صدر عن اللجنة التحضيرية لحركة المبادرة الوطنية بالأمس بيان سياسي يمتاز بوضع الإصبع على الجرح النازف في لبنان هذه الأيام الصعبة.
وتكمن أهمية هذا البيان في النقطة الثانية منه، والتي عُطفت على النقطة الأولى التي أشارت إلى "تخاذل" وزراء خارجية الدول العربية الثلاث (العراق وسوريا ولبنان) في الرّد على المهانة التي أطلقها الرئيس حسن روحاني، والتي ذهب فيها إلى تسمية هذه الدول باعتبارها مُستتبعة لإيران وواقعة تحت نفوذها.
بالعودة للنقطة الثانية، فقد حدّدت المبادرة الوطنية هوية لبنان المُختلف عليها منذ ميثاق الإستقلال، الذي صاغ الصيغة اللبنانية الفريدة، ورأى في لبنان بلداً ذي وجه عربي، أي ليس بلداً عربياً اكتملت ملامحُه، وباتت قسماته واضحة، وجاء ذلك إرضاءً للطرفين المتنازعين حول الهوية (عربية أو غربية ) .أمّا وثيقة الطائف، بداية تسعينيات القرن الماضي والتي وضعت حدّاً للحرب الأهلية، فقد حسمت عروبة لبنان بوجه التيار "الانعزالي" وبما يقطع مع أي شبهة صلة مع العدو الإسرائيلي. ولم يكن قد دخل لبنان بعدُ في العهد الإيراني كما حصل بعد الإنسحاب السوري عام ٢٠٠٥م، لذا فإنّ بيان المبادرة الوطنية بالأمس ركّز على التهديد الذي يُمثّلُه الحضور الإيراني الطاغي، عبر حزب الله، للهوية اللبنانية، فابتدع البيان شرعياتٍ ثلاث لا بُدّ منها لقيامة لبنان كياناً ونظاماً:
الشرعية الأولى: الشرعية الوطنية، وهي شرعية اتفاق الطائف والدستور والعيش المشترك (وتتضمن بالطبع سيادة الدولة وحصرية السلاح).
إقرا أيضا: نعم، سماحة الشيخ روحاني... المنطقة في دوّامة النفوذ الإيراني
الشرعية الثانية: وهي الشرعية العربية (وهي بيت القصيد ) وتقوم على "المصلحة" العربية، وهذه المصلحة تتضمن عدّة إشكاليات، لعلّ أبرزها، تلك العلاقة الوثيقة بي حزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران، وتكمن عقدة هذه الإشكالية بما يمتلكه الحزب من "فائض قوة" ناجمة عن الدعم الإيراني المتعاظم في المقام الأول، وما جنحت إليه القوى "السيادية" في حركة ١٤ آذار، التي وافت منيّتُها منذ حوالي العام بانتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية.
الشرعية الثالثة: وهي الشرعية الدولية والتي تتمثل بالقرارين ١٥٥٩ و١٧٠١، وهي التي تحمي لبنان من العدوان الإسرائيلي وتكفل سيطرة الدولة على السلاح غير الشرعي، بغضّ النظر عمّن يحمله وكيفية استعماله.
يتّضح أنّ أهمية البيان تكمن في إعادة بلورة الهوية اللبنانية وردّها لهذه الشرعيات الثلاث، والتي يمكن أن تكون بارقة الأمل للبنان في حال اعتمادها، يبقى أنّ ذلك دونه شقُّ الأنفُس، واجتياز مسالك وعرة يُفاقم من أخطارها التهديدات الإسرائيلية، والتي باتت على الأبوا