في الوقت الذي ينتظر رئيسُ الجمهورية رداتِ فعل رؤساء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية والإقليمية والعربية رداً على مذكرته - الرسالة التي رفعها اليهم عبر ممثليهم في بيروت، يصرّ محورُ حلفاء سوريا من حركة «أمل» و«حزب الله» الى «التيار الوطني الحر» على فتح خطوط التواصل مع النظام السوري لإعادة النازحين الى بلادهم يرفض الطرف الآخر بقيادةٍ مشترَكة «مستقبلية» و«قواتية» أيَّ تواصل مع النظام وصولاً الى تهديد «القوات اللبنانية» بالاستقالة من الحكومة إذا تمّ التطبيعُ مع النظام من زاوية النازحين أو غيرهم من الملفات.
ورغم إجماع الأطراف كافة على حجم المخاطر المترتّبة من ملف النزوح، سيبرز مجدداً الخلافُ ضمن اللجنة الوزارية المعنيّة لدى استئنافها مهماتها حول آلية العودة، على رغم أنّ الخلافات شكلية ولا يفي استمرارُ الخلاف حولها الغرض الذي ينشده الجميع إذا كانت النيّة إعادة ما يمكن عودته من النازحين الى بلادهم، وعلى الأقل الذين يمكن وضعُهم على لائحة النازحين الإقتصاديين والذي لا تحول ظروف الحرب السورية دون عودتهم الى مدنهم وقراهم المدمَّرة في ظلّ توزيع القوى المهيمنة على ما يمكن تسميته «الولايات السورية غير المتحدة» في ظلّ التبادل والفرز السكانيَّين اللذين باتا أمراً واقعاً.
وترى مصادر معنيّة بالملف أنّ العودة الى الورقة الأساسية والتي اختصرتها آخر نسخة منها في 12 تموز 2017 التي وضعتها وزارة الدولة لشؤون النازحين السوريين بالتعاون والتنسيق في ما بينها ومختلف الوزارات المعنيّة والمؤسسات العسكرية والأمنية، والأمن العام تحديداً، تبقى الأجدى.
ويقول خبراء معنيون يتعاطون بالملف من زوايا تقنية وإدارية «دولتية» إنّ هذه الورقة شاملة توفّر الحدّ الأدنى من التفاهم بين مختلف القوى المقسومة بين أنصار النظام السوري ومعارضيه وتوفّر الآليات التي تحترم التنوّع اللبناني وتتلاءم مع الظروف الدولية والقوانين المعمول بها في المجتمع الدولي ولا يمكن الخروج عنها بإرادة فردية.
وإذا دخل هؤلاء الخبراء في التفاصيل أشاروا الى أنّ الورقة الأساسية التي وضعتها وزارة شؤون النازحين وقدّمت لها بقراءة منطقية وواقعية للظروف زادت عدد النازحين السوريين الى مليون ونصف مليون نازح طلباً للأمان.
وكان ذلك قبل تحوُّل مخيّماتِهم مصادرَ للفتن والقلاقل الأمنية والإرهابية، عدا عن التأثيرات السلبية التي انعكست على اليد العاملة اللبنانية ونقص المساعدات الدولية التي لم يصل ممّا تقرّر منها سوى ما بين 25 و35 %.
وتشدّد الورقة في عناوينها على الثوابت اللبنانية التي لا يمكن أحد الإختلاف عليها ما لم يكن مرتهَناً للخارج في استغلاله للقضية انطلاقاً من رفض لبنان أيّ شكل من أشكال التّوطين المقنّع أو المباشر ملتزِماً مقدّمة الدستور.
مع التشديد على البدء بالعودة إلى المناطق الآمنة وتوفير ضمانات للعائدين برعاية الأمم المتحدة والعمل بمبدأ «تقاسم الأعباء» في ما يتعلّق بالنازحين انطلاقاً من احترام لبنان حقوق الإنسان والتزاماته الدولية في أداء وزاراته ومؤسساته وأجهزته تجاه إدارة هذه الأزمة.
