فيديو مسرب للنائب ستريدا جعجع من أستراليا كان كفيلا في تأجيج عواطف الإستنكار والإدانة من أبناء الشمال المسيحي.
هذا الفيديو الذي إنتشر بسرعة البرق بين اللبنانيين كان موضع رفض من قبل القواتيين قبل أبناء المردة لما تضمنه من كلام يذكر بحقبات تاريخية حاول الطرفين منذ ما بعد ال 2005 طيها إلى الأبد.
لكن ستريدا جعجع وبجرأة عالية تقدمت بإعتذار علني لأبناء زغرتا وأوضحت أن ما تقصده من كلامها لا علاقة له بمجزرة إهدن الشهيرة.
وإن كان الفيديو مؤلما ويذكر بأحزان وأتراح في حقبة الحرب الأهلية إلا أنه قدم خدمة مجانية ليكون ذريعة لتخطي آخر العراقيل التي تمنع قيام المصالحة بين تيار المردة وحزب القوات اللبنانية، فبسببه أطل الدكتور سمير جعجع ليعلن أمام الملأ ولأول مرة أن " مجزرة إهدن كانت لحظة تخلي أدت إلى إستشهاد طوني فرنجية ورفاقه ".
كلمات جعجع ليست عادية لمن هو مطلع على خفايا العلاقة بين أقوى مكونين مسيحيين في الشمال، فهي إعتراف علني بجدية الحكيم الذي لا لبس فيها لإغلاق صفحة مؤلمة من تاريخ المسيحيين.
سبق كلام جعجع رد واعي من مصادر تيار المردة التي وصفت إعتذار النائب جعجع بأنه كافي.
إقرأ أيضا : جعجع: الحكم بملف إغتيال بشير الجميل هو حكم بحق كل فريق 8 آذار
المصالحة لا تعني تحالفا إنتخابيا :
وما حصل في اليومين الأخيرين على خط بنشعي - معراب هو إعلان بأن النوايا طيبة عند كلا الطرفين للذهاب بعيدا بالمصالحة والتي لن تتحقق إلا بلقاء النائب سليمان فرنجية والدكتور سمير جعجع شخصيا.
وستكمن أهمية هذا اللقاء الثنائي عندما يحصل كونه تأسيس لمرحلة ما بعد المصالحة التي لن تنتهي فقط عند لقاء من هنا أو زيارة من هناك فإحتمالات التحالف الإنتخابي قوية لكن يقابلها صعوبات لا يستهان بها.
ولا شك أن العلاقة بين المردة والقوات شهدت تحسنا في الآونة الأخيرة عبر زيارات متبادلة على مستوى وزراء ولجان تنسيق على الأرض لكن كل هذه الخطوات لم تكن كافية لإقامة المصالحة الحقيقية حتى وقت تسريب فيديو ستريدا جعجع.
فالفيديو وعلى قاعدة " رب ضارة نافعة " حقق العديد من الأشياء الداعمة لإقامة مصالحة حقيقية وأهم هذه الأشياء هو كلام جعجع عن مجزرة إهدن وبالتالي قد تشهد الأيام المقبلة العديد من اللقاءات المكثفة بين الطرفين من أجل العمل على هذه المصالحة كون أهم عثرة بوجهها قد تم التعامل معها بالأسلوب المناسب ولا يوجد حاليا أي عثرة لإقامة هكذا مصالحة.
أما التحالف الإنتخابي فشيء آخر وهو يواجه العديد من العراقيل أهمها إختلاف في الرؤية الإستراتيجية بين الطرفين حول كيفية الدفاع عن لبنان.
فالمردة يعتبرون سلاح حزب الله والمعادلة الثلاثية كفيلة بحماية لبنان من الإعتداءات الخارجية أما القوات فترى أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية قادرة على حماية البلد من أي عدوان خارجي.
مقابل هذا العائق ، هناك من يرى أن هذا الأمر قد يتم تخطيه لإجراء حلف إنتخابي ليس بالضرورة شاملا بل مناطقيا خصوصا في البترون من أجل كسر الوزير جبران باسيل غير المرغوب به من قبل الطرفين.
فإفشال باسيل إنتخابيا يعني كسر حالته السياسية أو إضعافها بالحد الأدنى ما سيؤثر على مستقبله السياسي كرئيس للتيار وكمشروع رئيس للجمهورية في المستقبل .
إقرأ أيضا : القوات والمردة... حب مستجد وتحالف محتمل
هذه الأمنية هي مشتركة بين المردة والقوات وقد تكون كافية لإقامة هذا الحلف الإنتخابي والإطاحة بجبران إلا إذا ضغط حزب الله على فرنجية.
فأوساط الحزب لا يوجد عندها مانع من إجراء المصالحة التاريخية المنتظرة ولن تقف عائقا أمامها كما يبدو لكنها ستمنع إقامة حلف إنتخابي بين المردة والقوات كونها ترفض كسر جبران باسيل إنتخابيا لما قدمه لحزب الله من خدمات على مستوى السياسة الخارجية للدولة اللبنانية.
هذا الرأي تؤكده معطيات تداولتها بعض الصحف اللبنانية عن طلب حزب الله من حلفائه أن لا يضغطوا على باسيل في الفترة القادمة ويخففوا من وتيرة إنتقاداتهم له ضمن خطة يعمل عليها الحزب للتوجه إلى الإنتخابات النيابية على أساس فريق واحد ضد قوى 14 آذار وهو سيحاول التقريب بين حلفائه والتخفيف من التشنجات الموجودة.
وبين التحالف والمصالحة خيط رفيع يمسك به حزب الله جيدا، قد ينجح الحزب بالمهمة وقد يفشل أيضا لإعتبارات عديدة تبدأ من لقاء كليمنصو ولا تنته بالحملة الدولية والضغوطات الإقتصادية عليه.
أما شمالا ، فالأجواء كلها تشير أن المصالحة هي قدر لا بد من حصولها يوما ما.