أيام تموز 2005 ، أي منذ اثنتا عشرة عاما، بالية تابعة لها يقودها طائش لا رخصة معه ولا إحساس بالمسؤولية .
مناسبة إستحضار القضية اليوم والتي لم تخفت لحظة واحدة من قلوب عائلته ومحبيه، هي أن القضاء بصدد إصدار حكمه بالقضية غدا الثلاثاء،
صحيح أنني لا أعرف الشهيد شخصيا، إلا أنني رأيته وسمعته من بين حروف أخته المفجوعة آمال، وكم كان جوابها عظيما رغم عمق الألم وغور الجرح حين سألتها ماذا تريدون أنتم أهل الشهيد من القضاء؟ وما هو الحكم الذي يمكن أن يبرد جمر جراحكم وأنين وجعكم فقالت: إن كل ما نطلبه من القضاء هو أن لا يضيع دم حسن المهدور، وأن يتحول هذا الدم الطاهر إلى سبب بأن تعود المديرية العامة للدفاع المدني إلى مؤسسة حياة لا مؤسسة موت، بأن يلزم القيمون عليها بالقوانين المرعية الإجراء .
هكذا فقط يمكن أن ينطفئ شي من نيران لوعتنا، حين يُمنع الإستهتار بقرار قضائي يحفظ دماء الناس، لأننا وفي كل يوم نشاهد آليات هذه المديرية بيننا تسير بأقصى سرعتها في مهمة إنقاذية نحسبها وكأنها أداة قتل ما لم تكن تحت وصاية أناس يملكون الأهلية المطلوبة، فضرورة الإسراع من أجل الإنقاذ لا تعطي السائق حق قتل من هم في طريقه، هكذا فقط يمكن أن نعتبر بأن دم أخي حسن الذي سقط بيد الله، وأنه ينمو ويكبر فيكون حسن شهيد وشاهد ، فهل يستجيب القضاء ؟