ويسعى الأكراد من خلال الاستفتاء للانفصال عن العراق وتأسيس نواة أول دولة كردية، وسط منطقة تجمع نحو 35 مليون كردي، بحسب إحصائيات غير رسمية، موزعين على أربع دول رئيسية في الشرق الأوسط؛ هي: العراق وسوريا وتركيا وإيران.
لكن الأمر أثار غضب الدول المجاورة للإقليم، وأبدت امتعاضها الشديد من الخطوات التي اتخذها رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، مؤكدين أن تلك الخطوات تفتح صفحة جديدة من الصراع في المنطقة، تؤدي في النهاية إلى تقسم الخريطة الجغرافية في العالم الإسلامي.
حلم إقامة الدولة القومية
وبدأ حلم الأكراد بإقامة دولة قومية لهم منذ تقسيم الشرق الأوسط بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، حيث قسمت المنطقة بناء على اتفاقيات غربية-أميركية، أشرفت على تنفيذها الأمم المتحدة، كانت الحجر الأساس في تفكيك الوحدة الإسلامية، وزرع بذور التفرقة بين الأعراق والطوائف والأديان إلى يومنا الحالي.
وبادر الأكراد في إيصال صوتهم إلى مؤتمر "باريس للسلام" عام 1919 الذي عقده الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى، عندما حُدد ما يعرف بـ"أسس السلام العالمي"، خصوصاً بعد أن صرّح الرئيس الأميركي، ويدرو ويلسن، أنه يحق للشعوب أن تقرر مصيرها.
ورغم تمتع الأكراد بحقوقهم الكاملة في بلدان مثل العراق وتركيا، ومشاركتهم في إدارات ومؤسسات حكومية بشكل واسع وتوليهم مناصب عليا في الدولة؛ كرئيس الجمهورية بالنسبة للعراق ومناصب قيادية رفيعة في تركيا كالرئاسة سابقاً والنيابة في البرلمان والمجالس المحلية للمحافظات، إلا أن أطيافاً واسعة منهم تصر على إنشاء دولة خاصة بهم تجمع شتاتهم على أسس قومية لا دينية أو وطنية، مستندين بذلك إلى توصيات وثائق المعاهدات التي قُسمت المنطقة العربية والإسلامية وفقها، إبان انهيار الدولة العثمانية قبل نحو قرن من الزمان.
وأصدر الحلفاء بعد المؤتمر قراراً في ما عرف بمعاهدة "سيفر" نص على أن: "الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا، وبلاد الرافدين، وكردستان، وفلسطين، والبلاد العربية، يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".
وانطلاقاً من هذا القرار قدم شريف باشا، ممثل العشائر والجمعيات الكردية، مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر، كما طالب بتشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان دولة مستقلة.
وجاء في المذكرة أن "تجزئة كردستان لا تخدم السلم في الشرق"، لذلك يعتبر الأكراد معاهدة سيفر وثيقة مهمة في تاريخ القضية الكردية ويمكن تدويل القضية بصورة رسمية.
بريطانيا تُجهض الحلم
بعد 18 عشر شهراً من توقيع معاهدة "سيفر"، طرحت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا فكرة إعادة النظر فيها، واتخذ الحلفاء قراراً بهذا الشأن في مؤتمر لندن عام 1921 وبضغط من الدولة التركية؛ حيث استغل كمال أتاتورك بذكاء خوف الدول الأوروبية، ولا سيما بريطانيا، من استغلال الاتحاد السوفيتي الصراع لمصلحة نفوذه في المنطقة، فتمكن من خلال اللعب على هذه الورقة من إلغاء معاهدة "سيفر"، فكان توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور مؤتمر لندن دلالة على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا، الذي جعل الأكراد جزءاً من الدولة العثمانية.
معاهدة لوزان 1923 جاءت تتويجاً للجهود التركية، والانتصارات الكبيرة التي حققتها على اليونان التي أظهرتها كدولة فتية قوية، ونصت المعاهدة على أن أنقرة ستمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، دون الإشارة إلى معاهدة "سيفر".
الأكراد والثورات المسلحة
بعد انهيار أحلام الأكراد بإقامة دولة مستقلة مجتزأة من أراضي الدول الموجودين بها، في تركيا والعراق وإيران وسوريا، قادوا ثورات مسلحة اصطدمت بأنظمة الحكم في المنطقة؛ من الاحتلال البريطاني إلى اليوم، في محالة لإيصال صوتهم إلى المجتمع الدولي، أو إقامة دولة مستقلة لهم بقوة السلاح وفرض أمر واقع.
وكانت البداية مع ثورة محمود الحفيد زادة البرزنجي، الذي قاد سلسلة انتفاضات مسلحة ضد السلطة العراقية في وقت الاحتلال البريطاني؛ ولاحقاً ضد الانتداب البريطاني، وحُكم عليه بالسجن عام 1919 ونفته بريطانيا للهند لمدة عام واحد، ثم أعادته بناءً على موازين القوى والصراعات في المنطقة، وعينته متصرفاً للواء السليمانية، وما لبث أن ثار مجدداً معلناً نفسه ملكاً على كردستان، التي استمرت من سبتمبر 1922 حتى يوليو 1924.
