على مرمى أسبوع فقط على الذكرى السنوية الأولى من انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في تسوية سياسية، ما تزال مفاعيلها تطوي ملفات عالقة، الواحد تلو الآخر، وتعلن القوى التي ابرمتها تمسكها بها، ما خلا الانتقاد الذي عبّر عنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من استراليا، لجهة إعلانه بأنه غير سعيد بما الت إليه الأمور، وأن ما كان يؤمل من التسوية التي أتت بالرئيس عون إلى كرسي الرئاسة الأولى لم يحصل، وأن الوضع الآن ليس جيداً، لأن لا دولة فعلية في لبنان، وأن حزب الله يسيطر على قرار السلم والحرب، وبسبب الفساد أيضاً، معلناً تعويله على اللبنانيين في الخارج لاحداث هذا التغيير عبر الانتخابات النيابية.
وإذا كانت نقاشات الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء على جبهة الطلب من الشركات الراغبة بالاشتراك في مناقصة الكهرباء ما تزال تتفاعل، على قاعدة الاستياء العوني من أداء وزراء القوات اللبنانية، الذين سجلوا اعتراضهم على القرار، حيث سرت غداة ذلك أجواء عن عزم الوزراء الثلاثة الاستقالة، وهو الامر الذي سارعت أوساط القوات إلى نفيه انطلاقاً من ان المعارضة التي تعتمدها لم تصل بعد إلى حدّ خطوة الاستقالة، فالكيل لم يطفح بعد، مع ان حلفاء «القوات» لم يلتزموا بما اتفق عليه، خلال التسوية التي أدّت إلى التصويت لصالح انتخاب العماد عون، في إشارة إلى التيار الوطني الحر.
ومع ان حركة الاتصالات الإقليمية الدولية تشكّل موضع متابعة لكبار المسؤولين، لا سيما الاتصالات التي عقدت في الرياض، وشارك فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (الخبر في مكان آخر)، فإن مصادر سياسية واسعة الاطلاع قالت لـ«اللواء» ان الترقب سيكون سيّد الموقف إزاء العقوبات الأميركية التي سيقرها الكونغرس، وانعكاسات هذا الاجراء على الوضع الداخلي، فإن مناخ التسوية السياسية، بعد إقرار موازنة العام 2017 يُركّز على مواضيع ثلاثة، تتزاحم امام الحكومة:
مناقشة وإقرار وإحالة موازنة العام 2018 إلى المجلس النيابي، والاعداد لتعيينات المجلس الدستوري، من قبل الحكومة، فضلاً عن انتخاب نصف الأعضاء في المجلس النيابي، بعد ما انتهت ولاية المجلس الحالي عام 2015، وهو مستمر بقوة الاستمرارية، إضافة إلى إلحاح وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على وضع الخطة التي اعدها بشأن النازحين على طاولة مجلس الوزراء، في ضوء التقرير الذي كشف عنه وزير الاقتصاد رائد خوري (وهو وزير عوني) عمّا وصف بالأرقام المخيفة، عن كلفة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للنزوح السوري على الاقتصاد واليد العاملة وسائر الخدمات الأخرى (18 مليار دولار انفق لبنان منذ العام 2011، فضلاً عن ارتفاع البطالة في صفوف اللبنانيين إلى 30٪).
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يكن وزّع على الوزراء دعوة لجلسة لمجلس الوزراء، أو حتى جدول الأعمال.. لكن مصادر وزارية لم تستبعد في اتصال مع «اللواء» ان يباشر مجلس الوزراء جلسات مناقشة موازنة العام 2018 يوم الأربعاء أو الخميس على أبعد تقدير.
أسبوع اللجان
وفي شأن وزاري متصل، فإن الأسبوع الطالع يفترض ان يكون أسبوع اللجان الوزارية بامتياز بهدف حسم الكثير من الملفات الحسّاسة والخلافية المطروحة، فيما مجلس الوزراء يستعد للاعداد لموازنة العام 2018، من دون ان يُحدّد بعد موعد جلسته الأسبوعية، لا مكان انعقادها ولا جدول أعمالها.
اما اللجان المرشحة للانعقاد هذا الأسبوع فهي بحسب ما وعد الرئيس سعد الحريري، لجنة النازحين السوريين، ولجنة قانون الانتخاب ولجنة الكهرباء.
