يواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الراعوية الى ابرشية سيدة لبنان - لوس انجلس، الولايات المتحدة الاميركية، وقد توجه صباح اليوم من ولاية ميشيغان الى مدينة سولت لايك سيتي عاصمة ولاية يوتا UTAH، يرافقه راعي الابرشية المطران الياس عبدالله زيدان والمطران بولس صياح ومدير المكتب الاعلامي في بكركي وليد غياض. وكان في استقباله في المطار كاهن رعية سان جود (مار لابا) المونسنيور جبران بو مرعي وعدد من ابناء الرعية.
وفي المطرانية اللاتينية، اقام راعي الابرشية المطران اوسكار سوليس Oscar Solis، استقبالا على شرف الراعي، تلاه لقاء مع وفد من كبار المسؤولين في طائفة المورمون التي يشكل ابناؤها الغالبية الساحقة في ولاية يوتا. بعد ذلك، عقد لقاء مع الاعلاميين اجاب فيه الراعي على اسئلة الصحافيين، فأكد انه "من حق كل اللاجئين الى لبنان المسيحيين والمسلمين العودة الى اراضيهم وبلدانهم، من اجل المحافظة على ثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم. ونحن لسنا في مشكلة معهم، انما ندعم قضيتهم الانسانية والوطنية، ولكن استمرار وجودهم في لبنان يشكل عبئا وخطرا سياسيا وديمغرافيا واقتصاديا وامنيا".
اضاف ردا على سؤال: "اذا كان في نية المجتمع الدولي توطين اللاجئين في لبنان، فهذا امر مرفوض من قبل جميع اللبنانيين وفي الدستور اللبناني. وهذا خطر كبير يهدد الاستقرار في المنطقة. ومع تضامننا الانساني الكامل مع النازحين، لم يعد باستطاعة لبنان واللبنانيين تحمل المزيد من تداعيات النزوح".
واشار الى ان "المسيحيين طبعوا بثقافتهم الشرق وكانوا في اساس حضارته، وهم خلقوا الاعتدال الاسلامي وعززوه بفعل العيش الواحد مع المسلمين، وقد تبادلوا معا الحضارة والقيم. واذا فقد المسيحيون تأثيرهم ودورهم في الشرق الاوسط سيفقد المسلمون الاعتدال".
وتابع: "يتميز لبنان عن سائر دول الشرق الاوسط بسبب فصله الدين عن الدولة، وبفعل العيش المسيحي - الاسلامي المتوازن، وهذا ما يحول دون امكانية حكمه من قبل اية طائفة او سيطرتها عليه".
بعد ذلك، عقد لقاء مسكوني ضم ممثلين عن الطوائف المسيحية والاسلامية في الولاية. وبعد كلمة للبطريرك الراعي كان نقاش وحوار مفتوح مع غبطته اجاب خلاله على اسئلة المشاركين التي تمحورت حول الاوضاع في الشرق الاوسط ومصير المسيحيين فيه ومسألة النزوح الى لبنان.
واعرب الراعي خلال الحوار عن استغرابه من طريقة تعامل "المجتمع الدولي الذي يكتفي بتهنئة لبنان على استضافته للنازحين دون تحمل مسؤوليته كما يجب حيال ذلك. فاذا بقي النازحون لمدة اطول بفعل استمرار الحروب، فهذا يعني ان المجتمع الدولي يساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تحضير ارهابيين واصوليين في الشرق، وربما في لبنان، عبر تغافله عن القيام بواجبه. الارهابيون خرجوا من مجتمعات تعيش في البؤس والضياع والفقر وباعوا نفوسهم للشر بعد غسل ادمغتهم واللعب على عصبياتهم التي لا تمت الى دين سماوي بصلة".
اضاف: "لبنان يتأثر بمحيطه وهو صغير المساحة، ولكنه يحمل رسالة كبيرة وبحكم موقعه الجغرافي على باب المتوسط فهو يتأثر بالتدخل السياسي من الخارج، خصوصا اذا مس هذا التدخل الانتماء الديني او الطائفي".
ثم زار الراعي دير الراهبات الكرمليات، حيث اقام الصلاة في كنيسة الدير على نية السلام في لبنان والشرق الاوسط.
وفي كنيسة القديس منصور دو بول، احتفل البطريرك الراعي بالذبيحة الالهية عاونه فيها المطارنة سوليس وزيدان وصياح وكاهن الرعية المونسنيور جبران بو مرعي.