وأرسلت بريطانيا حملة عسكرية لنزع سلطاته، ثم سيرت الحكومة المركزية في بغداد حملة للقضاء على المملكة الجديدة، وتمكنت من السيطرة على السليمانية عام 1924، فلجأ البرزنجي للجبال.
وبعد صراع مسلح استمر لسنوات، حصل أكراد العراق على حكم شبه ذاتي عام 1979، عندما كان الرئيس الراحل صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي، ودخلت اللغة الكردية كلغة رسمية في البلاد.
بعد مجيء الغزو الاميركي للبلاد عام 2003، توسعت مطامع إدارة الإقليم، واستحوذت على مناطق متنازع عليها في ديالى وكركوك والموصل وصلاح الدين، لتُحَوِّل النزاعات الداخلية بين الأحزاب الكردية تلك المكاسب إلى نقطة الصفر؛ بسبب تضارب المصالح بينها وتناقض مواقفها حول الاستفتاء، الذي انتهى بفرض حكومة بغداد سيطرتها الكاملة على محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها، بعد أن كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة.
وفي محاولة لتجسيد نموذج كردستان العراق، أعلن أكراد سوريا في (17 مارس 2016)، إقامة نظام فيدرالي في مناطق سيطرتهم شمالي البلاد، خلال اجتماع عُقد في مدينة رميلان بمحافظة الحسكة، وسط معارضة دولية ومحلية.
واستغلت واشنطن تضارب المصالح بين أنقرة وتلك الجماعات، لتوفر للمليشيات الكردية شمالي سوريا كل وسائل الدعم المادي والعسكري تحت مزاعم محاربة الإرهاب، إلا أن تركيا تقول إن أمريكا تريد محاصرتها وإبعادها عن العالم العربي، وإقامة حاجز أمني وعسكري تسيطر عليه قوات كردية تديرها الولايات المتحدة عن بعد.
تركيا، ومنذ أكثر من 4 عقود من الزمن، تعاني وهي تعمل على تحييد فكر حزب العمال الكردستاني أو نشاطاته المسلحة، رغم تكبد الطرفين خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات والبنية التحتية في المناطق التي تحدث فيها المواجهات والعمليات العسكرية.
العرب والأكراد في صف واحد
بعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك عن الجمهوريّة التركيّة عام 1923، وتصالحه مع الغرب والقوى العظمى، بدأت مرحلة جديدة في حياة أكراد تركيا، إذ منع تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد، ومنع الأكراد من التحدث بها في الشوارع والمجالس، فضلاً عن تحريمها في المصالح الحكومية والمحاكم.
وكردّ فعل على السياسات الجديدة، اندلعت احتجاجات الشيخ سعيد بيران في العام 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والآشوريون في مناطق جنوب شرقي تركيا.
إلا أن هذه الانتفاضة انتهت باعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه في مايو 1925، ثم اندلعت احتجاجات جبل آغري، بقيادة الجنرال في الجيش العثماني إحسان نوري باشا في العام 1926 واستمرّت لغاية 1930، وتمّ القضاء عليها أيضاً.
الجمهورية الحمراء
ﻣﻨﺢ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ السوفييتي ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ لكلٍ من بولونيا، وفنلندا، وتمتعت العديد من المناطق ﺍﻟﺘﻲ تضم ﺗﺠﻤﻌﺎﺕ ﻋﺮﻗﻴﺔ داخل الاتحاد بالحكم الذاتي، وفي عهد لينين مُنح الأكراد ﻋﺎﻡ 1923 جمهورية ﺫﺍﺗﻴﺔ الحكم في ﺃﺫﺭﺑﻴﺠﺎﻥ، وﻋﺎﺻﻤﺘﻬﺎ مدينة لاتشين، ثم قضي عليها في عهد ستالينﻋﺎﻡ 1929، بعد ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ "سايكس بيكو" ﺍﻟﺴرﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ شاركت ﻓﻴﻬﺎ كل من فرنسا وبريطانيا ﻭﺭﻭﺳﻴﺎ، وقسّمت كردستان ﺇﻟﻰ ﺧﻤﺴﺔ أجزاء، وتم ﺇﻟﺤﺎﻕ كل جزءﺀ بدول؛ سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، وﺃﺭﻣﻴﻨﻴﺎ.
جمهورية ولدت لتموت
وفي عام 1930 خاض الأكراد سلسلة من المواجهات ضد تركيا بدأت في جبال آرارات عرفت باسم "ثورة آغري" بقيادة إحسان نوري باشا، الذي أعلن مناطق جبال آرارات دولة كردية مستقلة، ليبدأ مع الدولة التركية حرباً شاملة انتهت بسقوط هذه الجمهورية.
بمساعدة الاتحاد السوفيتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أسس الأكراد جمهورية مهاباد، مستغلين ضعف المملكة الإيرانية بواسطة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني قاضي محمد عام 1946، وأخذت الجمهورية اسمها من عاصمتها مدينة مهاباد، التي سرعان ما سقطت سريعاً بعد 8 أشهر من تأسيسها بعد أن عقد شاه إيران اتفاقات نفطية مع الزعيم السوفيتي ستالين، الأمر الذي أدى إلى أن يتخلى الاتحاد السوفيتي عنها لتسقط بهجمات الجيش الإيراني.
(الخليج أونلاين)