أقرّ الكونغرس الأميركي بفارق يوم واحد عقوبات جديدة على «حزب الله» وعلى إيران. هذا الأمر الذي يدخل ضمن المواجهة السياسية بين الولايات المُتحدة الأميركية من جهة وإيران من جهة أخرى، فرض أبعادا جديدة في اللعبة الجيوستراتيجية التي تقودها الدول الإقليمية خصوصًا إيران والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المُتحدة الأميركية.
ترى الولايات المُتحدة الأميركية وحلفاؤها الإقليميين في تمدّد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط والخليج خطراً على إستقرار الأمن في المنطقة، خصوصًا مع إستمرار برنامج إيران للصواريخ البالستية والذي يُثير مخاوف العديد من دول الخليج. أما في ما يخصّ حزب الله، فإن الإدارة الأميركية ترى أن عليه وقف التدخل في شؤون الدول الأخرى ووقف العمليات العسكرية ضد إسرائيل وذلك من خلال تسليم سلاحه.
على هذا الصعيد، صرّح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن حزب الله لن يتأثر بهذه العقوبات وأن التداعيات ستطال بنسبة محدودة لبنان نظرًا الى أن حزب الله لا يستخدم القنوات المصرفية وبالتالي، من المُتوقّع أن لا يُغير حزب الله في سياسته الحالية تحت تأثير هذه العقوبات.
أهداف العقوبات الأميركية
خلال زيارته لواشنطن في شهر شباط الماضي، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة لمواجهة إيران و»أذرعتها في المنطقة» أي حزب الله وحركة حماس. وتنصّ الخطّة على ضرب الحزب والحركة وتطويق إيران ماليًا وإقتصاديًا.
وإذا كان ترامب تجاوب إيجابيًا مع الطلب الإسرائيلي، إلا أنه وبحسب بلومبرغ لم يتحمّس للشق العسكري لخطة نتنياهو، بل شدّد على وجوب الضغط ماليًا وإقتصاديًا على إيران وحلفائها.
الخطة التي وُضعت لها ثلاثة أهداف:
أولًا – تطويق إيران إقتصاديًا وماليًا من خلال فرض عقوبات تصاعدية على مسؤولين إيرانيين بحجّة برنامجها للصواريخ البالستية ودعمها لحزب الله وحماس المُصنّفين «إرهابيين» من قبل الولايات المُتحدة.
ثانيًا – فرض عقوبات مالية على أشخاص ومؤسسات ودول تدعم حزب الله وحماس (وهنا المعني الأول هو إيران) وبالتالي تجفيف مصادر تمويلهما.
ثالثًا – خلق فجوة بين حزب الله وبيئته وبين حزب الله وإيران وذلك من خلال فرض عقوبات إضافية في كل مرّة تدعم فيها إيران أو أحد الأشخاص أوالمؤسسات، حزب الله.
...وتأثيرها على لبنان
العقوبات الأميركية على حزب الله أتت في ثلاثة قوانين أقرّها مجلس النواب الأميركي والتي تفرض عقوبات على أي جهة تُموّل حزب الله وتعقب ثروات قيادييه ومناصريه. وبالتالي، فإن العديد من المسؤولين الرسميين اللبنانيين (منهم نواب ووزراء) هم عرضة لهذه العقوبات.
هذا يعني أن هناك ثلاث آليات سيتأثر من خلالها لبنان:
الأولى: من خلال النشاط الإقتصادي الذي سيطال فتح الإعتمادات المالية للعمليات التجارية بين لبنان والخارج وبالتالي، فإن بعض الأشخاص أو المؤسسات ستكون عاجزة عن تنفيذ هذه العمليات لرفض المصارف اللبنانية ولكن أيضًا المصارف المراسلة فتح الإعتمادات. وبهذا فإن ثلث العمليات (تقديراتنا) خصوصًا التي يقوم بها لبنان مع دول أوروبا الشرقية، أفريقيا وأميركا الجنوبية عرضة للشبهة من قبل الإدارة الأميركية وسيتمّ تعقبها قبل إتخاذ أي تدبير في حقّها.
