عرضت الولايات المتحدة على العراق والسعودية مقترحا لتشكيل فريق عمل يضم ممثلين عن الدول الثلاث، يستهدف، وفقا لتعبير دبلوماسي عراقي رفيع، ترسيخ “الاستقرار السياسي في المنطقة”.
وأبلغ الدبلوماسي العراقي “العرب”، بأن “المقترح الأميركي جاء على لسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال اجتماع تنسيقي هام بين السعودية والعراق عقد في الرياض الأحد، وشارك فيه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي”.
وبينما رحبت السعودية بالمقترح الأميركي قال الدبلوماسي إن “الوفد العراقي لم يعلن موقفه بشأنه”.
ووفقا للدبلوماسي العراقي فإن “المقترح الأميركي يتعلق في جوهره باحتواء النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة”.
وقال إن “تيلرسون دعا السعودية إلى دعم العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لتعزيز حظوظ المشروع المعتدل الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي”.
وتهدف زيارة العبادي إلى الرياض إلى أنه يريد الاستثمار في الثقة السعودية كي لا يصبح تحت رحمة إيران في العراق. ومن ثم يقطع الطريق على تصاعد النفوذ الإيراني وبالتنسيق مع الولايات المتحدة أيضا، خصوصا وأن تيلرسون موجود في الاتفاق العراقي السعودي الذي أعلن عنه الأحد.
ودعا تيلرسون في مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض الأحد “الميليشيات الإيرانية” إلى مغادرة العراق مع اقتراب حسم المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وأوضح “بالطبع هناك ميليشيات إيرانية. والآن، بما أن المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية شارفت على نهايتها، فإن على تلك الميليشيات العودة إلى موطنها. على جميع المقاتلين الأجانب العودة إلى مواطنهم”.
ويقول الجنرال هاربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “يريد أن يرى عراقا مستقرا، ولكن لا يجب أن يدور في محور إيران”، مؤكدا أن “السعودية تستطيع أن تلعب دورا محوريا في هذه الاستراتيجية”.
العبادي يريد استثمار ثقة السعودية كي لا يصبح تحت رحمة إيران، ويقطع الطريق على تصاعد النفوذ الإيراني وبالتنسيق مع واشنطن
ومن وجهة النظر الأميركية، فإن ترك الساحة لإيران يعني المزيد من الصراعات والحروب الداخلية في العراق الذي كاد أن ينزلق إلى حرب جديدة بين الحكومة العراقية والأكراد في أربيل.
ويقول ماكماستر “الإيرانيون يجيدون إثارة المكونات المحلية ضد بعضهم البعض. هذا أسلوب يتبعه تنظيما داعش والقاعدة أيضا”، مؤكدا “يؤلّبون مكونات المجتمع عبر توظيف الصراعات القبلية والعرقية والطائفية من أجل كسب نفوذ، من خلال تقديم أنفسهم كحماة لجانب واحد في المعركة، ومن ثم يستغلون هذا التدخل لتوسيع أجندتهم الخاصة”.
وبعد توليه وزارة الخارجية بوقت قصير، تبنى ريكس تيلرسون نهجا بني على رؤية أن تعزيز العلاقات بين السعودية والعراق يجب أن يحتل أولوية في استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة الأوسع، كي تتمكن من مواجهة واحتواء إيران.
ويقول مسؤولون أميركيون إن تيلرسون كرس نفسه لهذه المهمة.
وخلال ثاني جولة له في الخارج في فبراير الماضي، ألغى تيلرسون لقاء كان مخصصا للتعرف على الدبلوماسيين والموظفين في السفارة الأميركية في المكسيك من أجل التركيز على خطته الجديدة، بحسب المسؤولين الأميركيين الذين تحدثت إليهم وكالة أسوشيتد برس.
وكشف مسؤول رفيع المستوى أن تيلرسون ألغى هذا اللقاء من أجل إجراء مكالمة هاتفية على الخط الآمن مع نظيره السعودي عادل الجبير حول المقاربة الجديدة تجاه العراق.
ووفقا للمصدر نفسه فقد ناشد تيلرسون الجبير كي يقوم بزيارة إلى بغداد لإظهار النوايا الحسنة والالتزام بهزيمة تنظيم داعش، الذي كان لا يزال يسيطر على نصف مدينة الموصل آنذاك.
ووافق الجبير، وبعد ذلك بيومين فقط قام بزيارة مفاجئة للعاصمة العراقية، إذ كان أول وزير خارجية سعودي يزور العراق منذ 27 عاما.
ووصل العبادي إلى السعودية السبت بناء على دعوة من الملك سلمان، للمشاركة في الاجتماع التنسيقي الأول بين البلدين.
والتقى العبادي بالملك سلمان، حيث بحثا تطوير العلاقات بين البلدين قبل بدء أعمال الاجتماع التنسيقي الذي نتج عنه الإعلان عن تأسيس المجلس التنسيقي بين البلدين. كما زار ولي العهد الامير محمد بن سلمان، العبادي في مقر إقامته في الرياض تعبيرا عن الحفاوة في إشارة إلى الأهمية التي توليها السعودية للعبادي كبديل معتدل أمام موجة نوري المالكي الذي تدعمه إيران.
