عذرًا من كل شاعرٍ وأديب، سأحاول أن أكون شاعرًا، ولكن من دون قافيةٍ سجعية، ومن دون بحرٍ من بحور الشعر، ومن كفَّة ميزان الأوزان، محاولًا أن أخاطب القلب، الذي لا يمكن مخاطبته إلاَّ عن هذا الطريق، فكما أن الأرض لا تعطي إلاَّ بحرثها، والبذرة لا تنمو إلا بتحريك تربتها وسقيها بالماء، كذلك القلب لا يمكن موعظته وتليينه وحرثه إلا من خلال الشعور والشعر والأدب.
ما أجمل الحديث القدسي الذي أنزله رب الرحمة، الذي جاء على لسان نبي الرحمة محمد (ص): (إنِّي لم أستعمل الحكَّام على سفك الدماء،واتخاذ الأموال، وإنما استعملتهم ليكفوا عني أصوات المظلومين، فإني أرعى ظلامتهم، وإن كانوا كفَّارًا)، أيها الرجل السعيد كن رحيمًا، أشعِر قلبك الرحمة، وإن استطعت فليكن قلبك هو ذات الرحمة، وإن لم تكن سعيدًا إلاَّ أنك تملك بين جنبيك قلبًا، إطعم الجائع، عزِّي الموجوع والمحزون، لملم جراح المعذَّب، ألم تعلم بأنَّ البدر لا يطلع إلاَّ إذا شقَّ رداء الليل إحسن يُحسنِ الله إليك، وما جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان، إحسن إلى الفقير والمسكين، ألم تقرأ هذا الوعد الإلهي الصادق، فيعدك بأنك ستسمع في بعض لياليك على بعض الأحياء المنكوبة، والمجتمع المنكوب، أنك كريم ومن المكرمين ومن أشرف الناس وأكرمهم.
إقرأ ايضًا: مشروع قانون معجَّل للمجلس النيابي... حوِّلوا الجامعات إلى حوزات دينية!
ليتك تبكي كلما شاهدت همًا وغمًا وفقرًا وبؤسًا في مجتمعٍ حالكٍ بالسواد، أو وقع نظرك على محزونٍ وموجوعٍ ورؤومٍ ومفؤود في القلب، لأنَّ الدمع الذي يحفر في خديك وينحدر على وجنتيك في مثل هذا الموقف إنما هي دموعٌ من نور الله.
السماء تبكي...
وتبكي بدموع الغمام، ويرتعش قلبها خوفًا من سيف البرق، وتولول وتبكي وتصرخ بصوت الرعد، والأرض تئن، والريح تعصف، والبحر يضج، كل ذلك رحمة بالمظلوم.
ألم تعلم بأن هناك فرق بين من يُحيي الميت، وبين من يميت الحي.
أيها الإنسان: إرحم المرأة، والطفل والشاب والشيخ والكبير والصغير والجاهل والعالم والولد والزوجة، بل إرحم الطير والحيوان، والحجر والشجر والمدر، أيها السعداء: تحننوا على البؤساء والمساكين والضعفاء والفقراء، وامسحوا دموع الثكالى والموجوعين والجائعين، ودموع الأتقياء والأشقياء، تكونون مصداقًا لقوله: "إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".