سادت المنطقة العربية موجات متلاحقة من التطرف والتشدد، انعكست تأثيراتها على مختلف مجالات الحياة العامة للأفراد وأربكت العلاقات البينية للجماعات المتعددة، وخلقت توجسا وقلقا وانعدام ثقة بينها. التطرف الذي اصطبغ بصبغة دينية واستخدم الدين كغطاء لكل ممارساته وأنشطته، حارب كل معاني الحياة الطبيعية وحوّل المجتمعات العربية إلى جماعات متناحرة كل ضد الآخر، ووسع من دوائر الخلاف والنزاع والتوتر.
كانت دعوات الواعين من قيادات وكتاب ومثقفين مخلصين تقضي بأن دعاة التطرف يقودون مجتمعاتهم إلى الانتحار وإلى الانعزال عن العالم وتوسيع فجوة التعارف والتواصل والتعاون مع المجتمعات الأخرى، من خلال النظرة الفوقية القصيرة التي تختزل الحق والمعرفة لديهم فقط دون غيرهم.
الآن وقد انكشفت وبكل وضوح الأضرار المدمرة الناتجة عن مثل هذه التوجهات، ورأى الجميع ما نتج عن ذلك من تباعد وتنافر وصدامات داخل المجتمعات العربية وبينها وبين مجتمعات العالم. واتضح أيضا أن تيارات التشدد والتطرف لم تقدم أي مضمون حضاري لهذه المجتمعات بل ضيعت عليها فرص التبادل الثقافي والمعرفي مع حضارات العالم.
ما زلنا في حاجة ماسة إلى دراسة وحصر حجم الأضرار والخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي وقعت في مجتمعاتنا العربية بسبب سيادة هذه التوجهات المتطرفة، حتى نعرف مدى التأخر والتخلف الذي أصابنا بسببها، وتضييع الأولويات التي تعنى بتقدم وتطور المجتمعات نحو العلم والوعي.
حديث ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حول هذا الموضوع كان واضحا ومحددا، حيث أكد أننا لا ينبغي أن نضيع لحظة من عمر أجيالنا في بيئة التطرف، بل يجب القضاء على كل أشكال التطرف والعمل على تنمية الاعتدال والانفتاح على العالم.
إن نشر ثقافة الاعتدال أيضا تحتاج إلى استبعاد وتصفية وتطهير كل ما علق بالثقافة العامة من أشكال ونماذج وفقه التطرف والتشدد، والممارسات التي تعكس ذلك. وهذا هو المنتظر والمأمول حدوثه في المرحلة القادمة كي تحقق هذه المجتمعات موقعيتها ومكانتها المرموقة.
اليوم