هاربرت ماكماستر: ترامب يريد عراقا مستقرا لا يدور في محور إيران
وذكرت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن “السعودية تخطط لدعم العبادي عبر حزمة من المشاريع والإجراءات الاقتصادية تنفذ في معظمها في مناطق الجنوب العراقي الفقيرة”.
ومن بين هذه المشاريع “إمكانية تحويل بادية السماوة بين العراق والسعودية إلى منطقة استثمار في مجال الزراعة والثروات الحيوانية، اعتمادا على أموال سعودية وأياد عاملة عراقية”.
ويرى مراقبون أن “من شأن مشاريع سعودية توفر فرص عمل للكثير من العاطلين في جنوب العراق، أن تمثل ورقة انتخابية ناجحة للعبادي”، خلال المنافسة المنتظرة بين الأحزاب السياسية الشيعية في انتخابات 2018.
ومن المتوقع أن يواجه العبادي خلال الانتخابات القادمة منافسة شرسة من طيف سياسي شيعي موال لإيران، يضم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وقيادات بارزة في قوات الحشد الشعبي.
ويقول مراقبون إن “تعزيز النجاحات العسكرية التي تحققت في عهد العبادي خلال الحرب على داعش بتنشيط الملف الاقتصادي، قد تكون له نتائج انتخابية مؤثرة ما يمكن أن يمثل نصرا سياسيا مهما في مواجهة النفوذ الإيراني الكبير في العراق”.
وقال المحلل السياسي هشام الهاشمي إن “هنالك دوما علاقة عميقة بين عروبة العراق والسعودية ودول الخليج العربي”، مشيرا إلى أن “أطروحة القطيعة هي من دعوات الفاسدين وصناع الكراهية”.
وأضاف أن “العبادي وفريقه الحكومي مع بث الروح في اقتصاد الدولة والسعي لجلب استثمارات عربية كبيرة، ورغم الأزمات التي تسببت بها الحكومات السابقة فإن اقتصاد الدولة لم يمت؛ والذي ينبغي أن يموت هو اقتصاد الأحزاب العميقة المسيطرة على الثروات النفطية ومقاولات المشاريع الخدمية وعقود التنمية واللوبيات الوزارية الفاسدة”.
وقالت المصادر إن “العبادي بحث مع المسؤولين السعوديين ملفات عديدة، بينها تفعيل المنافذ الحدودية بين البلدين وتبادل المعلومات الاستخبارية في مجال مكافحة الإرهاب ورفع التمثيل الدبلوماسي السعودي في العراق من درجة سفير إلى وزير”.
وفي كلمة خلال الاجتماع التنسيقي بين العراق والسعودية في الرياض عبر العبادي عن ارتياحه البالغ لـ”تطور العلاقات بين بلدينا الشقيقين الجارين”، مشيرا إلى أن “المجلس التنسيقي الأول العراقي السعودي هو ثمرة الجهود والنوايا الطيبة المشتركة التي تعبر عن توجهنا وسياستنا والتي لمسناها في نفس الوقت من أشقائنا في المملكة وبالأخص من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الشيخ محمد بن سلمان”.
وأضاف أن المجلس التنسيقي الذي تمخض عن زيارته إلى السعودية “سيكون منعطفا مهما ومنطلقا للتعاون وتعزيز العلاقات الثنائية بين بلدينا وشعبينا في المجالات كافة”.
وتابع، “نؤمن بأن التعاون والشراكة وتبادل المصالح وربطها بشبكة علاقات في مختلف المجالات هي السبيل لتحقيق تطلعات شعوبنا في الأمن والاستقرار والتنمية وتوسيع التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري والثقافي”.
ومضى العبادي يقول، “لقد أطلقنا برنامجا لمستقبل المنطقة يقوم على التنمية وبسط الأمن بدل الخلافات والحروب التي عانينا منها”، مشيرا إلى أن “المنطقة لا تحتمل المزيد من التقسيم ولا تحتمل استمرار النزاعات، ونحن نرى ضرورة إنهاء النزاعات المسلحة ووقف سياسات التدخل في شؤون الآخرين من أجل مصلحة خاصة لهذه الدولة أو تلك والبدء بمرحلة جديدة من التعاون الشامل والتكامل الاقتصادي المشترك”.
وختم قائلا “نحن جادون بالتعاون وصادقون في مدّ يدنا وسنعمل على إنجاح أي خطوة من شأنها ترسيخ الأمن والاستقرار والازدهار والتنمية، ونحن متفائلون بالمجلس التنسيقي المشترك بين العراق والسعودية وبما سيحققه لشعبينا الشقيقين، وأحثّ السادة الوزراء من الجانبين على التعاون والإسراع بتنفيذها بأقصى جهد ليرى المواطنون هذا الجهد”.
وتمثل زيارة العبادي إلى السعودية منطلقا لجولة عربية وإقليمية تشمل 4 دول أخرى. وقال مكتب العبادي إن رئيس الوزراء، على رأس وفد من 5 أعضاء، سيقوم بجولة تشمل عدة دول لكنه لم يحددها.
وفور إنهاء أعمال المجلس التنسيقي في الرياض توجه العبادي إلى القاهرة في زيارة قصيرة استمرت ساعات، بحث خلالها مع المسؤولين المصريين سبل تطوير العلاقات بين البلدين، قبل أن تحط طائرته في العاصمة الأردنية عمان.
ومن المنتظر أن تشمل جولة العبادي أيضا كلا من إيران وتركيا، وفقا لمصادر مطلعة.