خطوة جديدة على مسار تطبيع العلاقات اللبنانية مع النظام السوري، خطاها أركان الدولة. قبل أكثر من أسبوعين، أرسلت الدوائر المعنية في وزارة الخارجية، اسم السفير المقترح تعيينه لدى دمشق، فجاء الجواب إيجابياً بالموافقة على تعيين سعد زخيا سفيراً للبنان في سوريا. وبعدها وقّع رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري على قرار التعيين، فيما من المفترض أن يقدم زخيا أوراق اعتماده الأسبوع المقبل.
أثارت خطوة الحريري جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية، حيث اختلط الأمر بين موقف الحريري الرسمي رئيساً للحكومة، وموقفه السياسي المعارض للنظام وللتطبيع معه.
شنّ معارضو الحريري في الشارع السنّي حملة واسعة على ما قام به، واعتبروا أنه يسعى إلى التقارب بشكل غير مباشر مع النظام السوري طمعاً في الحصول على حصة من إعادة الاعمار. ووصفوه بأنه ينحني لمسار الرياح، ولا يتخذ موقفاً مبدئياً للحفاظ على ثوابته. واعتبر هؤلاء أن قرار لبنان بتعيين سفير لدى سوريا، هو خروج على الاجماع العربي وقرارات الجامعة العربية، فيما قد تكون وجهة نظر الحريري، وفق بعض المقربين منه، ترتكز على مبدأ الخطوة الإجرائية التي تفرضها مهمات رئاسة الحكومة، لأنه لا يمكن للموقف الشخصي أن ينسحب على القرارات المتعلقة بسياسة الدولة الخارجية أو بعلاقاتها.
وتعتبر مصادر الحريري، أن ما قام به يعزز مفهوم الثوابت التي يؤمن بها، لأن ما يريده لبنان ليس قطع العلاقات مع سوريا، بغض النظر من يكون فيها على رأس الدولة، إنما الحفاظ على العلاقات الجيدة، ولكن على قاعدة الندية والعلاقات الدبلوماسية بما يحفظ سيادة البلدين ويحترم كل واحد منهما سيادة الآخر وعلاقاته وسياساته. وتذكر بالعام 2008، حين جرى توقيع إتفاقية مع دمشق، لاجل حصول تبادل دبلوماسي بين البلدين، وفتح سفارات، لافتة إلى أن هذا المطلب كان في الأساس مطلب قوى 14 آذار، لأن فتح السفارة وإطلاق العلاقات الدبلوماسية يؤديان إلى إنهاء آلية التعاطي الفوقية من جانب سوريا مع لبنان. وتعتبر المصادر أن خطوة الحريري بالتوقيع على قرار اعتماد السفير الجديد لدى سوريا تنطلق من هذا المبدأ.
لكن، وسط هذا الجدل، ثمة ملفات أخرى على صعيد العلاقة مع سوريا تتقدم أكثر فأكثر، لا سيما مسألة التنسيق في سبيل إعادة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية، وتوفير عودة آمنة لهم. وهذه لن تحصل بدون تنسيق مع النظام السوري. وهو ما برز خلال الزيارة التي أجراها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى دمشق الأسبوع الماضي، حيث عقد لقاءات مع المسؤولين السوريين، بصفته مبعوثاً رئاسياً. وقد نركّز البحث على ملفات متعددة أبرزها عودة اللاجئين، وملفات بعض الموقوفين والمفقودين اللبنانيين في سوريا.
في موازاة ذلك، فإن الحريري يخوض اتصالات مع روسيا لأجل العمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى أراض منخفضة التصعيد. وتشير المصادر إلى أن الحريري بعث برسالة إلى المسؤولين الروس متمنياً عليهم تولي هذا الامر، لتنظيم عودة اللاجئين، إذ يعتبر الحريري أن موسكو هي أفضل من يؤدي هذه المهمة، نظراً لدورها المهم على الساحة السورية، ولأنها هي التي أرست مناطق خفض التصعيد. بالتالي، فإن اللاجئين سيعودون بحمايتها.
لكن، هنا أيضاً، ثمة من يجد فرصة لتصويب الإتهامات إلى الحريري، معتبرين أن في زيارته الأخيرة إلى موسكو بحث مع المسؤولين الروس كيف بإمكانه المشاركة في إعادة إعمار سوريا. ويستند هؤلاء إلى المواقف الإيجابية للحريري تجاه روسيا، لأجل منحه حصة من إعادة الاعمار. ويربطون ذلك بمواقف الحريري داخل لبنان، لا سيما في تعزيز علاقته مع حزب الله، وفي إرسال مزيد من الإشارات الإيجابية إليه، كي يكون تأثير الحزب ومن خلفه إيران وكذلك روسيا إيجاباً على ما يريد الحريري تحقيقه في سوريا. وقد تكون تغريدة الوزير السعودي ثامر السبهان الأخيرة، التي تناول فيها الحكومة اللبنانية الصامتة عن تصرفات حزب الله، موجهة إلى الحريري حصراً وليس إلى أي طرف آخر. فيما هناك من يعتبر أن الحريري يقرأ في فنجان الوقائع المتغيرة، التي تشير تلاويحها إلى مجيئ تسوية شاملة على المنطقة.