ممّا لا شكّ فيه أنّ إبداء الرأي في حكم المجلس العدلي في قضية الرئيس الراحل بشير الجميل لأمرٌ شائكٌ ومعقّد، فاغتيال بشير كان صفحةً سوداء في تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية، وأيُّ يومٍ لم يكن يوماً أسود في تاريخ هذه الحرب وتاريخ المشاركين فيها، منذ اتفاق القاهرة عام ١٩٦٨ الذي شرّع الوجود المسلّح الفلسطيني في أرض فتح في الجنوب اللبناني، حتى السماح للمقاتلين الفلسطينيّين بالتّدفق إلى لبنان عبر سوريا بعد أيلول "الأسود" في الأردن، وانتشار السلاح الفلسطيني في كافة أنحاء لبنان، ووقوف رجالات الحركة الوطنية اللبنانية بجانب الفلسطينيين لحماية المقاومة الفلسطينية، أيّ يومٍ ليس أسوداً في تاريخ الحرب الأهلية؟
يوم السبت الأسود في المنطقة الشرقية لبيروت والقتل على الهوية، أم يوم الأحد أو الاثنين الأسود في اجتياح الدامور وملحقاتها، أم يوم دخول القوات العربية السورية (تحت مسمّى قوات الردع العربية) إلى لبنان لحماية المقاومة الفلسطينية ومن ثمّ القضاء عليها؟ واقتلاع مخيم تلّ الزعتر أليس يوماً أسود آخر؟ ويوم ذهب بشير الجميل إلى إسرائيل طلباً للعون، أليس يوماً أسود في تاريخ الشاب المندفع لحماية استقلال لبنان وسيادته وكيانه؟ واغتيال الشهيد كمال جنبلاط، وهو الذي أفنى عمره في مقارعة إسرائيل، أليس يوماً حالك السواد؟ وحكم الوصاية السورية لأكثر من عقدين من الزمن، أليست أياماً وشهوراً وسنوات حالكة السواد؟
فلنكُفّ عن هذا التراشق المقيت، فمن منكم بلا خطيئة فليرم الآخرين بحجر.
بشير الجميل ظهرت له صور مع قادة إسرائيليّين في ذروة الحرب الأهلية، كما ظهرت صورٌ أخرى لضابط كبير مع قادة عسكريين إسرائيليّين، ومع ذلك فقد حمله "المُمانعون" على الأكتاف إلى سدّة الرئاسة.
فلنطو صفحات الحرب الأهلية إلى غير رجعة، ولنتذكر أنّ المجلس النيابي الذي انتخب بشير رئيساً للجمهورية، هو نفسه الذي أقرّ اتفاق الطائف، والذي ننعم ببركاته وخيراته اليوم.
كفى نبشاً للقبور وإخراج الجثث حيث ترقد بسلام، وصدق من قال يوماً بأنّ الجثث هي عبارة عن ألغامٍ مفخخة، لذا يجب التعامل معها بحذرٍ شديد.