 مع العلم ان المقاربات الوزارية لكل من هذه الملفات مختلفة ومتباينة، مما دفع المعنيين بها إلى تأجيل حسم خياراتها النهائية، على الرغم من اقتراب الاستحقاقات المتصلة بها.
1- بالنسبة للجنة النازحين، والذي اعلم الرئيس الحريري في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، بأنه سيسعى لتأمين انعقادها هذا الأسبوع، فإن امامها مقاربتين لمسألة آلية عودة النازحين، الأولى لوزير الخارجية المغتربين جبران باسيل الذي يطرح ضرورة توفير كل الظروف لعودة آمنة لهؤلاء بعد ما تمّ تأمين مناطق خفض التوتر في سوريا بنسبة تصل الى حولى 80 في المائة من الأرض السورية، والثانية لوزيري الداخلية نهاد المشنوق ووزير شؤون النازحين معين المرعبي، اللذين لا يريان مانعا من عودة هؤلاء النازحين، شرط ان تكون آمنة، وفي ظل رعاية مباشرة للأمم المتحدة، معتبرين ان الحدود مفتوحة لمن يرغب بالعودة، لكنهما يمانعان في إرغام النازحين على العودة، لكن الخلاف الرئيسي بين المقاربتين يكمن في مسألة الحوار مع النظام السوري حول هذا الأمر، فالوزير باسيل يرى في هذا الأمر ضرورة وطنية لإنهاء هذه الكارثة التي تُهدّد لبنان بالانفجار، بحسب ما أبلغ الرئيس ميشال عون الدول الخمس الكبرى في  لقائه بهم الأسبوع الماضي، فيما الفريق الثاني والذي يتضامن معه الرئيس الحريري في نفس الرؤية، يرى ان لا مانع من استمرار التواصل القائم حاليا عبر قناة الأمن العام اللبناني، لكنه يرفض بشدة مجرّد فتح قناة تواصل ثانية مع النظام، لاعتقاده بأن هذا النظام  هو المسؤول عن تشريد ثلث شعبه، وبالتالي فإنه إذا كان يريد اعادتهم فليطلب هو ذلك من اتباعه الموجودين في لبنان.
2 - لجنة تطبيق قانون الانتخاب: مع تسليم جميع القوى السياسية، بمن فيهم النواب الذين وضعوا وصدقوا عليه، بوجود تعقيدات في القانون، والتي لم يخفها وزير الداخلية نفسه، فإن الخلاف حول تفاصيل العملية الانتخابية سياسيا وتقنيا ما زال قائما، خصوصا في ظل حديث متكرر عن احتمال إدخال تعديلات على القانون نفسه، لجهة وسيلة التصويت (البطاقة البيومترية أو الهوية القديمة) ومكانه (مكان قيد النفوس أو مكان السكن) وربما ايضا لجهة الصوت التفضيلي وطريقة احتساب الأصوات.
وترجح مصادر اللجنة ان يكون اجتماعها المقرّر قبل نهاية الأسبوع حاسما لجهة إنهاء الجدل حول التسجيل المسبق، بحيث تكون الخطة «ب» التي اقترحها الوزير المشنوق هي الحل، وهي تقضي بأن يكون التسجيل المسبق للراغبين فقط، والذين تتوقع مصادر الداخلية ان لا يتجاوز عددهم الـ500 ألف. وفي هذه الحالة يمكن اعتماد البطاقة البيومترية، والتي ستكون ايضا بمثابة حل لمسألة «الرقم الوطني الواحد» الذي اجاز القانون الصادر في العام 2012 اعتماده، بحيث يكون للبطاقة البيومترية رقم تعريف موحد فتكون بمثابة هوية جديدة مستقبلا.
يُشار هنا، انه على الرغم من برودة التحضيرات الرسمية لاجراء الانتخابات في موعدها المقرّر في أيّار من العام المقبل، بسبب عدم التوافق السياسي على آلية تطبيق القانون، فإن بعض القوى السياسية باشرت تحركها التحضيري لخوض الانتخابات، وأعلن بعضها مثل تيّار «المستقبل» إطلاق ماكينته الانتخابية في بيروت، وكذلك «الحزب التقدمي الاشتراكي» في الجبل، و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، فيما تعتبر قوى وشخصيات سياسية أخرى انه من المبكر بدء مسار التحضيرات الانتخابية قبل بداية العام الجديد، لحين اتضاح كل تفاصيل العملية الانتخابية.
