لا يتوانى النائب علي عمار في كل موقف وحدث إشكالي يطاول "حزب الله" أو يتعلق ببيئته وجمهوره، عن الذهاب بعيداً في التشديد على نزعة القداسة المبالغ بها، والتي يبدو أن لعضو "كتلة الوفاء والمقاومة" باعاً طويلاً في تركيب وصياغة تعبيراتها ومصطلحاتها، ما يجعل تعابيره محطاً للجدل ومثاراً للسخرية والهزل في آن، وكأنما للنائب عمار قاموسه الخاص الذي يلجأ إليه متى شاء التصويب على موقف أو التصدّي لرأي مضاد.
الأحداث التي شهدتها منطقة حيّ السلّم مؤخراً، ظهر فيها مواطنون من سكان الضاحية على الإعلام، عبّروا عن نقمتهم على الإجراءات التي اتخذتها البلديات بحقهم، وصولاً الى الانتقاد العلني والقاسي لحزب الله وشتم أمينه العام، محمّلينه المسؤولية لما وصلت إليه أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ليعودوا في اليوم التالي ويظهروا عبر وسائل الاعلام نفسها متراجعين عن إفصاحهم بمكنونات صدرهم، واضعين كلامهم في سياق فورة الغضب، ومقدمين اعتذارهم من الحزب وسيّده. وذلك ضمن ما بدا حملة مبرمجة حرّكها الحزب في الضاحية بهدف تطويق ما ظهر وأنه طلائع تمرد مجتمعه عليه، بعدما كان قد قرر تجاهل ما حصل خلال اليومين الأولين، عبر وسائل إعلامه وصمت قياداته، لتأتي بعدها كلمة للنائب علي عمار، بتعابيره الأيقونية العجائبية المخاطبة للسيد حسن نصر الله، بقوله "أنا فداء لنعلك"، ومحذراً الجماهير من خلال قوله لهم "إنّ من يتطاول على عمامة كعمامة السيد نصر الله، انما يفرش الطريق امام كل العمائم"، مضيفاً "لا زلت أذكره لحظة محاولتي تقبيل حذائه الشريف، ومنعه إياي من ذلك، فلقد شعرت في تلك اللحظة، وأنا منحنٍ تحت قدميه أنني لا انتمي إلى هذا العالم الدنيوي، بل أحلق في عالم آخر هو عالم الملكوت".
كلام النائب عمار الذي يميل دوماً للمبالغة، جاء هذه المرّة كردّ على جمهور حزب الله المتململ دونما غيره، بهدف التذكير والتحذير والتغطية والتعمية على ما صدر عنهم من شتائم وانتقادات طفت على السطح للمرة الأولى، ما يُظهر ثقل ووطأة هذا النقد ومدى إصابته الحزب في الصميم، ويعبّر دونما قصد عن قوّة وقع هذه الكلمات على حزب الله وقياداته، وعن مدى استشعارهم بضرورة تطويق وحصر ووأد النقد قبل أن يصبح ظاهرة قد تستشري لتطاول كل بيئته ومؤيديه.
لكن ما غاب عن النائب عمار عدم إدراكه بأنه اختار الطريقة الأسوأ للتعامل مع هذه القضية الطارئة، ما جعل محاولته لإخراج الحزب من ورطته مطبّا وقع فيه، مستجلباً السخرية والقهقهة العالية التي ظهرت في مواقع التواصل تعليقاً ورداً على مصطلحاته وكلماته، التي قادت الساخرين للسؤال "لما الاصرار على تقبيل الأحذية يا حضرة النائب؟".
ليست المرة الاولى التي يثير فيها كلام النائب عمار موجة من التعليقات في مواقع التواصل، فأقواله المأثورة من "طهّر نيعك" للنائب السابق الياس عطالله، و"سد بوزك" للنائب خالد الضاهر، و"اخرس" للنائب أحمد فتفت وغيرها مما حفل بها سجلّه، كانت على الدوام محلّ انتقاد واستهجان واستغراب. لكنه في هذه المرة بدا أكثر استفزازاً من حيث إظهار شغفه بتقبيل الأحذية بما لا يتلائم ودوره كنائب يمثّل كرامة الشعب، ويرى في أسمى طموحاته ولوجه إلى عالم الملكوت من خلال ثقوب مسامير النعال. ولا أحد يعلم فربّما يقدّم النائب لاحقاً في أحد اقتراحات قوانينه توزيع أحذية الأسياد على المواطنين، فارضاً عليهم تقبيلها صباحاً ومساءً كنوعٍ من الخلاص من إحباطاتهم جراء واقعهم المرير، وربما كبديلٍ للمخدرات وعقاقير النشوة، علّهم ينسون حجم بلواهم ومصائبهم في هذا "العالم الدنيوي".
بتول خليل