تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الإتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والدول الغربية الست قد لا تؤدي إلى مواجهة عسكرية أميركية - إيرانية في ظل إنشغال الطرفين بإطالة أمد الحروب المشتعلة في العديد من الدول العربية لكنها بالتأكيد ستتمخض عنها حزمة عقوبات إقتصادية ومالية تطال إيران وأذرعها العسكرية المنتشرة في المنطقة ويأتي حزب الله في مقدمة الإستهدافات الأميركية بإعتباره التنظيم العسكري الأقوى والفاعل ضمن قوات الحرس الثوري الإيراني والأكثر ولاءًا وطاعة لأوامر ولاية الفقيه والأقدر على تنفيذ تعليمات القادة الإيرانيين في ميادين الحروب والمعارك لإمتلاكه منظومة صاروخية وعسكرية من مختلف أنواع الأسلحة المتنوعة وجيش جرار لا ينضب من المتفرغين المدربين الذين أثبتوا جدارتهم ومهارتهم في ساحات القتال كما جعل من الحزب رأس الحربة في المشروع الإيراني التوسعي الهادف إلى إثارة الفتن وإشعال نار الحروب المتنقلة في دول الجوار الإيراني والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول وفي تحديد سياساتها وتقرير مصير شعوبها.
إقرأ أيضًا: لبنان في ظل الكباش الأميركي - الإيراني
فالإدارة الأميركية الحالية وعلى خلاف إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أدركت مخاطر التوسع الإيراني خارج حدودها ووضعت على لائحة إهتماماتها الخارجية أولوية وقف المد الإيراني وما كان قد أطلق عليه قائد القيادة الوسطى للقوات الأميركية الجنرال جوزف فوتيل (محور طهران - بيروت) والذي بلغ مرحلة متقدمة من التوسع والنفوذ فرض على الإدارة الأميركية ومعها بعض الدول العربية إتخاذ خطوات صارمة وعملية للتصدي لهذا المد.
ولبنان ليس بعيدًا عن هذا المشهد الدرامي بل إنه في صميم المواجهة والترويج لسياسة النأي بالنفس ومسلسل العمليات العسكرية والأمنية التي تستهدف تنظيم داعش الإرهابي والإعلان عن محاربة الإرهاب بكل أشكاله لم تعد كافية لإبقاء العاصمة اللبنانية عن ميادين الصراعات الإقليمية من اليمن إلى غزة مرورًا بالعراق وسوريا، سيما أن حزب الله وهو أحد المكونات السياسية القوية والأساسية في تركيبة الحكم اللبنانية يعتبر الذراع العسكرية والإقليمية الأقوى لطهران خارجيًا وبالتالي فإن لبنان لا يستطيع التنصل من هذا الواقع لعجزه عن لجم حزب الله في الداخل اللبناني أو أن يتمكن من فرض تغييرًا في هيكلية الحزب السياسية والعسكرية.
ومع إقتراب تصويت مجلس الكونغرس الأميركي على مشروع العقوبات التي تستهدف حزب الله وشبكة تمويله داخل لبنان وخارجه والمتوقع أن ينال موافقة غالبية واسعة في مجلسي الشيوخ والنواب والمرتقب أن يتم التصويت عليه قبل نهاية الشهر الجاري فإن لبنان يسعى للحد من أضرار هذا المشروع وانعكاساته السلبية على أوضاعه المالية والإقتصادية والمعيشية ، على أن يتم حصر العقوبات في حزب الله ومؤسساته وشخصياته.
إقرأ أيضًا: إيران تروج لإنتصارات كاذبة في المنطقة
وبعد زيارات متكررة قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى واشنطن وقيام وفود نيابية من تيار المستقبل وحركة أمل والتيار الوطني الحر إضافة إلى الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في شهر تموز الماضي إلى العاصمة الأميركية فقد تمكن لبنان من حصر مشروع العقوبات في حزب الله ومؤسساته الإجتماعية وتحييد المصارف اللبنانية إلى حد ما ونجح في شطب أسماء وأحزاب وشخصيات لبنانية قريبة من الحزب أو متحالفة معه سياسيًا.
وإذا كان لبنان إستغل إنهماك حزب الله في الحروب الإقليمية وتمكن من تقليص حجم مخاطر العقوبات الأميركية المتوقعة على الحزب ومن إنعكاساتها السلبية على دورة البلد الإقتصادية وحركة مصارفه المالية وإستطاع أن يبقى خارج نطاق الإستهداف الأميركي لكنه بالتأكيد لن يستطيع أن ينتزع من الحزب التحكم بقرار الحرب والسلم فيبقى عرضة لأي عدوان إسرائيلي اذا ما اقتضت مصلحة حزب الله بإشعال حرب مع إسرائيل على غرار حرب تموز 2006 تنفيذًا لأوامر إيرانية.