وكشفت معلومات، ان تيّار «المستقبل» دأب مؤخرا على عقد ندوات للمخاتير والمفاتيح الانتخابية في بيروت من أجل شرح التفاصيل التقنية لقانون الانتخاب وكيفية حصول التصويت وجمع الأصوات وانتقال الناخبين الموجودين خارج العاصمة.
وعلى خط مواز تقوم شخصيات وقوى المجتمع المدني باتصالات وتحركات من أجل معرفة حالة الناخبين، لا سيما مع وجود حالة استياء لدى الجمهور من ممارسات واداء القوى السياسية التي تعتبرها قوى المجتمع المدني مسؤولة عن تردي الأوضاع في البلاد على كل المستويات ولا تستبعد هذه القوى ان تشكّل جميعها جبهة سياسية واحدة لخوض الانتخابات في جميع الدوائر، بحسب ما رشح في اجتماعها الأخير أمس.
3 - لجنة الكهرباء التي شكلها مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي لحسم مسألة فض عروض مناقصة توليد الكهرباء، سواء عبر معامل في البر أو في البحر، بعدما رفضت هيئة إدارة المناقصات ثلاثة عروض من ثلاث شركات، والغت العرض الرابع لشركة «كاردينير» التركية لعدم وجود منافسة.
وكانت الحكومة اعطت الشركات الثلاث مهلة أسبوع لتقديم عروضها الجديدة، لكن إدارة المناقصات رفضت استلام هذه العروض باعتبار ان هذه العملية من صلاحية لجنة فض العروض، والتي اعتبرت بدورها وجود مخالفات جوهرية في دفتر الشروط الخاص بالمناقصة، لا سيما المادة 37 من نظام المناقصات.
ولفتت مصادر إدارة المناقصات إلى ان قرار مجلس الوزراء بالطلب من الشركات استكمال مستنداتها مخالف للقانون، لأن هذا الأمر ليس من صلاحياته، بل من صلاحيات لجنة فض العروض، الأمر الذي يفتح الباب امام الطعن بقرار مجلس الوزراء في حال تبني وجهة نظر اللجنة الوزارية.
ومهما كان من أمر ما ستخرج به اللجنة الوزارية والتي يفترض أن تحسم قرارها بعد مهلة الأسبوع للشركات، فإن اعتراض وزراء «القوات اللبنانية» على تشكيل اللجنة، وبالتالي استبعاد إدارة المناقصات عن ملف الكهرباء، ورفضهم التمثيل في اللجنة الوزارية، أثار تكهنات سياسية حول ما اذا كان أصبح وجود «القوات» في الحكومة لزوم ما لا يلزم.
لكن أوساط «القوات» وعلى لسان وزير الإعلام ملحم رياشي، نفت أن يكون الوزراء في وارد الاستقالة حالياً في الحكومة، معتبرة ان الكيل لم يطفح بعد، على الرغم من انها غير راضية على كثير من الممارسات داخل الحكومة، داعية إلى استمرار التوازن والعمل تحت سقف القانون والمؤسسات.
ولاحظ الوزير رياشي ان وجود «القوات» في الحكومة يزعج البعض، وهذا صحيح، لكن قرار الاستقالة يعود لرئيس الحزب سمير جعجع، الموجود حالياً في اوستراليا، معتبراً ان كل الاحتمالات واردة، لكن الأمر سابق لأوانه..
أما نائب رئيس حزب «القوات» النائب جورج عدوان فأكد من جهته في مقابلة مع تلفزيون «الجديد» ضمن برنامج «الأسبوع في ساعة» انه حين تتوصل «القوات» إلى قناعة بأن قدرتها التصحيحة في الحكومة غير قابلة للتحقيق فقد يستقيل وزراؤها، مشيراً إلى ان «القوات» هي في سياق الحرص وليس في سياق وضع الضغوط على الآخرين، مؤكداً ان إرادة الالتزام بالقانون مشتركة بينها وبين الرئيس الحريري، مشدداً الحرص على الاستقرار وعلى العهد الذي أنتجه تفاهمنا مع «التيار الوطني الحر».