المضحك أنّ كلّ من تحدثتُ إليه عن الشاب الشيعي في حيّ السلّم الذي قال للسيد حسن نصر الله: "... يا سيد "، مباشرة على هواء شاشة LBCI، كلّهم كانوا خائفين على هذا الشاب وعلى مصيره: "سيعتذر"، قال أحدهم، وقال آخر: "سيضربونه"، ومنهم من خاف: "سيقتلونه"، والبعض: "حرام، اخترب بيتو".
في البيئة السنية من يشتم الرئيس سعد الحريري أو الوزير نهاد المشنوق، لا يخاف على حياته، يمكن أن يمشي في شوارع بيروت حرًّا، لن يضربه أحد و"لن يخترب بيتو"، كذلك في البيئة المسيحية، مئات يتبادلون الشتائم يوميًا، ولا خوف ولا جناح عليهم، جبران باسيل يُشتم وبقية رفاقه في الأحزاب المسيحية، ولدى الدروز، الفارق أقلّ، لكن الحرية موجودة.
لكن من يريد التوجّه بأسمى مشاعر الغضب إلى قيادة الطائفة الشيعية فعليه أن يخاف، وستكون حياته مهدّدة في الولايات المتحدة الأميركية يمكن لأي أميركي أن يشتم الرئيس الأميركي أمام البيت الأبيض، ولا مخالفة قانونية في ذلك في مصر كان باسم يوسف يهاجم الرئيس عبد الفتاح السيسي يوميًا وفي سوريا بدأت الثورة في آذار 2011 بشتيمة "الدكتور" بشار الأسد، أما في لبنان، فيبدو أنّ عهد الشتائم قد افتتح رسميًا اليوم.
إقرأ أيضًا: أهالي حي السلم يشتمون نصرالله على الهواء مباشر
الشاب الأربعيني الذي شتم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مباشرة على الهواء، وشاهده وسمعه وسمع به الملايين في لبنان وخارجه خلال الساعات الماضية، صنع لحظة تلفزيونية كنّا نظنّها بعيدة.
يأتي ذلك بعد أيام من توجّه علي مظلوم، ابن "الشهيد القائد في حزب الله ولاء مظلوم"، بشتائم واتهامات بالفساد لوزير الصناعة حسين الحاج حسن، على فيسبوك، ويأتي ذلك بعد يومين من نشر موقع "لبنان 24" تقريرًا عن قرار جدي في حزب الله للإنسحاب من سوريا خلال أيام ولتقليص الوجود إلى أقلّ من 40 %.
كلّ هذا صنع لحظة تلفزيونية تعادل لحظة "فدا إجر السيّد" حينها كان جزء كبير من الشيعة يريدون تجديد الولاء لحسن نصر الله وحزبه، بعد حرب تموز 2006، وكانت تلك المرأة التي صرخت: "فدا إجر السيّد"، من قلب الدمار في الضاحية الجنوبية، ولم تعرف أنّها كانت تصنع لحظة تاريخية وحقيقية، لأنّ الشيعة أعادوا تفويض حزب الله في انتخابات 2009 الصورية، بلا أي معارضة.
اليوم ثمة لحظة مضادّة للحظة 2006، لحظة عنوانها " ... يا سيد"، كما فعل الشاب الشيعي الغاضب وهي تاريخية أيضًا، وستحفر عميقًا في وجدان الشيعة واللبنانيين.
إقرأ أيضًا: بالصور.. قطع طرقات واطلاق نار في حي السلم
هي ليست شتيمة عابرة. لا، ليس تفصيلا أن يشتم شاب شيعي السيد حسن نصر الله من قلب الضاحية الجنوبية ولا يهجم عليه أحد ليضربه، ويكمل مسيره، فيما كاميرا النقل المباشر تكمل عملها في حيّ السلّم.
بعض الشتائم ترسخ عميقًا في الوجدان ولا غرابة في أنّ سياسيين لبنانيين ومحللين سياسيين، "نبغوا" إعلاميًا بسبب شتيمة من لا يذكر قول وئام وهاب: "المحكمة الدولية وصرمايتي سوا"، وقول سالم زهران لأسعد بشارة على قناة "المنار": كس إختك بإجري".
لكن هذه الشتيمة للسيد حسن لن تكون عابرة سيكون "ما قبلها" غير "ما بعدها".
ثمة جدار خوف حفره المعترضون الشيعة في مواقع التواصل الإجتماعي وفي المواقع الإلكترونية الإخبارية، طوال سنوات، واليوم بدأت نتائجه تظهر.
الشيعة ما عادوا قطيعًا، وهذا ليس تفصيلًا.