الثانية: من خلال التحاويل المالية التي تشتبه بها الإدارة الأميركية والتي ستعمد إلى وقفها من خلال المصارف المراسلة وأيضًا اللبنانية. وجدير بالذكر هنا أن بعض المصارف اللبنانية قد تتأثر من ناحية أن نشاط بعض عملائها يتمركز بشكل رئيسي في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وهنا يجب القول أن بعض النشاطات مثل التبرعات والهبات إلى جمعيات خيرية ستتأثر بشكل كبير.
الثالثة: من خلال تقييد حركة تنقّل بعض رجال الأعمال اللبنانيين والتي ستؤثّر سلبًا على نشاطهم الإقتصاد والمالي.
...وفاعّليتها
السؤال الأساسي المطروح هل ستكون العقوبات الأميركية على حزب الله فعالة وإلى أي مدى ستساهم في تقويض أنشطة الحزب في الداخل وفي سوريا ووقف حركة التبرعات المالية للحزب؟
الجواب يستدعي بالطبع معرفة الأهداف الأساسية التي تكمن خلف إقرار القوانين الجديدة والتي تتمثّل في خلق إطار قانوني يسمح للولايات المُتحدة الأميركية من خلال تحالف دولي بتطويق إيران إقتصاديًا وماليًا، ثانيًا تجفيف مصادر تمويل حزب الله، وثالثًا تصديع العلاقة بين حزب الله وبيئته.
نجاح هذه الأهداف يبقى رهينة نجاح التعاون الدولي ومُشاركة القوى الإقتصادية الكبرى في تطبيق هذه القوانين خصوصًا أن التطوّر الإقتصادي العصري فرض تعقيدات كبيرة على النشاط الإقتصادي.
من هنا يأتي العمل الأميركي تجاه شركاء الولايات المُتحدّة الأميركية لتحقيق تحالف دولي خلف هذه القوانين التي أعطت حريّة واسعة للرئيس الأميركي بإضافة أي أسم (أشخاص، مؤسسات، ودول) تُسهّل، تدّعم أو تُموّل أعمال حزب الله. هذه الحرية تُشكّل كل الفرق، إذ من المفروض أن تكون الهامش الذي من خلاله ستتمكّن الولايات المُتحدة الأميركية بخلق ردّة فعل سريعة على أي تطور سياسي، أو أمني.
الإجراءات اللبنانية
تتجه الأنظار نحو مصرف لبنان لمعرفة ردّة فعله على هذه العقوبات. إذ من الواضح أن لا خيارات أمام مصرف لبنان إلا الإلتزام بتطبيق العقوبات تحت طائلة ضرب النظام المصرفي ومعه الإقتصاد اللبناني. لذا يبقى السؤال عن الآلية التي سيعتمدها مصرف لبنان في تطبيق هذه القوانين؟ هذه الآلية ستكون محط إهتمام حاكم مصرف لبنان الذي سيُشرف عليها شخصيًا نظرًا إلى حساسية الوضع خصوصًا إذا ما طالت وزراء ونواب وأشخاص من الرسميين في الدولة اللبنانية.
على الصعيد الحكومي، من المُستبعد جدًا أن يتمّ طرح موضوع العقوبات على طاولة مجلس الوزراء نظرًا للإنقسام العامودي بين أركان السلطة على هذا الموضوع والذي قدّ يؤدّي إلى إنفجار الحكومة. وبالتالي ستقتصر إجراءات الحكومة على مواقف فردية ستصدر من قبل بعض أعضائها لدعم خطوات مصرف لبنان.
الإقتصاد الإيراني
لا يُمكن بالطبع تجاهل تداعيات العقوبات الأميركية على الإقتصاد الإيراني والذي سيتأثر بشكل جذري نتيجة إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة العقوبات. فالمعروف أن 80% من الإقتصاد الإيراني ممسوك بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الحرس الثوري وبالتالي، فإن إحتمال التبادل التجاري بين إيران والعديد من الدول سيهبط إلى مستويات تاريخية.
في الختام، لا يسعنا القول إلا أن أي خطأ لبناني في تطبيق العقوبات الأميركية ستكون له تداعيات مالية وإقتصادية سلبية جدًا على لبنان. وبالتالي المطلوب من الدولة بكل أركانها دعم مصرف لبنان في هذه المرحلة في مسيرته الهادفة إلى خلق فاصل بين الأمن الإجتماعي اللبناني وإلزامية تطبيق العقوبات الأميركية.
بروفسور جاسم عجاقة