في مستهل القداس، القى المطران سوليس كلمة ترحيب اعتبر فيها ان "البطريرك الراعي يبارك بزيارته كل كنائس المدينة ورعاياها، وهو يحمل رسالة محبة وسلام من ارض القداسة"، آملا ان "ينعم لبنان بالاستقرار والشرق الاوسط بالسلام الدائم".
وبعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة تحت عنوان: "نمو ملكوت الله في حياتنا"، وجاء فيها:
"كلنا في خدمة المسيح، وعلينا ان نتمتع بالجهوزية الكاملة في حياتنا اليومية حتى يوم الدينونة. فمن واجبنا ان نشكل التربة الصالحة الحاضنة لكلمة الرب كي نثمر الثمار المرجوة التي ينتظرها الله منا".
اضاف: "نأتي من لبنان، الذي سماه القديس البابا يوحنا بولس الثاني "نموذجا ورسالة". هو نموذج التعددية الدينية والثقافية، وتعددية الرأي والتعبير، والتعددية الحزبية، فيما الاحادية بكل وجوهها وابعادها هي المعتمدة في كل بلدان الشرق الاوسط. ولبنان حامل رسالة العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، المنظم في الدستور، وفي الميثاق الوطني، بحيث ان المسيحيين والمسلمين يشاركون في الحكم والادارة بالمساواة والتوازن. وبنتيجة ذلك، نظام لبنان ديمقراطي برلماني، ولا يمكن ان يحكم من فئة دون سواها، ولا ان يتخذ منحا ديكتاتوريا.
ان لبنان، بميزاته هذه يشكل ضرورة في محيطه العربي. فيجب حمايته ومعرفة حقيقته وقيمته، والتعريف به لدى الرأي العام الاميركي والمسؤولين السياسيين. ذلك ان لبنان عنصر استقرار في محيطه ومكان لقاء للاديان والثقافات والحضارات. غير انه يعاني من نتائج الحروب الدائرة في الشرق الاوسط، ومن تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية. واننا نأمل من المجتمع الدولي ان يعي اهمية لبنان وبالتالي ان يبادر الى تخفيف الاعباء التي يتحملها بسبب ما يجري في محيطه، فيعمل على وقف الحروب والحد من الارهاب وعلى اعادة النازحين ومساعدتهم في اعمار ممتلكاتهم كما يدعم حياد لبنان وجعله مقرا لحوار الاديان والثقافات".
وفي ختام القداس، كانت كلمة شكر لراعي الابرشية المارونية المطران الياس عبدالله زيدان وصف فيها زيارة "رأس واب الكنيسة المارونية الى Salt lake city بالتاريخية والاستثنائية في حياة ابناء الرعية، كونها تأتي الاولى لبطريرك ماروني منذ تأسيس الرعية عام 1974"، معبرا عن "سرور الكنائس الشرقية وافتخارها بهذه الزيارة التي تعزز الانتماء الى الاوطان الاصلية والى الكنائس الام وتراثاتها الغنية".
وفي كلمة له خلال العشاء الذي اقامته رعية مار لابا بعد القداس، شدد البطريرك الراعي على "ضرورة حفاظ اللبنانيين على روابطهم بوطنهم الام لبنان وعلى استعادة جنسيتهم اللبنانية في حال فقدوها". وقال: "انا كبطريرك وكراع تأتي زيارتي لتؤكد على حبنا لكم ولتشجعكم على متابعة جهودكم في المحافظة على ايمان القديس مارون وابقائه حيا بينكم، انتم الذين تتخذونه مثالا وقدوة لكم. كلنا يعلم ان للكنيسة المارونية رسالة في العالم وهي حمل الانجيل الى الشعوب فتتوق الى القداسة على مثال ابينا القديس مارون. هو الذي سار على مثاله شربل ورفقا والحرديني".
اضاف: "نأتي من لبنان الذي وبالرغم من الصعوبات التي يمر بها، لا يزال ملجأ للعديد من اللاجئين الذين نصلي من اجلهم اليوم، سائلين الله ان يخفف من معاناتهم والامهم، وان يعيدهم بكرامة الى بلدانهم واراضيهم كي يعيشوا المواطنة الحقيقية وينعموا بالسلام والاستقرار. وفي سنة الشهادة والشهداء نحيي ارواح شهدائنا الذين سقطوا من اجل ايمانهم بالله ومن اجل وطنهم لبنان".
وختم الراعي: "يسعدني ان اشهد تفاني شعبنا الذي اسس رعية St Jude المارونية، واثمن تضحيات المؤسسين الاوائل من الاكليريكيين والعلمانيين، كما اهنئكم انتم على تفانيكم وعملكم الدؤوب واحيي اصدقاء الرعية المارونية والمحسنين اليها".