ذلك أنّ تحويل النزوح إلى بلد ثالث ليس حلّاً مناسباً، مع التشديد على مطالبة الدول، وتحديداً المعنية بالأزمة السورية عسكرياً وسياسياً وأمنياً وإجتماعياً وإنسانياً، بزيادة جهودها في هذا الصدد، وفتح المجال أمام النازحين السوريين للدخول الإنساني إلى أراضيها وتأمين مجالات العمل والدراسة لديها مع مراعاة لبنان لمصالحه وقوانينه الخاصة بنظام العمل والإقامة.
وبالتزامن مع معالجتها لمظهر النزوح السوري فإنّ الورقة تتناول ما يحتاجه لبنان وبنيته التحتية والمجتمعات المضيفة من مساعدات ومشاريع عاجلة لتدارك الكوارث المباشرة التي حلّت ببعض المناطق وحال النفور التي تنمو باضطراد بين اللبنانيين والسوريين في مناطق لا تُستثنى منها طائفة أو مذهب أو منطقة، ولم تظهر حتى الآن أيّ ورقة أخرى سواها، سوى ما حكي عن ورقة لوزير الخارجية جبران باسيل أعدّها فريقُ عمله.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية التي تحول دون التفاهم على «خريطة طريق» واحدة، فقد أعدّت جهاتٌ محايِدة مقارنةً بين ورقة باسيل والورقة الرسمية تنزع عن الأولى صفة الأهمية الإستثنائية طالما أخذت من الأساسية عناوينها بعد تعديلات شكلية.
لكنّ الأهم أنها صيغت بلهجة عدائية للمجتمع الدولي قد تسدّ منافذ الحوار معه وخصوصاً أنها حفلت بلغة إتّهام لهذا المجتمع تقرب من الإدانة المسبَقة. وهو ما سُمّي اعتمادها «نَفَساً هجومياً في مواجهة المجتمع الدولي وافتراض حاسمٍ أنه يعمل للتوطين» وهذا يقود الى مواجهة غير حميدة بين لبنان والمجتمع الدولي.
أما المقاربة الأمنية لورقة باسيل فقد وصفتها بأنها «مبتورة»، وأنها ليست ورقةً سياسية وتحتاج الى صياغة جديدة خالية من اللغة الصدامية مع المجتمع الدولي بما يؤدّي الى ترجمتها عمَلياً بسلسلة من الإجراءات ولا تضمن آلية تنشيط وتسريع عمليات إعادة التوطين في الدولة الثالثة، والتي يمكن أن تدمّر النسيج المجتمعي السّوري، وبالتالي يجب التنبّه من الانخراط فيها. إذ إنّ الأهم هو أن يعود النازحون إلى سوريا.
وأخذت هذه المقاربة على ورقة باسيل الغلو في الإفتراض أنّ هناك مَن يريد العودة ومَن يريد في المقابل بقاءَ النازحين، الأمر الذي يستعيد خطابَ الإتّهام بأنّ هناك مَن يسعى لمعادلة ديموغرافية مذهبية جديدة في البلد، وهذا غير صحيح ومدمِّر لمسار بناء الثقة.
فضلاً عن ملاحظات أخرى تلتقي في معظمها مع مضمون ورقة الوزارة المختصة، سواءٌ في عملية تسجيل الولادات بطريقة ضامنة لهوية المواليد السوريين وتنظيم الدخول السوري الى لبنان وشكل العمالة والإقامة في لبنان والتصنيف المعتمَد رسمياً بين كون السوري عاملاً أو طالباً، أو رجل أعمال أو مسافراً.
وبالإضافة الى موضوع الإقامة وإجازات العمل تقترح الورقة آلياتِ عملٍ تتعارض مع القوانين الدولية وتفترض وجودَ دولة ومؤسسات قوية لا ينخرها الولاء لهذه القوة الإقليمية أو غيرها من التفاصيل التي يعجز لبنان عن تطبيقها بقوته الذاتية.
وعليه تنظر المراجعُ المعنيّة الى مرحلة إعادة البحث في أوراق العمل الخاصة بملف النزوح لإستبيان جدّية الطروحات والتوجّهات السياسية التي تتحكّم بالمواقف وتحول دون إقرار ورقة موحّدة تكون قابلة للتنفيذ وتتلاقى مع قدرات لبنان على التحكّم بها ليبدأ سلوك الطريق الصحيح والأقصر لحلّ هذه المعضلة ومعالجتها.