ثمة قراءات مختلفة للمشهد الإقليمي. يرتاح حزب الله لما يجري، ويعتبر أن محوره انتصر، على أرض الواقع، فيما مناهضو الحزب يعتبرون أن الانتصار غير منطقي، لأن الحرب ضده وضد إيران لم تبدأ بعد. وبين هاتين القراءتين المتناقضتين كلام كثير وتحليلات أكثر. إذ يتزايد الكلام عن مؤشرات التصعيد في المنطقة ضد إيران، وتركز عليه كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهذا ما يصل إلى مسامع المسؤولين اللبنانيين من خلال اتصالاتهم أو جولاتهم الخارجية.

موقف جديد أطلقه الوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، بعد زيارته مدينة الرقة شرق سوريا، برفقة مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا بريت مغيرك، إذ غرّد السبهان: "تحدّثوا بكل طاقاتكم وحرّكوا جمع مشاريعكم، فقريباً الصمت سوف يطبق والإرهاب وأهله إلى مصيرهم المحتوم. وكما قضي على داعش سيقضى على أخواتها". أصبح معروفاً من يقصد السبهان بأخوات داعش، وهو لطالما اعتبر أن حزب الله المدعوم من إيران هو الوجه الآخر للإرهاب، والوجه الآخر لداعش. كما أن السعودية والولايات المتحدة تعتبران إيران أكبر راع وداعم للإرهاب.

زاد من شكوك التصعيد كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خلال زيارته أستراليا، الذي أشار إلى أن لديه خشية من احتمال نشوب حرب، ومن أن الأيام المقبلة ستكون صعبة على لبنان والمنطقة. وهذا ما ربطه البعض بالتصعيد الأميركي ضد إيران وحزب الله وبإمكانية استغلاله من جانب إسرائيل لتوجيه ضربة إلى الحزب بين لبنان وسوريا. فيما هناك من يخشى أن تستخدم إيران ورقة الجنوب لمواجهة الضغط الذي تتعرض له، لا سيما أن هؤلاء يعتبرون ان المرحلة المقبلة، وبعدما انتهت معركة داعش في الرقة، ستتركز على تقويض نفوذ إيران في سوريا، وتوجيه ضربات إلى حزب الله. بالتالي، فإن إيران ستردّ من خلال جبهة الجنوب، رداً على ما ستتعرض له، خصوصاً في ضوء اتفاق إسرائيلي روسي خلال زيارة وزير دفاع روسيا إلى إسرائيل، على إبعاد إيران عن جنوب سوريا، وإقامة منطقة آمنة بعمق 25 كيلومتراً. وبالتأكيد لا ينفصل هذا الكلام، عما حصل من إتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والملك سلمان بن عبد العزيز.

ويترافق هذا الكلام، مع استمرار الضغط الأممي على لبنان، وقد تجلّى أخيراً بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتيرس، الذي شدد على وجوب الإلتزام اللبناني بتطبيق مندرجات القرار 1559. واعتبر تقرير غويتيرس أن حزب الله مصدر اخطار على استقرار لبنان والمنطقة على السواء"، بسبب "انخراطه في الحرب السورية وفي خلية العبدلي في الكويت" وفي "أماكن أخرى في المنطقة". واعتبر أن "الحزب لا يزال الميليشيا الأكثر تسلحاً خارج سيطرة الحكومة في لبنان، ويشكّل شذوذاً أساسياً في دولة ديموقراطية".

تصعيد الأمين العام للامم المتحدة قابله تصعيد جديد للسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي اعتبرت أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يتبجح بأن السلاح والأموال يأتيانه من إيران وبأن العقوبات لن تؤثر على حزبه. وأشارت إلى وجوب معاقبة طهران بشكل شمولي، على نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في مختلف الدول.

وهنا ثمة من يعتبر أن الضغط الأميركي العربي سيستمر في الفترة المقبلة، للوصول إلى متغيرات جديدة تفرض على الساحة العربية، ولبنان لن يكون بعيداً منها، بل سيكون جزءاً منها، إذ إن هناك معطيات تشير إلى إمكانية تعرّض حزب الله إلى ضربات سواء أكان في سوريا أم لبنان.

في المقابل، يعتبر حزب الله أن هذا الكلام ليس إلا تحليلات غير واقعية، ولا أفق لهذا التصعيد ضد إيران سوى من خلال عقوبات مالية أو ضغط سياسي وإعلامي. ويعتبر الحزب أن مناطق النفوذ أصبحت واضحة، وإيران لديها حصة لا يمكن لأي طرف أن ينتزعها منها. أما السعودية فهي التي تحاول استجماع قواها للعودة إلى الساحة الإقليمية وخصوصاً في سوريا.

أما في لبنان، فيعتبر الحزب أن الوضع باقٍ كما هو، ولن يتغير. وهذا ما تجلّى في موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، الرافض للتصعيد لأنه يعلم أنه لن يكون قادراً على إحداث أي تغيير في موازين القوى. ويعتبر الحزب أن الاستدعاءات السعودية لبعض القيادات اللبنانية كانت محاولة فاشلة، لأن النائب سامي الجميل أعلن صراحة أنه لا يمكنه مواجهة حزب الله أو الدخول في هذا المشروع. وكذلك سمير جعجع الذي اعتبر أنه لا يمكن أن يواجه وحيداً فيما الحريري شريك حزب الله في الحكومة.